شن الكاتب الألماني الألماني الشهير الحاصل على نوبل سنة 1999 غونتر غراس هجوما لاذعا على إسرائيل، واصفا إياها بتهديد السلام العالمي، وانتقد رغبتها في ضرب إيران من خلال قصيدة جديدة نشرها الأسبوع الفائت. ولفت غراس في هذه القصيدة الانتباه إلى أن هناك «دولة أخرى تملك منذ سنوات ترسانة آخذة في الازدياد، مع أنها تبقى سرية ومن دون أي إشراف. إذ إن أي عملية تدقيق تبقى محظورة»، في إشارة إلى إسرائيل، التي وصفها بأنها تهديد للسلام العالمي، منتقدا رغبتها في ضرب إيران. وتدين قصيدة غراس النثرية المعنونة ب»ما ينبغي قوله»، والتي نشرتها أغلب الصحف الألمانية، ضربات وقائية قد تشنها إسرائيل على المنشآت النووية، معتبرا فيها أن هذه الضربة ستؤدي إلى «القضاء على الشعب الإيراني للاشتباه بأن قادته يصنعون قنبلة ذرية» . ووجه غراس في هذه القصيدة انتقادات لألمانيا بسبب صفقات السلاح لإسرائيل. ويعد غراس واحدا من مؤيدي قضايا اليسار في ألمانيا ومناهضا للتدخل العسكري للدول الكبرى في أنحاء العالم ومنها غزو العراق. وأدان غراس، البالغ من العمر 85 سنة، الصمت الدولي بخصوص الترسانة النووية الإسرائيلية. كما أدان «الصمت المعمّم على هذه الوقائع» التي يصفها بأنها «كذبة ثقيلة» لأن «تهمة معاداة السامية ستوجه مباشرة» إلى الذي ينتهك هذا الصمت. وتساءل: «لماذا أقول الآن فقط (...) إن القوة الذرية لإسرائيل تهدد السلام العالمي الهش في الأساس؟ لأنه ينبغي أن نقول الآن ما قد يفوت أوانه غداً». وأضاف «لن أسكت بعد الآن لأني سئمت من نفاق الغرب» حيال إسرائيل «المسؤولة الفعلية عن هذا التهديد». وطالب غراس أيضاً «بإشراف دائم ومن دون عراقيل على الترسانة النووية الإسرائيلية والبرنامج النووي الإيراني من جانب هيئة دولية تعترف بها الحكومتان». ورد كاتب الافتتاحية هنري برودر مباشرة على غراس في صحيفة «دي فيلت»، معتبراً أن «غراس طالما كانت له مشكلة مع اليهود، لكن لم يعبّر يوماً عنها بهذا الوضوح قبل هذه القصيدة». ورأى أن غراس «هو نموذج المثقف المناهض للسامية» والألماني «الذي يلاحقه الخزي والندم» والذي لن يحظى «بسلام الروح» إلا مع اختفاء دولة إسرائيل. يذكر أنه في عام 2006 أقرّ غونتر غراس المعروف بمواقفه اليسارية بأنه كان عضواً في المنظمة النازية «فافن إس إس» في شبابه. ورفض الناطق باسم الحكومة الألمانية شتيفان زايبرت التعليق على النص بحجة «حرية الإبداع». ولم يتوقف غراس على التأكيد على ما قاله في قصيدته، فقد جدد انتقاداته للترسانة النووية الإسرائيلية، محذرا من مخاطر شن إسرائيل هجمة عسكرية على إيران. وقال في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية في محل إقامته بمنطقة بيليندورف شمال ألمانيا: «إذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية- من المحتمل بقنابل ورؤوس حربية عادية وتقليدية - فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حرب عالمية ثالثة». ودافع غراس عن القصيدة التي هاجم فيها السياسة الإسرائيلية إزاء إيران، متهما منتقديه بالكراهية. وأشار غراس خلال تصريحاته إلى الوضع المتفجر في الشرق الأوسط، والذي من الممكن أن يتفاقم بشكل كبير إذا شنت إسرائيل ضربة وقائية ضد إيران.وذكر بأن الهجمات الوقائية غير مبررة، مضيفا أن ذلك اتضح خلال حرب العراق الأخيرة، التي بدأت باتهامات غير سليمة بأن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل. وأضاف أنه لم يتم حتى الآن إثبات أن إيران تمتلك قنبلة نووية أو نظاما صاروخيا بعيد المدى، موضحا أنه أراد من قصيدته السياسية أن يدعو كلا من إسرائيل وإيران إلى وضع منشآتهما النووية تحت الرقابة الدولية. وذكر غراس أن الخطأ الذي ارتكبه في القصيدة أنه تحدث عن إسرائيل وليس عن الحكومة الإسرائيلية على وجه التحديد، مضيفا أنه يشعر بتعاطف كبير تجاه إسرائيل. وأكد أنه يفضل كرؤية سياسية تأسيس دولة اتحادية بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل، إلا أنه أشار إلى أن هذا الأمر لا يمكن طرحه في الوقت الحالي. واتهم غراس جانبا من الصحافة الألمانية بالكراهية ومواصلة عدائها له، والذي بدأ عام 2006 عقب ظهور سيرته الذاتية. يذكر أن غراس أثار جدلا كبيرا وواجه انتقادات حادة عام 2006 عندما اعترف بشكل مفاجئ في سيرة ذاتية عنه بأنه انضم في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان آنذاك في السابعة عشر من عمره، إلى سلاح «إس إس» النازي الذي كان منوطا به حراسة المعتقلات، إلى جانب خوض أعمال قتالية. وواجه اتهامات بافتقاد النزاهة الأخلاقية. إذ أنه حرص على مدار عقود على إخفاء انتمائه إلى سلاح «إس إس» النازي، في الوقت الذي كان يوجه انتقادات علنية لآخرين لهم ماض نازي. وأوضح غراس بأنه لم يتم استيعاب الهدف من قصيدته عن إسرائيل، بل تم ربطها بأشياء ليس لها علاقة بالقصيدة، مثل انضمامه ضد رغبته إلى سلاح «إس.إس» النازي. ووجه انتقادات حادة إلى بلاده بأنها على الرغم من تاريخها النازي فإنها تحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم في تصدير الأسلحة، وقال إن «هذا أمر مخز»، مضيفا إلى ذلك عزم ألمانيا تصدير غواصة سادسة لإسرائيل تستطيع إطلاق صواريخ متوسطة المدى محملة برؤوس نووية. ورفض غراس اتهامات منتقديه بأنه تحدث في قصيدته عن الأسلحة النووية لإسرائيل فقط، موضحا أن الهدف من قصيدته هو طرح هذا الموضوع المحظور أمام الرأي العام على نطاق واسع. وذكر أنه استبعد عن قصد التطرق إلى السياسة الاستيطانية لإسرائيل وتصرفاتها كقوة محتلة، لأن تلك الأمور ينتقدها الرأي العام . وفي رده على غراس قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه غير مندهش لوصف الكاتب الألماني غونتر غراس، الذي أخفى مدة عقود عضويته في منظمة «فافن إس إس» النازية، إسرائيل بأنها تهديد للسلام العالمي.وأوضح بيان صادر عن مكتب نتنياهو «مساواة غونتر غراس الأخلاقية المخزية بين إسرائيل وإيران، التي ينكر نظامها المحرقة ويهدد بمحو إسرائيل، مشيرا إلى أن هذه المقارنة «لا تشي بشيء يذكر عن إسرائيل وتشي بالكثير عن غراس». وأضاف نتنياهو «إن إيران وليس إسرائيل هي التي تمثل تهديدا للسلام والأمن العالميين. إن إيران وليس إسرائيل هي التي تهدد بمحو الدول الأخرى... يجب على العقلاء في كل مكان التنديد بقوة بهذه الأقوال الجاهلة النكراء». فيما أشاد نائب وزير الثقافة الإيراني جواد شمقدري بالكاتب الألماني في رسالة موجهة إلى «الكاتب المتميز غونتر غراس» لأنه «قال الحقيقة». وكتب شمقدري في رسالته إلى غونتر غراس «قرأت قصيدتكم التحذيرية التي تظهر بشكل مذهل إنسانيتكم وحس المسؤولية لديكم». وأضاف شمقدري أن «قول الحقيقة لا بد أن يوقظ الضمير الغربي النائم والصامت، والكتاب بريشتهم أكثر قدرة من الجيوش على تفادي حصول المآسي». وباستثناءات قليلة، انتقدت معظم الصحف الألمانية القصيدة التي نشرها غراس وتعددت النعوت التي استعملها كتاب التعليقات في الصحف الألمانية أثناء تناولهم القصيدة. فالبعض اعتبرها خرقا للتابوهات والمحرمات، فيما رأى فيها آخرون انحيازا إلى طرف واحد. وقد رأى عدد من المعلقين في القصيدة تشهيرا وإضرارا بسمعة دولة إسرائيل. وأخيرا لم يخل الأمر من تعليقات رأت أن من حق الأديب الألماني التعبير عن رأيه بكل حرية. صحيفة «ميركيشه ألغماينه» الصادرة في بوتسدام كتبت: «ليست إسرائيل هي التي تهدد السلام العالمي، فتدمير الدولة العبرية يعتبر جزءا من عقيدة النظام في إيران. إن القيادات السياسية والدينية في هذا البلد لا تفوت أي فرصة لتأكيد رغبتها في محو إسرائيل من الوجود ورمي اليهود في البحر. كما ليس هناك شك في أن إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي. إلا أن غراس في تحليله الشعري يرى أنه: لم يثبت أن إيران تملك السلاح النووي. هذه سذاجة غراس تجاه نظام طهران العدواني. إن المرء يقف حائرا أمام هذا الخلط بين الأسباب والنتائج.» صحيفة «أوغسبورغر تسايتونغ» انتقدت بدورها غراس، إلا أنها اعترفت له بالحق في التعبير عن رأيه: «إن غراس على حق بلا شك حين أشار إلى أن إسرائيل تملك أسلحة نووية دون مراقبة دولية. إلا أن الفرق بالمقارنة مع إيران، التي تسعى لامتلاك نفس السلاح، هو أن إسرائيل لا تريد إبادة أي من جيرانها. وهذا هو بالضبط ما هدد أحمدي نجاد إسرائيل به. لا أحد يمكنه منع غراس من التعبير عن رأيه (...) فليقل ما يعتقد أن عليه قوله، حتى وإن كان ما يقوله في جوهره هراء».
مقاطع من قصيدة غراس: ماذا أمنع نفسي من تسمية ذلك البلد الآخر الذي يمتلك ومنذ سنوات -رغم السرية المفروضة- قدرات نووية متنامية، لكن خارج نطاق السيطرة، لأنه لا توجد إمكانية لإجراء مراقبة. السكوت العام عن هذا الواقع الذي انطوى تحته صمتي، أحسه الآن كذبة تثقلني وإلزاماً، في الأفق تلوح عقوبة لمن يتجاهلهما؛ الحكم المألوف: «معاداة السامية». لكن اليوم، لأن من بلدي، وهو الملاحق مرة إثر أخرى بجرائم لا نظير لها، من جديد ومن أجل تجارة محضة توصف بكلمة عجلى: تعويض فحسب من بلدي هذا ينبغي أن تسلم غواصة أخرى إلى إسرائيل تكمن قدرتها في توجيه رؤوس شاملة الدمار إلى هناك، حيث لا دليل على وجود قنبلة نووية واحدة لكن الخشية تريد أخذ مكان قوة الدليل، ولهذا أقول ما ينبغي أن يُقال. لكن لماذا صمتُ حتى الآن؟ لأني اعتقدت أن أصلي المدان بجرائم لا يمكن أبداً التسامح فيها منع من مواجهة دولة إسرائيل، بهذا الواقع كحقيقة واضحة، إسرائيل التي أتضامن معها وأريد أن أبقى كذلك. لماذا أقول الآن فقط كبيراً في السن، وبآخر قطرة حبر: إن القوة النووية إسرائيل خطر على السلام العالمي الهش بطبيعته؟ لأنه ينبغي أن يُقال، قبل أن يفوت أوان قوله غداً: وكذلك لأننا نحن - الألمان مثقلون بما يكفي- يمكن أن نصبح مزوديِن بجريمة يمكن توقعها، ولهذا قد لا يمكن التكفير عن اشتراكنا في الذنب ساعتها بكل الأعذار المعتادة.