في لحظة غضب عارم بسبب ما تعيشه منطقتهم من تهميش وإقصاء، قرر سكان دوار «العمور»، وضع حد للظلام الدامس الذي يعيشونه، عبر «اختلاس» الكهرباء وإدخالها إلى دورهم الصفيحية دون عدادات، وهو ما دفع المكتب الوطني للكهرباء إلى مقاضاة بعضهم، كما تسبب في عدة احتجاجات قادها السكان ضد مسؤولي المنطقة. انتفض مجموعة من القرويين بجماعة الفضالات، التابعة لإقليم ابن سليمان، ضد ما اعتبروه إهمالا وتهميشا لمنطقتهم، وقرروا في لحظة غضب عارمة الانتقام من القانون، الذي ظل عدة سنوات يدير لهم ظهره، بعد أن ظل مشروع إعادة إيوائهم معلقا لأسباب مجهولة طيلة سنوات، وظلت أزيد من 500 أسرة تعاني من الحياة الشاقة والبئيسة داخل منازل صفيحية بلا ماء ولا كهرباء ولا طرق. وقد قرر السكان لفت أنظار الجهات المعنية إلى أن هناك دوارا اسمه «العمور» ينتظر سكانه الاهتمام بقضاياهم العالقة. أسر انتظر أفرادها طويلا تسوية ملف إعادة الإيواء، ومنحهم سكنا بديلا يقيهم لسعات البرد، والتسربات المطرية، ولهيب الصيف الخانق، وانتظروا وضع حد لمحنهم مع ندرة المياه وانعدام الإنارة العمومية والخاصة. لكن وضعهم المأساوي ظل يخيم على حياتهم اليومية، فقررت أزيد من سبعين أسرة وضع حد لظلام الليل، والاستفادة من الكهرباء كباقي الأسر. لذا جندت كل أفرادها من أجل اختلاس الكهرباء وإدخالها إلى منازلها الصفيحية بدون عدادات، بعد أن ساهمت في اقتناء الأعمدة والأسلاك الكهربائية وكل المعدات الخاصة بالتزود بالكهرباء. وقد تمكنت هذه الأسر من تنفيذ مخططها دون خوف من مخاطر تيار الكهرباء ولا من خرقها القانون الذي طالما طالبت بتطبيقه. مكتب الكهرباء يقاضي القرويين بعد عملية التزود الجماعي بالكهرباء، التي نفذها القرويون، بالاعتماد على تقني بالمنطقة وبعض العارفين بمجال الكهرباء، تم إخبار المكتب الوطني للكهرباء، الذي حلت لجنة من مكتبه الإقليمي، وفوجئت بالعشرات من الأعمدة الكهربائية التي مررت عبرها الأسلاك الكهربائية إلى داخل منازل صفيحية. كما فوجئت بالارتفاع المهول في فاتورة الاستهلاك الخاصة بالمنطقة، وتأثر موزع التيار الكهربائي، الذي أصبح مهددا بالانفجار. وقد قام المسؤول الإقليمي برفع دعوى قضائية ضد ستة من بين المتزودين السبعين ليتم استدعاء أحدهم. هذا الأخير اعترف بالمنسوب إليه، فتمت إحالته على وكيل الملك لدى ابتدائية ابن سليمان. وبعد عدة جلسات، تم الحكم عليه بسنة حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم. كما تم اعتقال القروي الثاني (ل.ك)، الذي تعتبره الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية زعيم مجموعة المنتفضين، وهو متابع بجملة من التهم، شملت اختلاس الكهرباء وتحقير مقرر قضائي واقتحام مرافق عمومية والتحريض على العنف والنصب والاحتيال على سيدة بعثت إليه بمبلغ مالي عبر البريد من أجل تزويد منزلها الصفيحي بالكهرباء، وهي تهم يعتبرها المعتقل (ل،ك) باطلة. وقد حددت له جلسة للمحاكمة بتاريخ 26 مارس المقبل. قرويون يقاضون رئيس الجماعة لم يستسغ مجموعة من القرويين اعتقال شخصين منهم، وخصوصا المعتقل الثاني الذي كان من بين متزعمي الانتفاضة القروية، فنظم بعضهم وقفات ومسيرات نحو جماعة الفضالات ومدينة ابن سليمان، قبل أن يعمد أزيد من أربعين قرويا إلى رفع دعوى قضائية إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المحلية ضد رئيس الجماعة، موضحين أنه شجعهم على التزود بالكهرباء ووعدهم بدعمهم بمبلغ 10 آلاف درهم، وأنه وعدهم بأنه لن يسمح بأي تدخل أمني أو متابعة في حقهم. وعلمت «المساء» أن القروي الثاني (ل.ك) اعتقل داخل المحكمة، بعد حضوره إحدى جلسات زميله، بعد متابعته من قبل ثلاثة أطراف سبق أن تقدموا بثلاث شكايات منفردة ضده إلى وكيل الملك. الشكاية الأولى تعود إلى مكتب الكهرباء الذي يتهمه بالتزود سرا بالكهرباء، والشكاية الثانية من طرف سيدة تقطن بالدار البيضاء لها منزل صفيحي بالجماعة القروية، تدعي فيها أنها سلمته مبلغا من المال مقابل ربط منزلها بالكهرباء. أما الشكاية الثالثة فتعود إلى رئيس الجماعة الذي يتهمه باقتحام مقر الجماعة، علما أن المحكمة وجهت إليه كذلك تهمة تحقير مقرر قضائي بعد أن رفض دعوتها للحضور عدة مرات. وينفي القروي المعتقل، وهو شاب مجاز يدير جريدة وطنية تصدر بغير انتظام، كل الاتهامات التي وجهت إليه، وقد حددت له جلسة يوم 26 مارس الجاري لمحاكمته. رئيس الجماعة ينفي نفى رئيس الجماعة تهم القرويين في حقه، وقال في تصريح ل«المساء» إنه مستاء من الحياة التي يعيشها السكان، بسبب عدم توفرهم على السكن اللائق، وأنه أكد لهم دعمه من أجل توفير الإنارة العمومية، لكنه لم يكن موافقا على اختلاس الكهرباء، ونصب أعمدة دون ترخيص مسبق من قبل الجهات المعنية، موضحا أنه أخبر قائد المنطقة برسالة خطية، مباشرة بعد نصب أول عمود كهربائي. كما كشف ل«المساء» عن مشروع سكني كبير ينتظر تأشيرة المكتب الجهوي للاستثمار، يهدف إلى القضاء نهائيا على دور الصفيح بالمنطقة. وأضاف أن المشروع، الذي حمل اسم (الحمد سكن)، جاء بمبادرة من عامل الإقليم، وبأنه يوجد على مساحة 31 هكتارا قرب تجزئة الوردة، وستنجزه شركة العمران. كما أشار إلى أنه تم تزويد 15 منزلا تم بناؤها، في إطار إعادة الإيواء منذ سنة 2006، بالماء والكهرباء، وإلى انطلاق عملية تهييء 15 بقعة أرضية أخرى لإيواء 15 آخرين استفادوا سابقا من نفس العملية. كما نفى الرئيس أن يكون قد دعم مختلسي الكهرباء، أو وضع شكاية قضائية في حق أحدهم، موضحا أنه كان يرفع فقط تقارير عن الوضع بالجماعة، بعد سلسلة وقفات نفذها بعض القرويين احتجاجا على اعتقال شخصين منهم.
مشروع عالق منذ سنوات وأوضحت مصادر «المساء» أن ملف إعادة إسكان سكان الدوار الصفيحي «العمور» لازال عالقا بين مطالب القرويين المتمسكين بإعادة الإحصاء وتقديم تسهيلات للأداء، والذين رفضوا ترك دورهم الصفيحية بدون ضمانات تقيهم شر التشرد، وبين طريقة العمل المعتمدة من طرف المسؤولين على المشروع السكني «فضالة1»، التابعة لمجموعة التهيئة العمران، والذين جهزوا بعض البقع الأرضية وفوتوها لبعض الساكنة، وطالبوا بهدم دور صفيحية أخرى للتمكن من تجهيزها ومنحها لأصحابها. وقال مجموعة من سكان الدوار الصفيحي في تصريحات متفرقة ل«المساء» إن عدد الأسر، حسب إحصاء السلطات المحلية لسنة 1992، بلغ حوالي 160أسرة، وهو الإحصاء الذي طعن السكان في صحته، موضحين أن العدد الحقيقي يضاعف الرقم المسجل رسميا. كما أن عملية تجهيز الشطر الأول من تجزئة فضالة، التي انطلقت سنة 1992 من طرف شركة العمران، عرفت تعثرات كثيرة بسبب مشاكل مالية. وتحتوي تجزئة الشطر الأول (فضالة1) التي توجد خلف السوق الأسبوعي «الجمعة»، على 230 بقعة لمحاربة دور الصفيح، مساحة كل واحدة 70 مترا مربعا، حدد مبلغ كل بقعة في 14 ألف درهم، إضافة إلى11 بقعة للمحلات التجارية. وقد خصصت هذه البقع لمحاربة السكن غير اللائق لدوار «العمور» والدواوير المجاورة. ولعل ما أجج الصراع الدائر بمنطقة الفضالات بين القرويين والسلطات المحلية، وسهل ركوب بعض الجهات السياسية على ملف القرويين المطالبين بالسكن، البطء الشديد الذي يعرفه ملف إعادة إيواء الساكنة، رغم أن عملية إعادة الإيواء انطلقت منذ أزيد من عشر سنوات، وكذا العرقلة التي تسعى جهات محلية لفرضها أمام سير ملف المشروع الذي خرج للوجود بفضل عامل الإقليم. إضافة إلى استمرار عملية البناء العشوائي بالمنطقة، بتواطؤ مع السلطات المحلية، حيث كشفت مصادر «المساء» أن أزيد من 100 سكن نصبت في الآونة الأخيرة برعاية السلطة المحلية.