يخلد اتحاد المغرب العربي الذكرى الثالثة والعشرين لتأسيسه على إيقاع إحصاء الخسائر التي تكبدتها دوله على مستوى التنمية نتيجة عدم تفعليه. تقارير دولية عديدة، بعضها صدر عن منظمات عالمية مرموقة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، دقت ناقوس الخطر من استمرار الوضعية التي صارت تعرف إعلاميا ب«اللامغرب عربي». المثير أن الأمانة العامة للاتحاد المغرب العربي نفسها تتولى نشر هذه التقارير على بوابتها الإلكترونية دون أن تملك القدرة على الدفع قدما في اتجاه الاستجابة للمطالب العاجلة للشركاء الاقتصاديين الأساسيين لدول المغرب العربي بإقرار تقارب اقتصادي متين بين الرباط ونواكشوط والجزائر العاصمة وتونس العاصمة وطرابلس. ورغم أن ثمة إجماعا على فداحة الخسائر التي تتكبدها دول المغرب العربي على مستوى جميع الأنشطة الاقتصادية، لا توجد إلى حدود الساعة معطيات دقيقة عن إجمالي هذه الخسائر، ونصيب كل دولة منها. الباحث في مركز الدراسات الدولية بجامعة برشلونة الإسبانية، فرانسيس جيل، أعد دراسة رصد فيها خسائر «اللامغرب العربي» حسب القطاعات الاقتصادية. وقد خلصت هذه الدراسة إلى أن القطاعات الأكثر تضررا من الوضعية الراهنة تتمثل في الطاقة والأبناك والنقل والصناعات الغذائية والتربية والثقافة والسياحة. فماذا تبقى من القطاعات الإنتاجية؟ ورغم أن الدراسة أقرت بصعوبة الحصر الدقيق لهذه الخسائر، فإنها تضمنت رقما وحيدا يبين مدى الفرص التي تهدرها بعض الحكومات المغاربية باستمرارها في تجاهل السوق المحلية. المبادلات التجارية بين الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي لا تتجاوز 1.3 في المائة من إجمالي المبادلات التجارية الخارجية لهذه الدول. واقع أقر بسلبياته الحبيب بن يحيى، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، حين قال إن «المبادلات التجارية بين بلداننا لا تزال ضعيفة جدا». وإذا كانت دراسة فرانسيس جيل ركزت على رصد الخسائر التي تتكبدها القطاعات الإنتاجية المغاربية بسبب عدم تفعيل الاتحاد المغاربي على أرض الواقع، فإن دراسة مماثلة كان أصدرها البنك الدولي في السنة الماضية رصدت فصلا آخر من الخسائر في ال23 سنة الماضية تم تسجيلها على مستوى مختلف المؤشرات الاقتصادية. الدراسة ذاتها تحدثت عن استمرار نسبة البطالة إلى درجة أن معدلها يقاس برقمين في معظم الدول، بالإضافة إلى ضعف جاذبية المنطقة بخصوص الاستثمارات الأجنبية، وهو ما كانت له تأثيرات غاية في السلبية على معدل النمو المحقق سنويا في كل دولة. ولتجاوز هذه الوضعية، قدم البنك الدولي وصفة لم تجد لها طريقا إلى أرض الواقع. إذ استعجل البنك الدولي «إعادة النظر في المبادلات التجارية بين الدول المغاربية ورفع القيود الجمركية». مطلب لا يبدو أنه قريب من التحقق في ظل استمرار إغلاق الحدود المغربية الجزائرية وعدم استقرار الأوضاع في كل من تونس وليبيا، خصوصا أن تحققه يتطلب، حسب البنك الدولي دائما، دعم شبكة المواصلات الرابطة بين المراكز التجارية المغاربية. الحبيب بن يحيى أبدى تفاؤلا كبيرا بخصوص إمكانية إقرار تقارب اقتصادي مغاربي حقيقي في الفترة المقبلة. ومقابل تفاؤل الأمين العام للمغرب العربي، بدا صندوق النقد الدولي في شخص مديرته الفرنسية، كرسيتين لاغارد، متشائما من مستقبل الاتحاد في ظل عدم فتح الحدود بين الدول المكونة له. لاغارد وضعت الإصبع على مكمن «الفيروس» المسبب «للامغرب العربي» عندما أكدت في نداء أطلقته في مستهل شهر فبراير الجاري من تونس العاصمة على استعجالية فتح الحدود المغربية الجزائرية كخطوة أساسية في اتجاه إقرار تقارب اقتصادي مغاربي حقيقي. وأعادت مديرة صندوق النقد الدولي التأكيد على إلزامية تنفيذ التوصيات السابقة للبنك الدولي، صنو صندوق النقد الدولي، خصوصا ما يتعلق منها ب«فتح الحدود بين الدول وضمان حرية تنقل الأشخاص إذا كانت الدول المغاربية تريد فعلا الاستفادة من جميع فرص النمو المتاحة لها». والمثير كذلك أن مصطلح «اللامغرب العربي» خرج من نطاق التداول الإعلامي وأصبح يتداول على لسان بعض قادة اتحاد المغرب العربي. الرئيس التونسي المنصف المرزوقي تحدث مؤخرا عن مساع لوضع حد للخسائر التي تكبدتها المنطقة من جمود المغرب العربي والوضعية التي وصفها ب«اللامغرب العربي». وقد أفلح المرزوقي في انتزاع وعود بعقد قمة مغاربية قريبا دون تحديد تاريخ معين لعقدها. ويشكل جمود أجهزة الاتحاد أبرز أسباب استمرار المنطقة في تحمل تكاليف عدم تقاربها على المستوى الاقتصادي بصرف النظر عن الخلافات التي تفرقها سياسيا. المثير في هذا السياق أن دول المغرب العربي الخمس تجتمع بشكل دوري مع خمس دول أوربية، في إطار ما يعرف ب«5+5» وتخرج بتوصيات يجد كثير منها طريقه نحو التنفيذ، لكنها لم تستطع، رغم عشرات الاجتماعات التي عقدت منذ إعلان تأسيس اتحاد المغرب العربي، أن تنزل هذا الحلم على أرض الواقع، وهو ما جعل المنطقة تستيقظ، بعد مرور 23 عاما على تاريخ هذا الحلم، على إيقاع كابوس اسمه «اللامغرب العربي»، وبذلك تستمر في أداء تكلفة هذه الوضعية عملة صعبة مكونة بالأساس من فرص النمو المهدورة.