ما حصل في مركب محمد الخامس بالدارالبيضاء مساء السبت الماضي من مواجهات دامية بين فلول من المتفرجين والقوات الأمنية، ليس سابقة في مشهدنا الرياضي، كما قال معلق إذاعي حاول نقل وقائع المواجهة وسط حطام الكراسي ودخان الشهب النارية كمراسلي الفضائيات الأجنبية في جبهات القتال قبل أن يفر بجلده وميكروفونه، فقد عاشت ملاعب الكرة نوبات شغب في الحسيمة والداخلة والعيون ومراكش والدارالبيضاء والرباط ومكناس وفاس والجديدة والخميسات وغيرها من المدن المغربية، لكنها لم تحظ بالتغطية الإعلامية المكثفة كما حصل في مركب محمد الخامس، ولم ترق إلى درجة الانفلات. أحيانا تسقط هراوة سهوا أو لهوا على رأس قاصر فتحرك بركة التحالف النائمة، وأحيانا تعبث مضامين لافتة مستفزة بالجماهير وتوقظ في النفوس روح القومية، وأحيانا يطلق حكم صافرة منفلتة فينفخ في جمرة الشغب الراقد تحت الرماد، لكن أن تتحول مدرجات الملعب إلى مسرح للجريمة المنظمة فتلك طبعة منقحة لفكر جهادي متطرف ضد كل من يقف في وجه الفوضى ويدعي سيطرته على فضاء تحول إلى ساحة للاحتجاج، على غرار ميدان التحرير في القاهرة والساحة الخضراء في طرابلس وساحة محمد علي في تونس وساحة التغيير في صنعاء، وغيرها من فضاءات التمرد ضد السلطة التي تحول كرة القدم إلى كرة الدم والندم. ما يزيد وضع تمرد المدرجات على السلطة احتقانا هو تساهل جامعة كرة القدم وسوء الفهم الكبير للظاهرة ولجوء لجنة العقوبات إلى أحكام ال«وي كلو»، أي إجراء المباريات بدون جمهور، وهو إجراء غامض أقرب إلى ال«وي فلو» وإلى قلوب مسيرين يؤمنون بمقولة العقل السليم في الجيب السليم، فيستمتعون بفرجة هادئة بعيدا عن زخات البصاق القادمة من المدرجات، ويعلنون صمودهم في وجه عاصفة الغضب الساطع من المدرجات. ولأن المصيبة إذا عمت هانت، فإن نهاية الأسبوع الماضي قد عرفت حالات شغب في كثير من ملاعب الكرة العربية، وهو ما يدعو إلى تخليد الذكرى والاحتفال سنويا باليوم العربي للشغب على غرار بقية الأيام المجيدة، وهي فرصة للترحم على ضحايا فتنة الكرة وصياغة توصيات غير قابلة للتنفيذ، خاصة من طرف قاصرين يصنعون نجوميتهم في نهاية كل أسبوع إيمانا منهم بالقول المأثور «إلاَ ما جابْها القلم والقدم يجيبها الشغب». وتتجاوز حالات التمرد ضد السلطة ملاعب الكرة إلى فضاءات أخرى أكثر دموية، خاصة في ميادين البناء «الرشوائي»، حيث تحول دوار التقلية بضواحي الدارالبيضاء إلى طنجرة ضغط، وشرع سكانه في تحويل القصدير إلى إسمنت «مسلح»؛ وحين استفاق المقدمون والشيوخ، باعتبارهم جهاز استعلامات القرب، اكتشفوا مساكن مبنية للمجهول وكتائب على خط المواجهة مستعدة للذود عن تجمع سكني يعتبر أشبه بثلاجة أصوات انتخابية، ولسان حالهم يردد المقطع الشهير من أغنية الستاتي التي تبشر التقلية بالحصانة في الدنيا والآخرة: «التقلية يالحباب ما يشوف عذاب». وبلغ الانفلات الأمني ذروته في ربوع الوطن حين رفض سائق دراجة ثلاثية الدفع الامتثال لقرار شرطي مرور بالقرب من العثمانية، وانهال عليه ضربا بسيف حوّل به وجهه إلى قطعة مزخرفة، وخرج سكان سيدي مومن يطلبون الأمن بعد أن أصبحت الجريمة هواية الأطفال والقاصرين والشباب بالمنطقة، وشملت الانتفاضة رجال القوات المساعدة الذين اقترحوا الاشتغال بزيهم المدني خوفا من غارات المتمردين، وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من خروج رجال أمن إلى الشارع للمطالبة بالحماية اللازمة ضد المشاغبين، في زمن يحن فيه الناس إلى تلك المقولة الغبية التي تقول «الله يعز المخزن». لهذه الاعتبارات وأمام حالة الإشباع من جمعيات حقوق الإنسان، ألم يحن الوقت لميلاد هيئات لواجبات الإنسان؟