ما زالت مشاهد «هوليودية» مثيرة عالقة في ذهن أحمد، الذي قضى مدة طويلة كعنصر نشيط ضمن شبكة «المافيا» المنظمة في إيطاليا، حيث قال إن زعيم أي شبكة لا يتردد في التصفية الجسدية للعاملين معه، كلما شك في خيانة أحدهم. استحضر أحمد مشهدا دراميا لم ينسه إلى اليوم، عندما وقع سوء تفاهم بين عنصرين خطيرين، فأقدم أحدهما على إدخال فوهة المسدس في فم الآخر وضغط على الزناد بدون تردد ولا رحمة، لأن بقاء المشكوك فيهم داخل العصابة تهديد حقيقي لمصالح زعمائهما.. وتذكر أحمد قصة أخرى لجزائري مقيم في المغرب، وبالضبط في مدينة الدارالبيضاء، غير أنه يزاول أنشطته في سويسرا، في إطار عصابات منظمة، والذي كان مصيره التصفية الجسدية بطريقة وصفها المتحدث ب»الغريبة»، حيث كان الجزائري ينتمي إلى عصابة معروفة بخطورتها وكان قد ربح «صفقة» وأراد أن يفلت من قبضة «المافيا» ويرحل إلى المغرب، حيث تستقر أسرته، غير أن خطته لم تكتمل كما خطط لها، إذ مباشرة بعد اتصال هاتفي أجراه مع أسرته من سويسرا يخبرهم فيها أنه يعتزم الدخول بشكل نهائي إلى المغرب، مؤكدا لهم أنه سيستقل طائرة في صبيحة اليوم الذي أجرى فيه الاتصال، قام زعماء الشبكة التي ينتمي إليها بقتله سويعات قبل مغادرته منزله نحو المطار.. وفسر أحمد هذا الحادث بكون زعماء المافيا لهم علاقة برجال الشرطة واحتمال أن يكونوا قد تجسسوا عليه عبر الهاتف وتأكدوا من أنه قرر اعتزال مجال الجرائم بعدما ربح منها مبالغ طائلة. «حكايات» كثيرة سردها عدد من الذين عاشوا مرارة الفقر في بلدانهم الأصلية، نجا منها البعض بأعجوبة ومات البعض في غموض، بينما ما يزال مصير آخرين مجهولا. من هذه الحكايات قصة أحد المهاجرين المغاربة، لا يتعدى عمره 29 سنة، رفض الكشف عن اسمه الحقيقي، قال إن عددا كبيرا من المغاربة يذهبون ضحية مخلفات المافيا، موضحا ذلك بقوله إن «زميلا» له قضى عقوبة حبسية بعدما تم ضبط مسدس مخبأ بإحكام داخل سيارة كان قد اقتناها من إيطاليا، فتم اعتقاله في الحدود بتهمة «تهريب السلاح». ولم ينس هذا الشاب، الذي التمس عدم ذكر اسمه، الشهور الذي عاشها في مدينة تورينو الإيطالية، والتي وصفها بالكارثية، لأن جل المهاجرين هناك يقومون بمهام تدخل في إطار ما يسمى «الجريمة المنظمة» أو الاتجار في الممنوعات. تذكر هذا الشاب، اليوم الذي قضى فيه أول ليلة في منزل يقطنه مهاجرون مغاربة، في انتظار إيجاد سكن خاص به، ويضيف أن شخصين مجهولين دخلا المنزل في حوالي الساعة الرابعة صباحا ووضعا تحت السرير الذي كان يرقد عليه ما يقارب 30 كيلوغراما من مادة «الشيرا» من النوع الجيد ليخرجا ويقفلا الباب بإحكام، حتى لا يتمكن هو من الخروج إلى حين مجيء العناصر الأخرى الذين كانوا في «مهمة». قصة أخرى رواها رئيس جمعية في إيطاليا عن مصير مغربي يقطن مدينة الفقيه بنصالح وقضى مدة طويلة في مدينة إيطالية، وعندما نجح في صفقة وصفها ب»الضخمة» درت عليه الملايين، دفعته إلى اعتزال العمل الإجرامي ومغادرة المنظمة التي يشتغل فيها، في محاولة منه التنكر للعصابة، ظنا منه أنه سيفلت من قبضة العصابة.. لكنْ، عند وصوله إلى مسقط رأسه، يقول المصدر ذاته، لم تُمهِلْه عصابات المافيا لأخذ «ثأرها»، فوجهت له طلقات نارية بسلاح متطور كاتم للصوت، في الوقت الذي كان جالسا مع أصدقائه في مقهى، ليسقط أرضا دون أن يفهم الآخرون ما وقع.. وأضاف الفاعل الجمعوي ذاته أن هذه العصابات عندما تصمم على أخذ تأثرها لا تترد في تصفية من تصفهم ب»خونة وماكرين»، فهذه العصابات لا تصدها الحدود الجغرافية ولا تعترف بالمبادئ ولا بالضمير الإنساني.