يوم السبت القادم، الموافق للثامن والعشرين من أبريل، يغادر رشيد نيني سجن عكاشة مرفوع الرأس بعد أن يكون قد قضى عاما كاملا من الحبس السوريالي؛ فهنيئا للصديق رشيد نيني على استرجاعه لحريته بعد عام على تجربة مريرة حرم خلالها، ولفترة طويلة، من الخبر والقلم والورق الذي يبقى الأكسجين الحيوي لأي كاتب-صحافي. وكل من يعرف شغف رشيد بالكتابة و«معاقرته» المتواصلة للكلمات، يدرك أن الذين حرموه من القلم والورق سعوا، لكن بدون نتيجة، إلى إلحاق الهزيمة بروح المقاومة التي تنشطه. 28 أبريل 2011 – 28 أبريل 2012.. عام كامل، غاب فيه رشيد عن قرائه، لكن المشروع الذي ساهم في إرساء دعائمه ودفع به إلى ريادة المشهد الإعلامي لم ينتكس، بل عزز موقعه في الصدارة؛ عام شهد فيه المغرب والعالم العربي-الإسلامي تحولات سياسية واجتماعية جسيمة بفوز الإسلاميين ممثلين بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، تشكيل حكومة ائتلاف (هي قيد التحول إلى حكومة إتلاف)، نزيف حركة 20 فبراير من زخمها، تصفية العقيد معمر القذافي، رحيل الطاغية علي عبد الله صالح، صعود الإسلاميين إلى السلطة في كل من تونس ومصر، وتجاذبهم مع السلفيين والعسكر، تصفية بن لادن، كشف نظام بشار الأسد عن بربرية لا تضاهيها سوى وحشية والده... عام أعيد فيه تشكيل وتوزيع العديد من الأوراق السياسية. وغاب في هذا السياق التوقيع المميز لرشيد نيني، حُجبت عن القراء إضاءته وإمضاءاته النيرة، ذلك أن رغبة أولئك الذين تشبثوا بإلقائه وإبقائه في سجن عكاشة تعمل تبعا للشعار الخالد «خلي خوك غافل». بحبسه، لم يخرج المغرب مرفوع الرأس في تصنيف قائمة المنظمات الحقوقية ولا المنظمات المدافعة عن حرية الرأي والتعبير، فقد أشارت منظمة «مراسلون بلا حدود»، التي تبنت الدفاع عن رشيد نيني وكانت على اتصال دائم بمصطفى الرميد، محاميه، وقبل أن يصبح وزيرا للعدل، إلى أن «المغرب يثبت منحى تراجعه بخسارته ثلاث مراتب ليستقر في المرتبة ال138 إثر سجن الرئيس المؤسس لجريدة «المساء»، نيني، الذي لا يزال محتجزا منذ 28 أبريل». في 28 أبريل، يسترجع رشيد حريته للاستمتاع بدفء العائلة والأصدقاء قبل التفكير والحسم في خيارات المستقبل. يتزامن إطلاق سراحه مع حدث دولي في غاية الأهمية، لو سنحت له فرصة معالجته لكان قد خصه بعمود «شوف تشوف» من العيار الثقيل، ألا وهو تنظيم الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في فرنسا. لي اليقين بأن رشيد، مثله مثل غالبية المغاربة، يتمنى في قرارة نفسه رحيل ساركوزي ولسان حاله يقول: «ديكاج». استلهمت الثورات العربية هذه الكلمة لدعوة الطغاة إلى «هز القلوع» والتنحي عن السلطة، إلى إخلاء السبيل. وفي حق ساركوزي، لو تأكدت هزيمته في الدور الثاني، فلا يسعنا إلا ترديد العبارة المغربية «الماء والشطابة..». في ظل ولايته انتكست الحريات العامة والخاصة، تحولت فرنسا إلى جدارمي، ضرب سياج وقائي وأمني من حول بلد الحريات وحقوق الإنسان، وأصبح الأجانب، والمسلمون تحديدا، أكباش فداء يأكل الصوفَ «على ظهورهم» كلُّ من هب ودب من الإسلاموفوبيين والمتطرفين. ولم تغر الناخبين الفزاعاتُ التي رفعها كل من ساركوزي وكلود غيان ومارين لوبان وغيرهم دفاعا عن «القيم الفرنسية» أو «من أجل فرنسا خالصة ونقية من الأجانب». اليوم ثمة أجانب، من بينهم مغاربة (طلبة، أطر، عمال)، غادروا نهائيا فرنسا، فيما يفضل البعض الآخر التوجه إلى «قرطاجنة» بدل السفر إلى فرنسا. مبعث كراهية العديد من المغاربة أيضا هو أن ثمة ذئابا مغربية مستنفذة هي على شاكلة ساركوزي بما تجسده من سلوكيات الربح والريع والجشع والاستخفاف بالناس البسطاء، وهي الفصيلة التي قارعها رشيد نيني بالقلم بلا هوادة، متوجها إليها بكلمة «ديكاج». المشكل أن ثمة أشخاصا تطردهم من الباب فيتسللون إلى البيت عبر النافذة. فماذا لو «ورك لينا» ساركوزي، بعد رحيله من الإليزيه، رفقة زوجته وابنته في مراكش!