ظهرت فكرة إنشاء اتحاد المغرب العربي قبل الاستقلال، وتمت بلورتها في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية الذي عقد في مدينة طنجة ما بين 28 و30 أبريل 1958، والذي ضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية. وبعد الاستقلال، كانت هناك محاولات لترجمة فكرة تعاون وتكامل دول المغرب العربي، مثل: إنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 والتي أوكلت إليها مهمة تنشيط الروابط الاقتصادية بين دول المغرب العربي، بيان جربة الوحدوي بين ليبيا وتونس عام 1974، معاهدة مستغانم بين ليبيا والجزائر، معاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائروتونس وموريتانيا عام 1983، اجتماع قادة المغرب العربي في مدينة زرالده في الجزائر بتاريخ 10 يونيو 1988 الذي تميز بإصدار «بيان زرالده» الذي أوضح رغبة القادة العرب في إقامة اتحاد مغاربي وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي؛ وبالفعل تم الإعلان عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 في مدينة مراكش، وذلك من خلال التوقيع على ما سمي بمعاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي من قبل خمس دول وهي: المغرب والجزائروتونس وليبيا وموريتانيا. لقد تم إنشاء اتحاد المغرب العربي من أجل الاستجابة لمفهوم الوحدة التعاونية متعددة الأبعاد، ومن ثمة يتبين لنا أن سبب النشأة يرجع بالأساس إلى الرغبة الملحة لدى الدول الخمس الأعضاء في تحقيق مجموعة من الأهداف، تتمثل أساسا في: - فتح الحدود بين الدول الخمس، من أجل منح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها؛ - تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض؛ - تحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها؛ - المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف؛ - نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين؛ - تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري وتنمية المبادلات بين الدول المغاربية؛ - الاهتمام بالتصنيع عن طريق تنسيق السياسة التصنيعية؛ - توحيد السياسة الجمركية وطرق التفاوض مع الاتحاد الأوربي؛ - تنمية التعليم والحفاظ على القيم الروحية وصيانة الهوية والقومية العربية. هذا، وتهدف السياسة المشتركة، المشار إليها أعلاه، إلى تحقيق الأغراض التالية: - في الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء، وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار؛ - في ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء؛ - في الميدان الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء، واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد؛ - في الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته، وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية القومية العربية، واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، كتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء. كما تجدر الإشارة إلى أنه، ولتمكين الاتحاد من لعب الأدوار المنوطة به، تم خلق مجموعة من الميكانيزمات الإدارية المصاحبة له، والمتمثلة في كل من: - مجلس الرئاسة: يضم رؤساء دول المغرب العربي الخمس، ومن مهامه اتخاذ القرارات الهادفة إلى تحقيق أهداف الاتحاد؛ - مجلس الشورى: يلعب دورا استشاريا، ويبدي رأيه في مشاريع القرارات؛ - الهيئة القضائية: يتمثل دورها في الفصل في المنازعات حول تطبيق المعاهدات؛ - مجلس وزراء الخارجية: يُحضِّر دورات مجلس الرئاسة، ويعرض أعمال اللجان؛ - الأمانة العامة: تشرف على الجوانب التنظيمية وتسهر على إدارة الشؤون العامة، أما اللجان (كلجنة الأمن الغذائي، لجنة الاقتصاد والمالية، لجنة الموارد البشرية،...)، فتقوم بدراسة القضايا حسب التخصص. إن إنشاء اتحاد المغرب العربي، باعتباره خطة للتدبير التشاركي، قد شملته مجموعة من الشوائب أثرت، بصفة مباشرة، على النتائج المرجوة من هذه المؤسسة، ومن ثمة فشلت تجربة اتحاد المغرب العربي. كل هذا يعزى إلى: - غلبة الهاجس السياسي على الهاجس الاقتصادي، حيث إن اتحاد المغرب العربي انبنى على أساس سياسي؛ - تبني قاعدة الإجماع في اتخاذ القرارات (المادة 6)، حيث جعلها ذلك عرضة لخلافات سياسية أدت إلى فشل الاتحاد، مما حدا بوزراء دول الاتحاد في مارس 2001 بالجزائر إلى اقتراح تعديل المعاهدة واستبدال مبدأ الأغلبية بقاعدة الإجماع، وأحيلت هذه القضية على لجنة خاصة للبحث فيها في انتظار انعقاد قمة مغاربية؛ - الخلافات الجزائرية المغربية والمتمثلة بالأساس في مشكل الصحراء المغربية. إن التحديات العالمية التي شهدها العالم في السنين الأخيرة، والمتمثلة أساسا في كل من الأزمة الاقتصادية العالمية والربيع العربي، يمكن اعتبارها ناقوسا ينذر بضرورة القيام بعملية ترميم البيت الداخلي لاتحاد المغرب العربي، ذلك أن إعادة الهيكلة لا يمكن أن تتم بمعزل عن الفهم الحقيقي لخصوصيات كل دولة من هذه الدول، الشيء الذي يؤكد لنا أن نجاح أي مشروع مقرون بتشخيص مكوناته وإمكانياته تشخيصا دقيقا، وهذا لا يمكن تحقيقه في غياب رؤية تنموية استراتيجية مندمجة. لقد غدا استكمال بناء اتحاد المغرب العربي كوحدة إقليمية خيارا استراتيجيا بالنسبة إلى شعوب المنطقة، ذلك أن القوى الاقتصادية التي بإمكانها مواجهة المستقبل والتصدي لتحديات العولمة هي المجموعات الجيوسياسية الكبرى ذات الكثافة السكانية المرتفعة، والتي ترتبط في ما بينها باتفاقيات للتعاون والتكامل الاقتصاديين، ومن ثمة فتوفر بلدان المغرب العربي مجتمعة على مؤهلات بشرية واقتصادية يؤهلها عند تكتلها في إطار إقليمي للاندماج في الاقتصاد العالمي، ومن ثمة الحصول على وزن اقتصادي وسياسي في العلاقات الدولية، كما يمكنها أن تصبح شريكا فعالا لمختلف التكتلات الإقليمية العالمية، كل هذا يمكن تحقيقه في الوقت الراهن استنادا إلى الرغبة المباشرة لمجموعة من قادة الدول الأعضاء في الاتحاد في إعادة الحياة إلى الجسم المغاربي، ذلك أن الرئيس التونسي أكد، في جولته المغاربية الأخيرة، أن «الظروف النفسية أصبحت حاضرة لبناء اتحاد المغرب العربي بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية في تونس وليبيا»، فهل ستكون 2012 حقا سنة لتفعيل اتحاد المغرب العربي؟