يبدو أن «مقاطعة» العدل والإحسان ل«مسيرة الشعب المغربي من أجل القدس»، التي احتضنتها الدارالبيضاء يوم أمس الأحد، حالت دون تحقيق أمنية المنظمين في جعلها أكبر مسيرة للتضامن مع القضية الفلسطينية في تاريخ المغرب، «المسيرة يمكن تقدير المشاركين فيها بمئات الآلاف لكنني لا يمكن أن أجازف بالقول إنها كانت أكبر مسيرة نظمها المغاربة للتضامن مع القضية الفلسطينية»، يؤكد ل«المساء» أحمد وايحمان، عضو مجموعة العمل الوطنية لدعم العراق وفلسطين. فيما يقول «خبراء» في تقدير المسيرات، إن المشاركين كانوا أقل من ذلك الرقم بكثير. المسيرة، التي انطلقت حوالي العاشرة صباحا من تقاطع شارعي أبي شعيب الدكالي ومحمد السادس بمدينة الدارالبيضاء، عرفت مشاركة أغلب حساسيات الطيف السياسي والنقابي والحقوقي المغربي، مع غلبة واضحة للوجوه والشعارات واللافتات الإسلامية، رغم أن مطارق الماركسيين ومناجلهم وشعاراتهم الثورية، احتلت مقدمة المسيرة. لم تخل المسيرة أيضا من مشاركين ظلوا يتفرسون في الوجوه الغاضبة باندهاش كبير: نساء يزغردن وأخريات يدعين على «الصهيون وميريكان» بالثبور، شباب بقبعات رياضية مقلوبة وضعوا على أكتافهم أعلام «حماس» الخضراء كما لو كانوا يلتحفون بأعلام «الرجاء».. هل يعلمون جيدا أن المقابلة ضد خصم قذفاته قاتلة: إسرائيل. وفيما بدأ صوت ماركسيي النهج الديمقراطي، شيئا فشيئا، يعلو ويصدح: «فلسطين عربية.. سحقا للرجعية»، كان خطو السلفيين يدك الأرض. واثق الخطوات متشابك الأذرع، مزهوا بحضور الشيوخ الأربعة: الحدوشي، الكتاني، أبي حفص، الفيزازي. «نحن نتضامن مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إيمانية»، يقول الحدوشي، ويضيف «نقول للحكام العرب: كفى من استحمار البشر، والضحك على الذقون، لقد استيقظنا بعد نوم عميق، ثم إن الإسرائيليين لا حول لهم ولا قوه؛ فلو نفخنا عليهم لطاروا». الشيخ الحدوشي، وفي إطار الفهم السلفي الذي يعتبر أن الصراع من أجل فلسطين، صراع ديني، لم يفته أن يضيف، «نحن مع القضية الفلسطينية وضد ما يفعله الصهاينة والصليبيون، سواء في القدس أو أفغانستان أو العراق. أما الشيخ الكتاني، زميل الشيخ الحدوشي، في المعتقد والمعتقل، فيقول بهدوئه الذي يوحي كما لو أن هذا الرجل لا علاقة له بالعنفوان السلفي: «هذه المسيرة تعبر عن مدى تضامن الشعب المغربي المسلم مع إخوانه في فلسطين التي ليست أرضا خاصة بأهلها، بل مكان مقدس لكل مسلم، ففيها المسجد الأقصى ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها دفن عدد من الأنبياء عليهم السلام». خلف المجموعة اليسارية، التي تحمل علم الشيوعية «المطرقة والمنجل»، سار قادة حزب الاستقلال؛ عباس الفاسي، وصهره المرشح لخلافته، عبد الواحد الفاسي، ومدير تحرير «العلم» عبد الله البقالي... فيما تسلل حميد شباط خارج المسيرة، مسندا هاتفه إلى أذنه، وفي أثره سار سبعة من أعضاء نقابته. وعلى عادته، الحل عند شباط جاهز: «على كل مسلم أن يجاهد من أجل القضية الفلسطينية، والقدس بالأساس، عملا بالآية الكريمة: وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم. إذا خصص كل مسلم مبلغ أورو واحد في السنة سنحصل على مليار أورو نعمر به غزة ونواجه به مشروع تهويد القدس». شعارات حركة 20 فبراير، جمعيات الأحياء، الكشافة، العلم الأمازيغي: «موازين ديكاج». باعة «الرايب» والحلويات، السقاؤون، رجال الوقاية المدنية، المتسولون، وكل الأشياء التي لا يتوقع المرء مصادفتها في مسيرة من أجل القدس، كانت حاضرة. محمد الساسي، الذي غاب عن وسائل الإعلام بابتعاده عن تقلد مهام سياسية في حزبه «الاشتراكي الموحد»، قال إن»الربيع الديمقراطي لا يعني تهميش القضايا التي تهم الأمة العربية وفي طليعتها قضية القدسوفلسطين».