لم يكتب للجمهور الغفير الذي حج إلى ساحة الراشيدي عشية يوم الخميس الماضي، أن ينعم بفرجة جماعية أمام الشاشة العملاقة التي انتصبت في فضاء يغري بمتابعة مباراة لكرة القدم بنفس الطقوس الجاري بها العمل في مدرجات الملاعب. فوجئ الجمهور الذي حل بفضاء نيفادا كما يسميه شباب الدارالبيضاء بالمنع، فقد كانت تعليمات البوليس العلني والسري واضحة، «ابحثوا عن مقهى قريبة من المكان فالشاشة الكبرى معطلة» اعتقد الكثيرون بأن الأمر مجرد مزحة لكن تقاسيم رجال الأمن الصارمة أكدت أن الأمر جد لاهزل فيه. كان مبرر العطب التقني الذي قدمته سلطات المدينة مستعصيا غير قابل لاختراق أذهان شباب كانوا يحلمون بفرجة مشاعة، على الفور تعددت الروايات وتناسلت المبررات الممكنة والمستحيلة، قال البعض إن تخوف الأمن من الشغب الذي يمكن أن ينجم عن الفرجة في حالة خسارة المنتخب المغربي أمام نظيره الغيني هو الداعي لإلغاء المشاهدة الجماعية، وذهبت التخمينات إلى حد البحث عن مبرر اقتصادي بعد أن قال أحد المنظرين إن المستشهر ليس هو الراعي الرسمي للكرة المغربية وأن الجامعة سجلت اعتراضا في الموضوع، لكن مصادر أمنية كشفت عن الحقيقة التي تجعل الهاجس الأمني فوق كل الاحتمالات. على بعد أمتار من ساحة الراشيدي كانت الأجهزة الأمنية لولاية الدارالبيضاء في حالة استنفار قصوى، تحسبا لأي طارئ خاصة وأن مجموعة العمل الوطني لمساندة العراق وفلسطين المشكلة أساسا من أغلبية إسلامية، اختارت نفس التوقيت موعدا لوقفة احتجاجية تضامنا مع منكوبي قطاع غزة. لكن نكبة جماهير الكرة في ساحة نيفادا لم تختلف كثيرا عن نكبة الفلسطينيين، خاصة وأن سبب الغضب ناتج عن انقطاع التيار الكهربائي في غزة وفي ساحة الراشيدي على حد سواء، عبر الكثير من الشباب الحامل لكل وسائل التشجيع عن قلقه الدفين من جراء حالة الإجلاء التي عرفها الفضاء والتي بدأت باللين وانتهت بالقوة. كان طاقم القناة الثانية يستعد لأخذ موقع استراتيجي بالمكان قبل أن يهمس في أذن أحد صحفييه ضابط يدعوه للانسحاب والعودة إلى عين السبع بأقل الأضرار، أما المصورون الذين حلوا بالساحة فاضطروا إلى الاستجابة للمطلب الأمني والتحول على وجه السرعة إلى ملتقى شارع مولاي يوسف والروداني لأخذ صور ناطقة عن الوقفة التضامنية بالقرب من القنصلية الأمريكية احتجاجا على قطع التيار الكهربائي وقطع الأرزاق. تضررالباعة المتجولون الذين اختاروا مبكرا مواقعهم في محيط الساحة الملونة بالأحمر والأخضر، وكسدت بضاعتهم خاصة وأن منتوجهم كان يأخد شكلا رياضيا، بالونات بلاستيكية عليها شعار البلد أعلام صغيرة قبعات بلوني المنتخب، « كاشكولات» بأسماء نجوم المنتخب وغيرها من السلع ذات الصلاحية المحدودة. غادرت الجماهير المكان دقائق قبل انطلاقة المباراة التي جمعت المنتخبين المغربي والغيني وهي تجر أديال الخيبة، قبلوا على مضض استبدال الشاشة الكبرى بشاشة صغيرة في مقاهي كتبت عليها عبارة محجوز، بينما انتشر العديد منهم في الدروب الدروب المجاورة بحثا عن كرسي شاغر في مقهى مختنقة زادتها هزيمة المنتخب المغربي اختناقا.