أخيرا عدل الوزير الأول من تصريحه السابق الذي أنكر فيه وقوع أية أحداث في سيدي إفني، واعترف أمام ممثلي سكان المدينة الذين استقبلهم في الرباط بأن ما وقع ليس سوى سحابة صيف عابرة، وأن ذلك يحدث في كل مكان من العالم. وهذا يدل على أن عباس الفاسي غير نظارتيه الطبيتين، فأصبح يرى السحاب العابر فوق المدن المغربية بعد أن كان لا «يقشع» سوى الضباب. لكنه عوض أن يقوم بدوره كوزير أول ويذهب إلى الراشيدية وميسور والناظور وبقية المدن التي اجتاحها الطوفان، وليس فقط سحابات صيفية هذه المرة، لكي يتفقد السكان المنكوبين ويسهر على تقديم العون لهم، فضل أن يأخذ الطائرة ويذهب في زيارة إلى كندا ليحضر المؤتمر العالمي للفرانكوفونية. هو الذي يترأس حزبا يجعل من «مقاومة» المد الفرانكوفوني في المغرب معركة سياسية ولغوية ذات أولوية، كان من بين آخر «غنائمها» إصدار قرار يقضي باستعمال اللغة العربية في الاجتماعات الرسمية. وعباس مغرم بركوب الطائرات. فهو من حيث عدد الرحلات الجوية التي قام بها في ظرف سنة واحدة من توليه رئاسة الحكومة، حطم الرقم القياسي لسابقيه، وأصبح يستحق لقب «عباس الفاسي أول وزير طائر»، على وزن «عباس بن فرناس، أول إنسان طائر». فقبل شهر ونصف طار عباس إلى الصين، وقبلها بأسابيع طار في رحلة أوربية حملته من ساراقوسطة إلى باريس ومنها إلى إيطاليا. وعلى ذكر ساراقوسطة، فقد حصل رواق المغرب على الميدالية الذهبية بمناسبة مشاركته في معرض الماء خلال الصيف الماضي. وهذه نقطة حسنة تحسب لبوسعيد وزير السياحة الذي «حمر» للمغرب وجهه في هذا المعرض الذي زاره ملايين السياح من مختلف دول العالم. لكن «حمورية» وجه المغرب ستنقلب من «حمورية» بسبب الفخر إلى «حمورية» بسبب الحشومة. خصوصا عندما راسلت إدارة المعرض سفير المغرب بمدريد مطالبة إياه بإخبار حكومة بلده بضرورة تسديد واجبات الاشتراك في المعرض. ويبدو أن «الصبليون محمرين مزيان فالسفير عزيمان»، ولا يبدو عليهم ما يفيد أنهم مستعدون للتنازل عن فلوسهم. طبعا هذه ليست أول مرة يحصل فيها المغرب على ميدالية ذهبية وفي الأخير «يطبز» لها العين. فقد حصل رياضيونا المعاقون على أربع ميداليات ذهبية في أولمبياد بكين لذوي الاحتياجات الخاصة، وعندما عادوا إلى المغرب لم يستقبلهم الوزير الأول، ورأينا كيف انتهت بطلة الأولمبياد في رمي القرص في مستشفى لإجراء عملية على الكتف على حسابها الخاص، وكيف نشرت بطلة الأولمبياد في الجري إعلانا للمحسنين تطلب فيه مساعدتها لشراء عدسات لاصقة تعوض نظارتيها الطبيتين الثقيلتين. فيبدو أن الفشل والفاشلين أصبح «ماركة مسجلة» في المغرب، وأصبح له نفوذ ومدافعون، إلى درجة أنهم أصبحوا مستعدين للقضاء على أية بارقة من النجاح في المهد قبل أن تكبر وتهدد مصالحهم. وحتى عندما يريد المغرب أن يذهب برجليه إلى العواصم العالمية للبحث عن المغاربة المهاجرين الناجحين لكي يجلبهم إلى المغرب للاستفادة من خبراتهم، يعطي لهؤلاء المغاربة المهاجرين صورة سلبية من خلال أسلوب عمل بعض الشركات العمومية. وخلال الحادي عشر من أكتوبر الماضي نظمت شركات مغربية في موريال بكندا صالونا حول الشغل، بهدف البحث عن أطر مغاربة مهاجرة لتشغيلها في المغرب. وقد انتظر الكثير من الأطر المغاربة المقيمين بكندا حضور ممثلي المكتب الشريف للفوسفاط، من أجل معرفة تفاصيل العروض التي يقدمها المكتب للأطر المغربية، خصوصا وأنه اليوم يوجد في أزهى فتراته. لكن هواتف أعضاء الوفد ظلت خارج التغطية، وظل رواق المكتب في الصالون فارغا. مع العلم أن أعضاء الوفد كانوا موجودين في موريال وتقاضوا تعويضات السفر والعمل. وهكذا أعطى أعضاء الوفد صورة سلبية في الخارج عن مؤسسة ناجحة في الداخل، استطاعت أن تضاعف مبيعات الفوسفاط في الأسواق العالمية ثلاث مرات محققة عائدات مهمة للاقتصاد الوطني. أما شباط عمدة فاس الذي ذهب الجمعة ما قبل الفائتة إلى «مونبوليي» التي رتبطها اتفاقية توأمة مع فاس منذ 2003، لحضور حفل أقيم على شرف المغرب، فعوض أن يتحدث عن المغرب الذي استدعي إلى «مونبوليي» كضيف شرف في شخصه وشخص السجلماسي سفير المغرب بباريس، ومحمد المباركي الوزير السابق ورئيس غرفة الصناعة والتجارة بمونبوليي، قرأ شباط بتلعثم كبير الورقة التي «جبدها» لهم من جيبه حول فاس وتاريخ فاس. وكأن الملتقى كان على شرف فاس وحدها وليس على شرف المغرب بجميع مناطقه ولهجاته وثقافاته. ومن حسنات هذه الملتقيات حول المغرب في الخارج والتي يحضرها السفراء المغاربة وقناصلتهم أنها توفر لبعض الطلبة المغاربة «المجلوقين» في أوربا فرصة «تحصال» هؤلاء المسؤولين ومحاصرتهم بالأسئلة المحرجة أمام ضيوفهم الأجانب. وبمجرد ما أنهى شباط «مهاضرته» حول فاس وتبادل قصائد الإطراء والغزل مع محمد المباركي، والذي بدروه لم «يقصر» على شباط في مداخلته ورد له «الصرف» مديحا وإطراء، تدخل أحد الطلبة المغاربة وقال بمرارة أنه يشعر بالخجل لأن الطلبة الموريتانيين تخصص لهم حكومة بلادهم 400 أورو شهريا لكل طالب، بينما تخصص حكومة المغرب منحة قدرها 1500 أورو في العام لكل طالب. وهنا تدخل السجلماسي سفير المغرب في باريس لكي يشرح للطالب الغاضب أنه كان في شبابه طالبا مثله في «غرونوبل»، ويعرف ظروف الطلبة الجامعيين في فرنسا، وأنه اشتغل أيضا في مهن صعبة لكي يضمن مصاريف دراسته. وطبعا كان منتظرا من سعادة السفير أن يتدخل لكي يدافع عن سياسة حكومة عباس في دعم الطلبة المغاربة في الخارج، فالرجل تجمعه بعباس الفاسي علاقة مصاهرة. وسفارة المغرب بباريس تعتبر بشكل أو بآخر «إرثا دبلوماسيا» يوصي به الاستقلاليون لبعضهم البعض. لا ننسى أن عباس الفاسي نفسه مر من سفارة المغرب بباريس، وترك جذوره هناك قبل أن «يتقلع» نحو منصبه الوزاري. وبعد دقائق قليلة سيعطي السجلماسي المثال الواضح على أنه ليس فقط على جهل بظروف الطلبة المغاربة بفرنسا، وإنما على جهل أيضا حتى بتواريخ تعيين القناصل التابعين له في فرنسا، والتي يوقعها بيده. فلكي يشرح للطالب بأن سفارة المغرب بباريس تسهر على شؤون الطلبة المغاربة والعمال المهاجرين في منطقة «غرونوبل» قال له بأن وزارة الخارجية ستبعث لهم بقنصل إلى هذه المنطقة. فأطل القنصل القادري برأسه من وسط المدعوين وقال للسفير السجلماسي بأنه يمارس مهامه في قنصلية «غرونوبل» «هادي عام ونص نعاماس». وبسرعة بديهته المعهودة رد عليه السجلماسي ضاحكا «بحال إلى عاد جيتي البارح». وإذا كانت إسبانيا تطالب المغرب بتسديد مصاريف رواقه بمعرض ساراقوسطة للماء وتلمح إلى إمكانية الحجز على حسابات سفارة المغرب بمدريد إلى غاية استخلاص مستحقاتها، فإن الرئيس السنغالي عبد الله واد استقبل في دكار خلال الأسبوع الماضي عشرين مهندسا مغربيا لتوشيح صدورهم بأوسمة الاستحقاق على المجهودات الجبارة التي يبذلونها لإنزال الأمطار من سماء السنغال. وكما لا يخفى عليكم فوزارة الفلاحة المغربية ترسل منذ أربع سنوات إلى السنغال فريقا من الخبراء والمهندسين المتخصصين في «تطياح الشتا» بواسطة تقنية كيميائية. أي أنهم يلاقون «السلوكا» للسحاب والغمام في السماء فتنزل الأمطار. وبفضل هؤلاء الخبراء المغاربة تضاعف إنتاج السنغال من الحبوب لموسم 2008 الفلاحي بحوالي 136 بالمائة، وتضاعف إنتاج الفستق بحوالي 250 بالمائة. والحقيقة أننا عندما نرى كيف يجيد خبراء ومهندسو وزارة الفلاحة تقنية «تطياح الشا» في بلدان الأشقاء الأفارقة، فيرفعون إنتاجهم الفلاحي، نشعر بالغيرة ونتمنى أن تشمل وزارة الفلاحة أراضي الفلاحين الفقراء المغاربة الذين يعانون مع الجفاف منذ سنوات بكرامات هؤلاء التقنيين والمهندسين. «واخا غير يعصرو مرة مرة شي غمامة ولا جوج فالجنوب». أما في الشرق والشمال فالمطلوب من مهندسي وخبراء وزارة الفلاحة اكتشاف خلطة كيماوية لوقف معارك السحب والغمام في السماء والتي يؤدي ثمنها اليوم الآلاف من السكان المعزولين فوق الأرض في المدن والقرى النائية. أما اسم هذه التقنية الكيماوية في حالة اختراعها فأنا أتبرع به لأخنوش وزير الفلاحة مجانا، وهو «تقنية الشتا على قد النفع».