قال مفكر أمريكي مؤخرا في مقابلة صحافية: إذا هُدمت إسرائيل من أساسها «فلن أشعر بأنني يهودي كامل». سينقص شيء ما من كمال ذلك المفكر إذن حينما تنتهي حرب يأجوج ومأجوج في الأرض المقدسة وتختفي إسرائيل عن وجه البسيطة. واليوم، كما كانت الحال دائما، فإن يهود الولاياتالمتحدة هم، «قبل كل شيء، أمريكيون... أمريكيون قبل كل شيء وبعد كل شيء وفي كل وقت»، كما قال الحاخام ستيفن فايس، زعيم يهود الولاياتالمتحدة، في قوله المشهور خلال المؤتمر اليهودي الأمريكي الذي تم في غشت 1943 وكان يرمي إلى أن يُنبه الرأي العام من جديد إلى فظائع النازيين. منذ ذلك الحين، زادت فقط المشايعة الشاملة ليهود الولاياتالمتحدة لأمريكا. يزور قليلون منهم البلاد وينظر قليلون إلى العيش في إسرائيل باعتباره خيارا. وانقطع الكلام في «الولاء المزدوج»، والآلاف الذين حضروا مؤتمر «آيباك» يُحدثون عرضا باطلا وكأن ولاء اليهود هناك مقسوم بالتساوي بين بلادهم وإسرائيل، وهذا خطأ لأننا إذا ما استثنينا قلة من الصهاينة ذوي التحقيق ممن يجلسون على الحقائب، فإن يهود أمريكا يرون أنفسهم مخلصين لأمريكا فقط، وليس الحديث عن الجيل الشاب فقط، لأن الجيل الأوسط أيضا لا يشعر نحو إسرائيل بأكثر من شعور بقرب بعيد، وهو مستعد لأن يدافع بما أوتي من قوة عن مصالح إسرائيل ما بقيت تطابق مصالح أمريكا، أما في حال التصادم فلا شك في أي الولاءين سيغلب، أعني الولاء الأمريكي. يتجلى تباعد يهود أمريكا الذي أخذ يزداد عمقا أيضا في أسلوب انتخاباتهم. إن النسبة الكبرى من اليهود -كما تُبين اليوم استطلاعات الرأي العام- تنوي أن تصوت في الانتخابات القريبة للرئاسة لفائدة أوباما رغم التوتر بينه وبين رئيس الوزراء نتنياهو. ولا تساعد كل الخطب الموالية لإسرائيل لمرشحي الحزب الجمهوري ولا تُجدي تصريحاتهم التي تؤيد هجوما أمريكيا على إيران. إن يهود المدن الكبرى في الولاياتالمتحدة يصغون لهم في رضى ويصفقون وربما يذرفون الدموع أيضا، لكنهم لا يتخلون عن تأييدهم للحزب الديمقراطي خاصة، لأنهم «قبل كل شيء وبعد كل شيء» أمريكيون. ولهذا في الاختيار بين نتنياهو وأوباما، احتضنوا نتنياهو وسيصوتون لأوباما. إن التصويت للديمقراطيين قوي بصورة خاصة بين بنات وأبناء الجيل الأفتى ممن أعمارهم في العشرين والثلاثين. وليس التضارب بين بيبي وأوباما موجودا عندهم، فهم أوباما. وعلى نحو أشد مفارقة بقليل، تتابع هذه المجموعة ما يجري في البلاد في حرص أكبر من حرص الآباء، لكن بعين انتقادية جدا. يجب على طالب جامعي أو محاضر شاب يهودي في جامعة أمريكية أن يهتم بإسرائيل لأنه لا يمكن غير ذلك في بيئته الثقافية، فإسرائيل هي موضوع للنقاش الدائم في الجماعة الأكاديمية الأمريكية. وهم يتوقعون منه أن يعلم، وهو يعلم ما الذي قاله ممثلُ المستوطنين قبل يومين بالضبط في الكنيست، وما هي حيل تهرب الحكومة من قرار محكمة العدل العليا الأخير المتعلق بميغرون. ومن المفهوم من تلقاء ذاته أن عنده رأيا مبلورا في هذه الأحداث، وهو رأي سلبي. إن الهوة التي تفصل بين الجيل الجديد من يهود الولاياتالمتحدة وبين الرأي العام الإسرائيلي ليست هي في مسألة التهويد كما تقضي الشريعة، ولا في مسألة هجرة يهود إثيوبيا، ولا في تأييد الهجوم على إيران. إن الموضوع الأكثر اختلافا فيه هو المشروع الاستيطاني. ففي حين اعتاد الإسرائيليون من اليسار أيضا على المستوطنات وأصبحوا يرونها جزءا من حياتنا مثل الضريبة المرتفعة على السيارات، يرى اليهود الأمريكيون الشباب أن المستوطنات هي الوصمة الأخلاقية السوداء على ضمير إسرائيل. إنها ظاهرة استعمارية لا يمكن الدفاع عنها، تناقض مصلحة إسرائيل الجوهرية باعتبارها دولة الشعب اليهودي. وهم لا يرون المستوطنات عقبة أمام السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فقط، بل عقبة أيضا أمام السلام بينهم وبين إسرائيل. وغضبهم علينا يزداد قوة، ويتعمق معه الشعور بالاغتراب عنا إلى درجة صدور ذلك القول البائس للمفكر اليهودي الأمريكي من اليسار المعتدل الذي قال إن القضاء على إسرائيل لن يسبب له سوى «عدم كمال شخصي». عن «يديعوت»