أشعلت دفاتر التحملات الجديدة لقنوات القطب العمومي فتيل أول أزمة بين الإسلاميين والقناة الثانية منذ تعيين حكومة عبد الإله بنكيران في مستهل السنة الجارية. ورغم أن هذه الأزمة ليست الأولى من نوعها بين الطرفين، فقد اختلفت عن سابقاتها بحكم تغير موقع الحزب من المعارضة إلى الحكومة. لعبة شد الحبل بين القناة الثانية وإخوان بنكيران ليست جديدة. إذ في أواخر تسعينيات القرن الماضي، اتتقد الحزب، بعد تمكنه من انتزاع أول مقاعده داخل مجلس النواب في 1997، هذه القناة واتهمها بتهميشه وعدم تمكينه من حقه القانوني في التعبير عن آرائه. إذ لم يظهر قادة الحزب طيلة الولاية في أي برنامج حواري ذي طبيعة سياسية في القناتين العموميتين معا. في انتخابات 2002، عزز الإسلاميون مكانتهم في المؤسسة التشريعية وازدادت انتقاداتهم للقناة حدة، وبلغت ذروتها في خضم الأحداث الإرهابية التي استهدفت مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي 2003. إذ استضافت القناة ساعات بعد هذه الأحداث القيادي الاشتراكي الراحل، محمد بوزوبع، وكان حينها وزيرا للعدل، وألمح إلى مسؤولية العدالة والتنيمة «المعنوية عن تلك الأحداث». وعلى امتداد ولاية حكومة إدريس جطو بين سنتي 2002 و2007، ظل قادة العدالة والتنيمة يوجهون بين الفينة والأخرى انتقادات لاذعة إلى القناة ويتهمونها بتهميشهم وإقصائهم من حقهم المشروع في الولوج إلى خدماتها باعتبارها مرفقا عموميا. وكثيرا ما استنكر الحزب ما كان يسميه «إقصاءه الممنهج من البرامج الحوارية السياسية في القناتين العموميتين». وكانت القناة الثانية تنال عادة حصة الأسد من هذا الاستنكار. في سنة 2004، احتج أعضاء فريق العدالة والتنمية بشدة على إقصائهم من برامج «الأولى» و«دوزيم». محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية حاليا ووزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة في حكومة بنكيران، الذي كان وقتها يتولى منصب وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، استنجد بالأرقام ليدفع عن القناتين تهمة الإقصاء. غير أن سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الحالي، وكان وقتها أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، رد مؤكدا بأن حزبه «مقصي من البرامج الحوارية السياسية والنشرات الإخبارية في قناتي القطب العمومي»، ثم أضاف أن «الإقصاء موجود، واستمراره يعني أنه لا توجد ديمقراطية». في السنة ذاتها، عمد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات حاليا، بصفته رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إلى بعث رسالة إلى الوزارة الأولى ووزارة الاتصال والإدارتين العامتين للقناتين الأولى والثانية يحتج فيها على إقصاء قياديي حزبه من القنوات العمومية. وإذا كانت العلاقة بين العدالة والتنمية سارت في اتجاه الانفراج في الثمان سنوات الأخيرة، حيث غالبا ما كانت الانتقادات توجه إلى برنامج «حوار»، فإن التوتر بين هذا الحزب والقناة الثانية سيبلغ ذروته في مستهل سنة 2005 بعد إقدام القناة على بث تقرير إخباري حول الجدل الذي أثاره نشر مقال في عدد 5 يناير 2005 من جريدة «التجديد» تحت عنوان «إنذار مبكر للمغرب قبل فوات الأوان: السياحة الجنسية وزلزال تسونامي» للحسن السرات، الذي كان يومها يتولى رئاسة تحرير الجريدة المذكورة. وقد أثار بث هذا التقرير الإخباري، الذي أنجزه الصحافي توفيق الدباب، طيلة يوم 11 يناير، وهو تاريخ يصادف احتفالات المغرب بذكرى توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال، حفيظة قياديي العدالة والتنمية بعد أن وصفت جريدة «التجديد» بالمقربة من حزبهم، وقرروا، في سابقة في تاريخ الأحزاب المغربية، اللجوء إلى المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري من أجل إنصافهم. أكثر من ذلك، قررت «التجديد» نفسها أن تسير في الاتجاه ذاته ورفعت بدورها شكاية في الموضوع إلى المجلس. المجلس، الذي يترأسه أحد غزالي، أنصف الحزب وآثر عدم قبول شكاية «التجديد» بدعوى عدم الاختصاص. وهكذا، أصدر المجلس في فاتح فبراير 2005، أمره إلى شركة القناة الثانية بتمكين الحزب من أن يمارس، بواسطة ممثله الشرعي، حقه في الرد على إقحامه على لسان أحد المستجوبين في التحقيق الإخباري الذي بثته هذه القناة يوم 11 يناير 2005. وطالب القرار بضرورة أن يتم هذا الرد وفق شروط تقنية مماثلة لتلك التي تم فيها بث ذلك الإقحام، على ألا تتعدى مدة هذا الرد، مع تقديمه، دقيقتين. وجاء هذا القرار بعد أن اعتبر المجلس أن التقرير الإخباري موضوع الشكاية تضمن «تحاملا مقصودا وتشويها لمواقف الحزب، الأمر الذي اعتبره اعتداء على حرمة هيئة سياسية وطنية وتحريضا ضدها ومسّا بها»، رغم أن القناة أكدت في توضيحات بعثت بها إلى المجلس أنها «اقتصرت على ممارسة مهمتها الإخبارية في إطار التزاماتها التحريرية التي تجد مشروعيتها في ثوابت وقيم الديموقراطية والتسامح والتضامن والانفتاح التي تشكل ركيزة الأمة المغربية، وبأن التحقيق الذي قامت بإنجازه ليس نابعا من أي نية مبيتة في إيذاء الطرف المشتكي، وبأنه سبق لها أن عرضت على ممثل الحزب المشتكي ممارسة حقه في الرد، إلا أنه اشترط لذلك شروطا اعتبرتها غير مقبولة»، وفق ما ورد في نص القرار. وبالفعل، حل سعد الدين العثماني، ضيفا على نشرة الأخبار المسائية ومنح حق الرد على التقرير الإخباري موضوع الشكاية. وبعد أن قوى الحزب وجوده في مجلس النواب عقب الانتخابات التشريعية لسنة 2007، واصل انتقاداته للقناة الثانية. وأثناء مناقشة قانون المالية في الدورة الخريفية للسنة الموالية، فتح قياديو العدالة والتنمية النار من جديد على القناة، واتهموها بالانحياز إلى الأغلبية وتهميش صوتهم في المعارضة. وقد نقل الحزب هذه الاحتجاجات إلى خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السابق. وشملت الانتقادات، التي همت بالأساس برنامج «المجلة البرلمانية»، أيضا طريقة تدبير القناة لسؤال داخل قبة البرلمان عن قضية إغلاق دور القرآن. ولا يتردد قياديون من الحزب في التعبير عن عدم رضاهم عن الطريقة التي تشتغل بها القناة وأسلوبها في التعامل مع أنشطة حزبهم، ومنهم من يلومها على أسلوب تعاطيها مع قضايا الهوية والحداثة. فهل تضع دفاتر تحملات الخلفي حدا لسنوات عديدة من لعبة شد الحبل بين القناة الثانية وإخوان بنكيران؟.