شكّلت الخروقات التي سجلها تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 بخصوص تدبير جهات ومجالس جماعية «أفظع» ما ورد في التقرير، إذ تم الكشف عن فضائح مالية وإدارية خطيرة. وفي هذا الصدد، كشف تقرير مجلس الحسابات، في نصفه الثاني المخصص لتقارير المجالس الجهوية للحسابات، قيام مسؤولين ترابيين وجماعيين بتلاعبات مالية فادحة، أبرزها صرف ميزانيات ضخمة مقابل «مشاريع» وهمية، على غرار صرف جماعة تيفلت مبلغا قدره 217.400 درهم (أزيد من 21 مليون سنتيم) مقابل «أشغال» وهمية، وفق تقرير مجلس الحسابات، إلى جانب صرف مبالغ كبيرة ومواصلة الإنفاق على مشاريع لم تكتمل بعدُ أو القيام بأشغال متكررة على مشروع واحد، كما هو الحال بالنسبة إلى «مشروع» بناء مسجد في تيفلت برمجت له ملايين الدراهم ولم تنجز منه إلى حد الساعة سوى أعمدة.. وكشف التقرير، أيضا، تخصيص جماعات لتعويضات مضاعفة لمهندسين ومقاولين، إذ ورد في التقرير أن المهندس الذي تكفل بإنجاز مشروع تهيئة شارع محمد الخامس، وسط العاصمة الرباط، تلقى أتعابه مرتين عن عمله، واحدة من الجماعة وأخرى من العمالة.. حيث حصل على ما يزيد على 300 مليون سنتيم، كما حصل مهندس آخر من جماعة تطوان على مبلغ 90 ألف دهم عن مشروع تزفيت طريقة ليست له أدنى علاقة به. وتضمّنَ تقرير مجلس الحسابات صرف مجالس جهوية وجماعية نفقات «خيالية» لتحمل مصاريف سفريات وإقامة مسؤولين في فنادق ضخمة وأداء فواتير الماء والكهراء وسومات كراء آخرين لا علاقة لهم بهذه المجالس، كما هو حال جهة مراكش، التي ذكر التقرير أنها تخصص ميزانية مليون درهم سنويا لمصاريف الإقامة والتنقل، وتشمل هذه المصاريف تحمُّلَ نفقات إقامة رئيس الجهة في فنادق خارج جهة مراكش وخارج أرض الوطن، إلى جانب تحمل مصاريف نفقات العطلة السنوية لأشخاص لا تربطهم بالجهة أي علاقة. كما سجل التقرير أن الجهة تتحمل مصاريف كراء سكن موضوع رهن إشارة الرئيس والكاتب العام للجهة دون سند قانوني. في المقابل، تخصص جماعة الفنيدق أزيد من 7 آلاف درهم شهريا لأداء كراء مسكن الباشا، رغم أنها ليست معنية بذلك. وأورد التقرير تحمل جماعات نفقات مثيرة للانتباه، على غرار صرف جماعة وجدة مبلغا يفوق 18 مليون سنتيم من أجل بناء ما أسمته «منشأة فنية» لا يتجاوز سمكها 20 سنتميترا، أي ما يعادل الشبر. في مقابل منح جماعات قروية، زارها قضاة مجلس الحسابات لأول مرة، أراضي لمنعشين عقاريين بالمجان، كما وقع في جماعة تدعى «عين الحجر». وفي أكثر من مناسبة، سجل تقرير مجلس الحسابات عجزه عن معرفة مآل مداخيل ونفقات وممتلكات تابعة لعدة جماعات، إذ اعترف بالحرف بأنه لم يتمكن من معرفة مآل تجهيزات اقتنتها جماعة الفنيدق مقابل أزيد من مليون درهم، إلى جانب «اختفاء» ملفات ووثائق مهمة، مثل عدم العثور على 111 سجلا في وكالة المداخيل في الدارالبيضاء وعقود كراء واستغلال مقالع في جماعة دار بوعزة. إلا أن أكثر ما يثير الانتباه في التقرير هو ما تبيّنَ إثر زيارة جماعات تقع في عمق المغرب، على غرار جماعة «النعيمة»، قرب وجدة، والتي تفاجأ قضاة مجلس الحسابات بأنها لا تتوفر على محاسبة مادية ولا على مخزن جماعي يُمكّن من تقديم جرد للمشتريات ولا على سجلات بخصوص الصفقات العمومية ولا حتى على سجلات التزود بالوقود وعمليات إصلاح عربات الجماعة، كما لا تتوفر حتى على دفاتر الورش المخصصة لتتبع الأشغال المفتوحة، أي أنه يستحيل ضبط مالية هذه الجماعة ومراقبة العمليات التي تقوم بها بشكل دقيق، بناء على وثائق ومعطيات محددة.