تبادل رواد القاعة الرياضية نظرات الدهشة حين اكتشفوا بينهم فتاة منهمكة في رفع الأثقال في ركن منزو من جناح كمال الأجسام، غير مبالية بذاك الكم من السهام البصرية المُصوَّبة نحو كل رقعة من جسدها، الذي ما يزال يحتفظ ببعض الصفات الأنثوية القليلة المتناثرة في مناطق متباعدة من جغرافيتها، التي تطل من تحت بذلتها الرياضية الضيّقة. تعمّد الكثيرون منهم التثاقل في قاعة الرشاشات المائية، حتى يتمكنوا من اكتشاف مزيد من المتعة البصرية لحظة الاستحمام، لكنها ما إن انتهت حتى خرجت مسرعة، دون أن تلتفت خلفها.. لقد ركبت المرأة، منذ عقود، قطار التحرر والانعتاق من الظلم الذي راكمته خلال سنين طويلة، ساعيةً إلى إثبات ذاتها وتركيز مكانتها، لكنْ يبدو أنها أخطأت الرصيف واستقلت القطار الذي يسير في اتجاه الرجل وليس المرأة.. اقتحمت جميع الميادين التي كانت حكرا على الرجل وتكونت لدينا امرأة -»رجلة» تقتفي آثاره خطوة خطوة. في المقابل، رفض الرجل مساعدتها على ملء الفراغ الذي تركته في المجالات التي كانت تحتل فيها الريادة، كالتربية والاهتمام بالأجيال الصاعدة وتدبير شؤون البيت، وأصبحت تصبو إلى أن تكون ميكانيكية أو سائقة شاحنة أو جندية مقاتلة أو بطلة في حمل الأثقال وكمال الأجسام. لذلك، فأنا أرى أنه إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، لا بد لنا من تمجيد عيد المرأة والاحتفال به بحفاوة، ولِمَ لا جعله عطلة مدفوعة الأجرة؟.. حتى يتسنى للأجيال القادمة، بعد عقود، أن تذكر أنه كان هناك كائن يسمى «امرأة» لا يشبه الرجل في شيء، والتخلي عن تلك الأفكار البالية التي تردد أن المرأة هي المجتمع بأكمله، لأنها تشغل نصفه وتربي النصف الآخر -أيام زمان- وأن تخصيص يوم واحد لها في السنة تبخيس فظيع لمكانتها!.. رغم أن علماء البيولوجيا يؤكدون اليوم أن المرأة والرجل مختلفان بشكل صارخ، في شتى الأوجه التي دُرِست، كتكوين الدماغ واشتغال الحواس والهرمونات والجينات والأمراض التي تصيب كليهما والقدرات الذهنية والمهارات الجسدية (من لغة وتعليم وذاكرة) والشخصية والنفسية. لم أستطع، رغم محاولاتي الصادقة، فهم الخلافات والصراعات الأزلية بين الرجال والنساء والصعوبات الجمة التي يخلفها التعايش بينهما، فعوض أن يكون لكل ميدان بطله ولكل مجال سيده، يحاول كل طرف التسلط على الآخر والاستبداد برأيه. ولأضعكم في الصورة، قررت أن أجمع الرجال في رجل واحد يمثل ناطقا رسميا باسمهم وفعلتُ نفس الشيء مع النساء وقابلتهما في نقاش يشبه تلك البرامج الحوارية، من شاكلة «الاتجاه المعاكس»، ليفصح كل عن مؤاخذته على الآخر: هو: أنتن، لا أحد يفهمكن، تَحمِلن كل العُقَد المُعقَّدة والأوهام المفردة، ديدنكن النميمة والغيبة والقيل والقال وكثرة السؤال. هي: أنتم، من تضنون أنفسكم؟ مغرورون متعجرفون.. ومعنا لا تعرفون إلا الكذب والكلام المعسول، الذي لا يتجاوز طرف اللسان، أسهل باب تخرجون منه هو الهجران والنسيان.. هو: مهووسات بتأويل كل الأقوال والأفعال والأحداث، تُسيّركن العواطف والأحاسيس والمشاعر والحدس والتخمين.. هي: أنتم، ينقصكم النضج ويعوزكم تحمل المسؤوليات، تظلون أطفالا في حاجة إلى أم تخدمكم وتحضنكم وتدللكم. هو: أنتن، كثيرات التعليق والتعقيب والانتقاد والضجر، في حاجة دائمة إلى فهم كل شيء وتحليل كل قول وفعل يصدران عن الرجل. هي: لا أفهمكم! مع أصدقائكم مرحون، ضاحكون، اجتماعيون طيبون، في البيت، ثقيلو الظل، كسالى، خاملون ومتعبون، تبحثون عمن يخدمكم. هو: أنتن، في الحب مثاليات ومجنونات غيورات من كل إناث الدنيا، تُطْبِقن على الرجل وتحجبن عنه الهواء والنور، لا تملكن الصراحة في التعبير عن رغباتكن الجنسية، في الفراش، تُتْقِنَّ التمثيل وتتصنّعن الإشباع والاستمتاع الجنسي. هي: سطحيون في تفكيركم واختياراتكم، تأسرهم النساء بمظاهرهن الخارجية وبأجسادهن، لا تصدقون في الحب وتفصلون بين الحب والجنس، الجنس هو أهم ما تلهثون خلف إشباعه وتتهربون، بجبن، من العلاقات طويلة الأمد. هو: أما أنتن فتُبهركنّ السلطة والجاه والمال.. وإذا حظيتن بأصحابها، تصبحن في حاجة مستديمة إلى أن يؤكدوا لكُنّ حبهم كل ساعة وحين، ولا شيء يرضيكن أبدا.. هي: مهووسون بالقوة والكفاءة والفعالية والإنجازات، ماديون إلى أقصى حد. لا تصغون إلى معاناة النساء من حولكم وتستصغرون المشاكل العائلية والأسرية. هو: مثيرات للرجال. هي: أنانيون. هو: متناقضات. هي: مخادعون، كاذبون. هو: خائفات رعديدات. هي: خاملون، كسالى.. هو: سلبيات، متحكمات، مسيطرات. أخذت الأجواء تتكهرب والأيادي تلوح والاحتقان يتضخم والأصوات تتقاطع وسحابة من سوء التفاهم تتكتل.. اضطررت إلى وقف النقاش لأتدخل، فيكفي أن نعيد قراءة هذه الشكاوى المتبادلة لنقف على تكامل جليّ وتكافؤ واضح. فتصرفات الرجال والنساء هي التي تولّد ردود أفعال بعضهم على بعض.. فسكوت الرجل يُولّد عند المرأة إحساسا بانعدام الأمان ويثير لديها الحدس والتفسيرات المرضية، كما أن سلبية الرجال داخل البيت تدفع النساء إلى القيام بكل شيء والتفكير في تفاصيل الحياة اليومية، لتغطية عدم تحملهم تلك المسؤولية. من جهة أخرى، تنبع الخلافات من نظرة كل جنس إلى الآخر انطلاقا من بنائه النفسي وتكوينه الشخصي، لذلك نجد المرأة الرومانسية جدا، المنتبهة إلى زوجها في أدق أموره، تنتظر أن يحبها بنفس الطريقة والأسلوب، فتنتقده على الدوام. كما أن الرجل الصامت لا يفهم ثرثرة المرأة وحبها التواصلَ ويفضلها قليلة الكلام، مثله. في الختام، أُفضّل أن نتقبل بعضنا بعضا كما نحن وأن نُسلّم بأن الرجال يصنعون النساء والنساء يصنعن الرجال. ما أجمل أن يبقى الرجل رجلا والمرأة امرأة.. وكل عيد وأنتن بألف بخير!..