المحجوب عرفاوي سمعت خبر وفاة عبقري آلة «لوتار» محمد رويشة عبر صديق حميم يقيم في مدينة خنيفرة فصعقت وأحسست بالأرض تميد تحت قدميّ ووجدتني أقول، متحسرا: «لماذا يموت المبدعون والفنانون العظام دون أن يمشوا على الأرض طويلا»؟.. من الصعب جدا أن أنصف في هذه الورقة فنانا شعبيا رائعا كانت له في منازل المغاربة منازل. فالأمر يحتاج، بدون شك، إلى أكثرَ من كتاب، لأن هذا الفنان الشعبي كان ظاهرة فنية بصَمت اسمها في الخريطة الثقافية والفنية للمغرب. لقد عشق محمد رويشة الآلة الوترية وأبدع فيها وعمل على تطويعها، كما يطوع المبدع الخلاقُ اللغة.. ولكونه كان يعزف على أوتار آلته بأوتار قلبه، فإنه استطاع أن يطرب المغاربة في جميع مناطق المغرب، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. كما ظل مرافقا ومصاحبا للمغاربة في أرض المهجر، إذ إن آلته تصدح داخل بيوت المهاجرين وداخل سياراتهم وهي تقطع شوارع ميلانو وبريشيا وروما وكلابريا وباريس ومارساي ونيس ومدريد وبرشلونة... فمهاجرونا حين يستمعون إلى محمد رويشة يتدفق الدفء في قلوبهم في بلاد تموت من البرد حيتانها، وبالتالي يؤجج حنينهم إلى الوطن الأم ويشدّهم إلى الجذور، يشدّهم إلى الحي، إلى الشجر، إلى الجدول، إلى النهر، إلى الجبل، إلى فرن الحارة، إلى الخبز الذي يطهى على التنور.. أحيانا، يُخفّف معاناتهم، ينتشلهم من الواقع المرير الذي يعيشونه في أوربا، وأحيانا يبكيهم حين يغني عن الأم والحبيبة والحمام والليل والعمر والقمر.. وهنا لا بد أن نعلن بأن أغاني محمد رويشة، الأمازيغية والعربية، تحفل بتيمات عديدة، من قبيل الحب، الهجران العذاب، التوسل، التضامن والصمود، دون أن نغفل أن في أغانيه انزياحات لافتة نذكر منها :»كلبي حطيتو نت ماشتو -جيت نفكر لقيت لموت خير- إلى فاتك لكار شد فلمزرار- أخويا الزين لورد -إلى فات وقتو ذبال». زرت رويشة في ظهر يوم، صحبة أحمد بوزفور ومصطفى جباري وعبد الرحيم العراقي في منزله في مدينة خنيفرة، التي يعشقها حد الوله، فاستقبلَنا استقبالا رائعا يفيض إنسانية لا تلقاه عند فنانين آخرين. وفي غرفة في الطابق الثالث، مفروشة بالزرابي الزيانية، أمتعنا كلاما فيه كثير من روح التصوف.. وحين أخذ آلته الجميلة وشرع يعزف عليها، هدّنا الصمت وأصغينا له، خاشعين صاغرين، منكسين رؤوسنا. حين انتهت جلستنا، شكرَنا على زيارتنا له وودعنا، ملتمسا منا أن نزوره مرة أخرى، لكن ليلا، ذلك أنه قال: «أنا أحب أن أجالس الذين يحبونني ليلا».. لم نتمكن من زيارته، كما اتفقنا على ذلك، نظرا لانشغالات معينة. محمد رويشة فنان شعبي متميز، عزفا وأداء، ويستحق أكثر من التفاتة من طرف وسائل الإعلام المغربية، بمختلف أنواعها، ومن طرف مؤسساتنا الثقافية والفنية، ومن الباحثين في موسيقانا الشعبية، لأنه خلّف فنا موسيقيا مغربيا أصيلا ولأنه غنى للمغاربة جميعا، بالعربية والأمازيغية، رافضا أن يوظَّف من جهة معينة بغرض أن يخدم ثقافتها وفنها وهويتها، لأنه يدري جيدا أن روافد الثقافة المغربية عربية وأمازيغية وصحراوية و.. ينبغي أن تخدم المغرب الثقافي والفني، في نهاية المطاف، وتُغْنيه.. لقد استطاع رويشة، من خلال أغانيه، أن يقوي اللحمة بين المغاربة (شلح وعربي حتى يعفو ربّي) وهذا لَعمري ما عجزت عن فعله مؤسساتنا الثقافية، فنم يا محمد رويشة في قبرك في دعة واطمئنان، لأنك أديت رسالتك الفنية بنبل!..