أصبحت الوقفات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية هي الشغل الشاغل لساكنة الحي المحمدي، أفقر حي في جماعة بني يخلف في ضواحي مدينة المحمدية، أملا في التفاتة إلى حيهم، الذي أنجز في إطار المشاريع الملكية منذ أزيد من ست سنوات وما يزال بدون بنية تحتية ولا مرافق عمومية ولا منافذ في اتجاه العالم الخارجي. وقال بعض المتضررين من الساكنة الحي ل«المساء»: «بْغينا سيدنا يعرف المشروع ديالو فينْ وصل»، مؤكدين أن «حرص الملك محمد السادس على إتمام عملية إعادة الإيواء والقضاء على دور الصفيح والبناء العشوائي يلقى معارضة قوية من طرف جهات همُّها الوحيد هدر المال العام والمصالح الشخصية واستنزاف قوى المواطنين المادية والمعنوية وتحويلهم إلى أصوات انتخابية ونفوس متسولة».. مبرزين أن ما يقع في حيهم «خير دليل على مدى خطورة هذا «اللوبي، الذي يسير في الاتجاه المعاكس لعملية البناء والتعمير».. وما يزال المشروع الذي زاره الملك مرتين لم يكتمل بعد وما يزال يعاني من ضعف البنية التحتية ومن غياب المرافق الحيوية (مسجد، حمام، مستوصف، ملاعب رياضية). وقد شاركت الأسر ال650 التي كانت تعيش في دوار «ماكري»، الصفيحي، أسرا أخرى في بناء «المنازل» واقتسمت معها الشقق، وتعيش جحيم التلوث والإهمال في انتظار لجنة تحقيق أو زيارة ملكية ثالثة تطيح ب«المفسدين»، حسب عريضة وقعها أزيد من 130 رب أسرة. مشروع ملكي مع وقف التنفيذ
لم يكن سكان دوار «ماكري»، الصفيحي، يدركون أن ما حققته المبادرة الملكية، التي أنهت معاناتهم مع السكن العشوائي، حيث غرف قصديرية وخشبية وتسربات مائية وهوائية من الجدران والأسقف ومجاري المياه العادمة على طول الممرات والمسالك.. لم يكونوا يدركون أن ذلك ليس سوى أحلام ستتحول إلى كوابيس. فالمبادرة حلت بمشروع إعادة إسكانهم، وهو المشروع الذي أعلن عنه الملك محمد السادس عند زيارته المنطقة بتاريخ 20 دجنبر 2005 في إطار البرنامج الوطني «مدن بدون صفيح»، وعاد يوم 9 يناير 2007 ليشرف شخصيا على إعطاء انطلاقة الأشغال لإنجازه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، على أمل أن تستفيد من المشروع 650 أسرة من قاطني دوار ماكري (الموجود في مقلع مهجور) منحت لهم بقع أرضية من فئة 60 مترا مربعا (سفلي وطابق أول) ورصد له مبلغ 39 مليون درهم، ضمنها 16.55 مليون درهم مساهمة من الوزارة الوصية، وتدخل ضمن تجزئة سكنية تشيد على مساحة 13 هكتارا (ملك خاص للدولة). وتشمل التجزئة التي تشرف على إنجازها مؤسسة العمران خدمات مختلفة (مستوصف ومدرسة ومسجد وحمام وفرن وإدارتان وحضانة و10 بقع تجارية). قدرت التكلفة الإجمالية لهذا المشروع ب33 مليون درهم. لكنْ مرت خمس سنوات على آخر زيارة ملكية لساكنة الحي المحمدي، دون أن تلوح في الأفق ملامح إصلاحات جذرية لما تعيشه الأسر من جراء ضعف البنية التحتية والتهميش الذي طالهم من طرف كل الجهات المعنية. وأكدت عريضة احتجاجية لأزيد من 130 رب أسرة من قاطني الحي استفحال واختلاف المشاكل التي يتخبطون فيها بسبب لا مبالاة المسؤولين، باختلاف مواقعهم، موضحين أن كل الشركاء في المشروع الملكي لم يفُوا بالتزاماتهم تجاه الساكنة، رغم الرسائل التي وجهت إلى كل المعنيين ورغم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات. وقد طالب المتضررون الموقعون على العريضة الاستنكارية بلجنة مركزية للتحقيق في مآل المشروع الملكي. كما التمسوا زيارة ملكية ثالثة للوقوف على التجاوزات والتلاعبات التي شابت عملية الإنجاز وإعادة الإيواء. حي سكني بلا مسالك فوق «ضاية الفروج» أكد السكان أن أكبر «جريمة» ارتكبت من طرف المسؤولين التقنيين هي أنهم خططوا لبناء الحي السكني فوق «ضاية» كانت تعرف سابقا ب«ضاية الفروج»، دون أن يوفروا له أدنى حماية، خصوصا الانسدادات المتكررة لقنوات الصرف الصحي، والتي تصب في حفرة مفتوحة في الجوار. وعلمت «المساء» أن مياه الحفرة المتعفنة اجتاحت أراضي فلاحية مجاورة ولوثت المنطقة وأن سبب ذلك هو عدم التزام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بعملية إفراغها وتنظيفها. ثم تلت ذلك مجموعة «جرائم» في حق الساكنة شملت -حسب المتضررين- انعدام المرافق الحيوية وعشوائية تصميم الحي الهندسي وتدهور الأزقة والطرق المؤدية إليه وغياب الصرف الصحي والإنارة العمومية والربط الكهربائي. كما أكدوا أن الحي محاط بالحقول الفلاحية وأنه يعيش «شبه عزلة»، بسبب تدهور المسلك الوحيد والمظلم ليلا الرابط بين الحي والعالم الخارجي. كما يعاني السكان من انتشار الأزبال والروائح الكريهة والحيوانات النافقة، في ظل غياب مطرح للنفايات. كما أكد السكان أنهم راسلوا كل المسؤولين بخصوص حرمان بعض الأسر من الربط الكهربائي، مطالبين بإلغاء إرسالية عامل المحمدية، التي تنص على أنه من أجل الربط الكهربائي للمنازل، يجب الإدلاء بشهادة السكنى، بدلا من الشهادة الإدارية المعمول بها سابقا في الحي، والمعمول بها حاليا في كل التجزئات. كما انتقدوا الأعباء المالية الثقيلة من أجل رخص البناء والربط الكهربائي وأكدوا أن التكاليف يجب أن تؤدى من طرف العمران، منددين بالزيادة المفاجئة في عدادي الماء والكهرباء، مستغربين كيف يتم تطبيق إجراءات على ساكنة الحين ولا يتم تطبيقها مثلا على تجزئة «الشلالات»، التي توجد في تراب نفس العمالة. وبعد أن يئس السكان من إيجاد حلول لبناء مسجد في مستوى العدد الكبير للمصلين في الحي والجوار، لجؤوا إلى نصب «خيمة» وجعلها مسجدا مؤقتا، قبل أن يبادروا، بإمكانياتهم الذاتية، إلى بناء مسجد (محل عشوائي بسقف بلاستيكي) مهدد بالسقوط في أي لحظة ويعاني المصلون داخله من التسربات المطرية ومن الرطوبة. وتساءل بعضهم عن سبب استفادة ستة أسر من دوار «ماكري» من ثلاث بقع أرضية فقط، واعتبروا أن اعتماد منزل بطابق أرضي وآخر علوي يشكل ضررا على الأسر التي تقاسمت البقع وعلى الأسر الفقيرة، التي أدخلت شريكا للتمكن من بناء المنزل. وعلمت «المساء» أن مجموعة من الأسر اضطرت إلى بناء طابق ثان غير مرخص، بعد أن وجدت صعوبات في السكن. سلسلة اجتماعات دون جدوى بعد التصعيد الاحتجاجي الذي سلكه سكان الحي، تم انتقاء ممثلين لهم وتم عقد لقاءات مع كل الأطراف المعنية، انتهت بوعود والتزامات ما زالت عالقة. وكان آخر لقاء عقد بتاريخ خامس دجنبر 2011 في مقر دائرة زناتة، وتم فيه الإقرار بالتجاوزات التي طالت التجزئة، وتم التأكيد على ضرورة تحديد مسؤولية كل طرف (العمران، الجماعة، المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والتجهيز). وتم التأكيد على مشكل الولوجيات إلى الحي وإلى المختلف الخدمات ذات الطابع الاستعجالي أو وقائي، حسب ما ذكر في محضر الاجتماع الذي توصلت به «المساء». كما تم الاتفاق في الختام على أن يلتزم المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بصيانة حفر صرف المياه العادمة ومعالجتها وتنظيفها. كما تم الاتفاق على أن تقوم لجنة من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بزيارة لعين المكان بتاريخ ثامن دجنبر، وهو ما لم يتم، حسب تصريحات الساكنة. وأكد ممثل شركة العمران أن تعليمات صدرت من الدوائر المسؤولة قصد الحسم في مشروع المسجد في انتظار الحل النهائي للمشاكل الأخرى، التي قال إنها رهينة بالتسليم المؤقت للأشغال. فيما أكد ممثل الجماعة القروية أن مصالح الجماعة مستعدة لتسليم الأشغال، شريطة وفاء العمران بالتزاماتها التقنية. كما أكد أن مشاكل النفايات هي في طور المعالجة النهائية مع قرب تشغيل مطرح النفايات المرتقب في منطقة التراب الأحمر في نفس الجماعة. وبخصوص مشكل الإنارة، التزمت الجماعة -حسب ممثلها- بمعالجتها قريبا. وتحدث المجتمعون عن معاناة الساكنة في فصل الشتاء، حيث تغمر المياه الحي السكني، وأشاروا إلى ضرورة التنسيق من أجل إيجاد حلول تقنية ملائمة لحماية الحي من الفيضانات. لكنْ، وبعد مرور حوالي شهر على هذا اللقاء، أكد السكان أنْ لا جديد في الحي وأن خطر الفيضانات والتعفن يهدد منطقتهم وسلامتهم.