قبل ثلاثة أسابيع أثار أنف برلماني ضجة كبيرة في مصر. الأنف تسبب في إقالة صاحبه من حزبه ومن مجلس الشعب أيضا. كما جعله مهددا بالسجن. حكاية النائب المصري مع أنفه ابتدأت أوائل هذا الشهر حين صرح بأنه تعرض لسطو مسلح في الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية. أنور البلكمي، العضو في حزب النور السلفي، حكى لوسائل الإعلام كيف هاجمه في الثالثة صباحا من يوم 25 فبراير الماضي مجموعة من المسلحين، أشبعوه ضربا، قبل أن يسطوا على مبلغ 100.000 جنيه مصري (حوالي 500 12 يورو) كانت بحوزته. صورة البلكمي بأنفه المغطى بالضمادات ووجهه الذي لا يظهر منه سوى العينين والفم واللحية سرعان ما تخاطفتها وسائل الإعلام. فيما أثار الاعتداء غضبة حزبه، الذي انتقد بشدة وزارة الداخلية بسبب «التقصير المتعمد في حماية الأمن». لكن هذه الغضبة سرعان ما تحولت إلى صدمة قوية صفعت الحزب بعدما اكتشف الجميع أن البرلماني السلفي لم يكن ضحية أي اعتداء، وإنما أجرى عملية جراحية لترميم أنفه. لماذا كذب البلكمي إذن ولم يقل الحقيقة بكل بساطة؟ المحللون فسروا كذبة النائب السلفي بأن حزبه يحرم أي عملية تجميل ما لم يكن وراءها سبب مقنع.ولهذا تمت إقالته من الحزب ومن مجلس الشعب. موقع «الحياة» الالكتروني، التابع لجريدة «الحياة»، علق ساخرا على الحادث بأن البلكمي «خسر منصبه في البرلمان المصري وربح أنفا جديدا». كانت كلفته المادية ما يعادل «أربع سنوات من راتب موظف مصري متوسط»، حسب موقع «رِي 89» الفرنسي.قبل أن يضيف بأن حادثة الأنف كان لها وقع القنبلة في بلد يعاني الأزمة والفقر. «بودرة» وبوتوكس بعيدا عن التداعيات الأخلاقية والسياسية لهذه القضية، لم يكن البلكمي أول ولا آخر سياسي عربي يستنجد بمبضع أخصائي التجميل لترميم نفسه. إذ سبقه إلى ذلك سياسيون عديدون. خبير التجميل المعروف أحمد قبيسي أكد لموقع «عين نيوز» أن «أغلب السياسيين البارزين في لبنان والدول العربية خضعوا لعمليات تجميل ومحو سنوات العمر».قبل أن يضيف «لم يعد السياسي يقبل نفسه بدون ماكياج حتى في اللقاءات العادية البعيدة عن التلفزيون.جميعهم يسعى إلى «البودرة» التي لا تحمل أي لمعات.بعض السياسيين تتدلى الهالة السوداء تحت عيونهم وصولا حتى الأنف، وهم يحرصون على إخفائها.ضغط الحياة السياسية والمسؤوليات هي التي ترهق وجوههم. لذلك يزيلون التجاعيد بالبوتوكس ويخضعون لحقن النفخ لتخفيف الترهل». سلطة الصورة لجوء السياسيين إلى ترميم مظهرهم الخارجي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي حين أخذت عمليات التجميل تستغوي رجال السياسة بعد أن أغوت الفنانين. إذ تحت تأثير التسويق السياسي وكذا وسائل الإعلام المرئية أصبحت الصورة تمارس سلطتها في الحياة السياسية، وبدأ السياسيون يدركون تأثير صناعة الصورة في علاقتهم بالناخبين وبمحيطهم السياسي. اتضح ذلك جليا في المناظرة الشهيرة التي جمعت بين السيناتور الديمقراطي جون كيندي والرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون يوم 26 شتنبر سنة 1960. كانت أولى مناظرة تبث على التلفزة. شاهدها حوالي 75 مليون أمريكي، فيما استمع إليها عبر المذياع 26 مليون أمريكي. كانت المنافسة ساخنة جدا بين الاثنين.لكن عامل الصورة والمظهر الخارجي كان حاسما في المنافسة.إذ بدا كيندي أنيقا، وسيما، وأكثر نشاطا وثقة.فيما بدت على نيكسون علامات التقدم في السن بعدما رفض وضع الماكياج على وجهه.وكانت النتيجة أن الذين شاهدوا المناظرة تعاطفوا أكثر مع كيندي. فيما تعاطف من استمع إليها فقط مع نيكسون. قبل ذلك أيضا بأربعين سنة فاز وارين هارندج بالانتخابات الأمريكية ليس بسبب «إمكانياته السياسية» وإنما بسبب «مظهره الرئاسي» كما يقولون. وحتى قبل هذا التاريخ بقرون كانت غواية الصورة حاضرة في ممارسة السياسة. إذ يروي المؤرخون أن لويس الرابع عشر كان يفرض على الرسامين أن يجمّلوا ملامح وجهه في لوحاتهم، رغم أنه كان ذميما. نفس الشيء كان يفعله الفراعنة.لكن اليوم تغيرت الأمور كثيرا بعدما أتاحت التكنولوجيا لرجال السياسة ورؤساء الدول إمكانية ترميم أنفسهم دون اللجوء إلى تزييف الحقيقة.إذ صار بإمكانهم حقن أنفسهم بالبوتوكس أو إجراء عمليات التجميل لمحو آثار الزمن عنهم وتسويق صور لهم أكثر شبابا وجاذبية. مثل هذه الصور يدرك الأخصائيون تأثيرها على فئة من الناخبين تهتم أكثر بالمظهر الخارجي لزعمائها السياسيين. «الصورة صارت أكثر أهمية من أي وقت مضى» تؤكد أخصائية ال«لوك» كريستينا كورديلا.ولتفسير ذلك تشير إلى أن العديد من المرشحين للانتخابات الرئاسية الحالية بفرنسا تغيروا مقارنة بما كانوا عليه في الانتخابات السابقة. الرئيس الفرنسي ساركوزي كان أحد هؤلاء. إذ يعتقد المقربون منه بأنه لجأ إلى عملية تجميل بالليزر في أكتوبر الماضي. فيما يرى هو بأن إثارة الكولاجين الطبيعي بالليزر ليست عملية تجميلية، مشيرا إلى أن ذلك «يُنعم الجلد ويعطي توهجا صحيا». فلاديمير بوتين ظهر هو الآخر قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بروسيا بمظهر مغاير أثار الانتباه. الرئيس الحالي بدا أكثر شبابا وحيوية مما كان قبل ثلاث سنوات. اختفت التجاعيد.كما اختفت تلك الجيوب التي كانت تحاصر عينيه.بعض الجهات أشارت إلى أن «رجل روسيا القوي استعاد شبابه، ليس بسبب الرياضات المتعددة التي يمارسها، بل بسبب حقن البوتوكس»، التي تُليّن عضلات تعابير الوجه المسؤولة عن التجاعيد وتجعل الوجه أملس. بين النفي والاعتراف مثل هذه الترميمات أو عمليات التجميل تثير انتباه وسائل الإعلام بسرعة. كما تثير شهيتها في الآن نفسه.إذ تسعى إلى البحث في كواليس هذه العمليات. لكن السياسيين غالبا ما يلتزمون الصمت. وعادة ما ينفون إجراءهم أي عملية كما فعلت هيلاري كلينتون مثلا، التي يقول خصومها إنها استنجدت ب»الليفتينغ» وحقن البوتوكس وجراحة الجفون لترميم صورتها. فيما ظلت هي ومساندوها ينفون ذلك، رغم الصور المنشورة، التي تبين الفرق الجلي بين هيلاري بعد مغادرتها البيت الأبيض وهيلاري بعد توليها حقيبة الخارجية الأمريكية. بعض السياسيين لا يكتفي فقط بنفي ما تروّج له وسائل الإعلام، بل يذهب حد مقاضاتها كما فعل المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، الذي تابع قضائيا وكالة صحفية سنة 2002 لمجرد نشرها خبرا عن قيامه بصبغ شعره. وكانت النتيجة أن ربح شرودر الدعوى لأن الوكالة كان يعوزها الدليل. لكن هذا لا يعني أن كل السياسيين مثل هيلاري كلنتون أو شرودر. فمثلا الرئيسة البرازيلية الحالية ديلما روسيف لم تجد أي حرج في الاعتراف بأنها استنجدت بمبضع طبيب التجميل أكثر من مرة لاستعادة شبابها والتخلص من الدهون الزائدة. كما أن رئيس البرازيل السابق لولا داسيلفا اعترف هو الآخر ودون حرج بأنه يلجأ إلى البوتوكس كي يستعيد نضارته. هذه الاعترافات التلقائية قليلا ما تحدث في الحقل السياسي عكس ما هو الحال في المجال الفني.إذ عادة ما يخشى السياسيون أن يتهموا بالاهتمام فقط بمظهرهم الخارجي وإهمال قضايا مواطنيهم. لكن هذا لا يعني أن السياسيين لا يقبلون على عمليات التجميل.إذ تنشر وسائل الإعلام باستمرار صورا وأخبارا عن سياسيين ورؤساء دول التجؤوا إلى البوتوكس أو شد الجلد أو الجراحة لترميم ذواتهم. نذكر من هؤلاء فرانسوا متران، نيكولا ساركوزي، دومنيك دو فيلبان، سيغولين رويال، دومنيك ستراوس-كان، الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ميت رومني...واللائحة طويلة.لكن يبقى الثلاثي برلوسكوني وبوتين والقذافي الأكثر شهرة في هذا المجال. عودة الشيخ سيلفيو إلى صباه في مارس الماضي، أجرى سيلفيو برلسكوني عملية ترميم لوجهه بعد اعتداء تعرض له سنة 2009 بميلانو. طبعا لم تكن هذه أول مرة يرمّم فيها برلسكوني وجهه، إذ اعتاد أن يفعل ذلك باستمرار إلى أن تجمد الوجه كليا. هوس رئيس الوزراء الإيطالي السابق بعبادة جسده جعله «تمظهرا لنرجسية طافحة» كما يقول الصحفي ماركو بيلبوليتي. كان من تجلياتها خضوعه المستمر لعمليات شد الوجه وحقن البوتوكس وزراعة الشعر وصباغته. لدرجة أن عمليات التجميل صارت ملعبه المفضل كما يقولون، مثلها مثل مغامراته الجنسية. وربما لهذا السبب وصفه الروائي الفرنسي فيليب كلوديل بأنه «أفضل ممثل لسلطة البوتوكس والفياغرا». فيما يفسر الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو سعي برلسكوني الهوسي إلى ترميم جسده ببحثه المستمر عن «صورة مُمَعدنة يريدها بدون عمر»، رغم أنه تجاوز الرابعة والسبعين من عمره. هذا الهوس قد تفسره تلك «العملية التجميلية» الغريبة التي أجراها على تمثالين بمكتبه يعودان إلى 175 سنة قبل الميلاد، كان أحدهما مبتور الذراع، فيما كان الآخر مبتور الجهاز التناسلي. عملية ترميم التمثالين أثارت جدلا فنيا كبيرا. كما أثارت فضيحة في إيطاليا بسبب كلفتها التي ناهزت 70.000 أورو، في حين كانت وزارة الثقافة تعاني من التقشف. على خطى برلوسكوني بمجرد ما أعلن فلاديمير بوتين في دجنبر الماضي ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية الروسية، حتى أثير سؤال كبير تناقلته المواقع الاجتماعية قبل أن تتلقفه الصحافة الأنغلوساكسونية والروسية. كان السؤال المثير هو: هل خضع بوتين لعملية تجميلية أم لا؟. لم يكن السؤال اعتباطيا، لأن الذين شاهدوا بوتين في ذلك اليوم لاحظوا بدقة تغيرا ملحوظا في وجه الوزير الأول الروسي، الذي بدا ناعما على غير العادة. مجلة «الأزمة الجديدة» الروسية تساءلت هي الأخرى: «ماذا حل بوجه بوتين؟». المجلة أثارت الانتباه إلى حدوث تغييرات في وجنتي بوتين وفي جفنيه وشفتيه وجبهته. ولتفسير هذه التغيرات، حاورت المجلة أربعة أخصائيين في التجميل خلصوا إلى أن بوتين خضع لعملية تجميلية في وجهه، وبأنه لتخفيف التجاعيد تم حقنه بالبوتوكس في جبهته، كما حُقن في وجنتيه، إضافة إلى خضوعه لعملية شد الجلد جهة العينين. لم تكن هذه أو مرة يثير فيها الرئيس الروسي الحالي الانتباه، إذ ظهر في أكتوبر سنة 2010 في مؤتمر صحافي بأوكرانيا، وكان وجهه متورما وإحدى وجنتيه بها زرقة خفيفة. منظر كان كافيا لإثارة شكوك الصحافيين الأوكرانيين بأن بوتين خضع لعملية تجميلية لم تكن ناجحة، رغم إسراع السلطات الروسية إلى إصدار بيان تكذيبي. هوس بوتين هو الآخر بجسده جعل البعض يقول إن الرئيس الروسي أصبح يقتفي خطى برلوسكوني. عملية في منتصف الليل في سنة 1994 كان وجه القذافي مجعّدا تغزوه التغضنات.كما كان يشكو من تساقط كثيف للشعر دون أن يجد حلا لذلك. كان القذافي في تلك السنة في الثالثة والخمسين من عمره.لكنه كان يبدو أكبر من ذلك بكثير. في تلك الفترة كان أخصائي التجميل البرازيلي لياسير ربيرو في زيارة إلى طرابلس الليبية للمشاركة في مؤتمر حول الجراحة التجميلية.ويحكي ربيرو لأسبوعية «إبوكا» البرازيلية بأنه لما انتهى من محاضرته التقى بمحمد زيد، وزير الصحة الليبي آنذاك، فأخبره بأن يود تقديمه ل«شخص عزيز جدا». قبل أن يفاجأ بأن ذلك الشخص العزيز جدا ليس سوى معمر القذافي.ويضيف الجراح البرازيلي بأن الرئيس الليبي آنذاك قال له بالحرف: «أنا أوجد في السلطة منذ سنوات عديدة ولا أريد أن يراني الشباب عجوزا». بعد ذلك سيعود ربيرو إلى ليبيا. وكان برفقته هذه المرة زميله سوري الأصل فابيو النقاش، أحد أبرع الأخصائيين في زراعة الشعر بالبرازيل. كان الهدف من الزيارة هذه المرة إجراء عمليتين تجميليتين للقذافي. أجريت الأولى في منتصف الليل بقاعدة العزيزية في طابق تحت أرضي به دهاليز.هناك سيُزيل ربيرو دهونا من بطن القذافي قبل أن يحقنها في وجنتيه لإزالة التجاعيد.كما رمّم جفنيه ومحا ندبة في جبهته. بعد ذلك سيجري النقاش عملية ثانية لزرع الشعر في رأس القذافي. وقد شرح النقاش تفاصيل هذه العملية ل«العربية.نت» قائلا: «سحبت حويصلات من مؤخرة رقبته وزرعتها واحدة واحدة في صحن الرأس عند الفروة وفي المقدمة والجانبين». في الخامسة فجرا انتهت عملية زرع الشعر، حسب ما يتذكر النقاش، الذي رفض الكشف عن المبلغ الذي تسلمه من القذافي مقابل هذه العملية.فيما قال زميله ربيرو إن القذافي منحه ظرفا مليئا بالدولارات الأمريكية والفرنكات الفرنسية. ماحدث تلك الليلة البعيدة ظل سرا عميقا لم يستطع أحد كشفه طيلة 16 سنة إلى أن قرر ربيرو في الأخير فتح علبة الأسرار تلك.