«اللباس البرتقالي والسلاسل الحديدية واللاصق الأسود هي تلك الصور التي شاهدناها ولا نزال نشاهدها للمعتقلين الذين أطلقت عليهم الولاياتالأمريكية لقب «الإرهابيين». صور تثبت لنا حجم الضبابية الذي لا يكاد يزول عن ادعاءات الولاياتالمتحدة المزيفة والحقائق، التي طالما رآها البعض في أمريكا باعتبارها راعية حقوق الإنسان والعدالة والمساواة والمعتقدات الدينية. حقائق يكشف عنها إريك سار (رقيب في الجيش الأمريكي وأحد المحققين في غوانتانامو بعد فترة ستة شهور قضاها مع المعتقلين) والصحفية فيفكا نوفاك (مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» وعضو الجمعية الأمريكية لحقوق الإنسان والحريات المدنية). حقائق تبين لنا مقدار الغطرسة الأمريكية في جحيم غوانتانامو، الذي بدأت السلطات الأمريكية باستغلاله مع بداية سنة 2002 بعد احتجاز من تشتبه في كونهم إرهابيين ينتمون إلى تنظيم القاعدة. حقائق تكشف لنا جوانب مظلمة وممارسات وحشية وأساليب منافية للمواثيق والأعراف الدولية تجاه المعتقلين. في الساعة الحادية عشرة، التقينا في مقطورة ملاصقة لغرفة التحقيق التي كان المعتقل موجوداً فيها قبل ساعة من وصولنا. كان وحيداً ومقيداً بالأصفاد، وكان حينها يقرأ القرآن في خشوع تام، وبينما أنا أهمُ بالذهاب إليه، قالت لي بروك أن آخذ بعض القهوة لأنها قررت أن تتركه ساعة أخرى. وبعد منتصف الليل بقليل، سألتني بروك إذا كنت مستعداً، قلت متظاهراً بالحماس: «بالتأكيد، دعينا نذهب وننهي هذا العمل». وفيما كنا نسير على الحصى إلى غرفة التحقيق، قالت لي بروك إن زملاء فريق من المعتقلين كانوا يشجعونه على مقاومتنا: «أخبرني أحد عناصر الشرطة العسكرية أنه عندما يعود في وقت متأخر من الليل، يتحدث إليه المعتقلون القريبون منه، وبعد ذلك يقضي فترة طويلة في الصلاة. كان ذلك يحدث رغم أنه كان ينقل من زنزانة إلى أخرى من وقت لآخر» وأضافت بروك: «أعتقد أن المشكلة هنا أن من السهل عليه استعادة قوته عندما يعود إلى الزنزانة، علينا أن نجد طريقة لنحطم هذه القوة، وأفكر أن الإهانة والإذلال أفضل طريقة للوصول إلى هذا، علي أن أجعله يشعر أنه يجب أن يتعاون معي وأنه لا يملك خياراً آخر، أعتقد أن علينا أن نجعله يشعر أنه قذر لدرجة أنه لا يستطيع العودة إلى زنزانته ويقضي الليلة وهو يصلي، علينا أن نضع حاجزاً بينه وبين ربه». كلمات كانت بروك تقولها لحظة فتحنا باب غرفة التحقيق ورؤية الشاب السعودي، الذي كانت الأصفاد في كاحليه ورسغيه وسلسلة إضافية تربط كل أطرافه مع حلقة في أرض الغرفة، وكانت الحلقة طبعاً قصيرة جدا لتجعله ينحني في وضع غير مريح إطلاقاً. كان هناك اثنان من الشرطة العسكرية معه، وكان المكيف يعمل بدرجة عالية. فعل المعتقل كل ما بوسعه ليتفادى النظر إلى بروك، لكن عندما التقت عيناه بعيني، كانتا مليئتين بالحقد، شكرت بروك عنصري الشرطة العسكرية وطلبت منهما الخروج قائلة لهما: «أرجو أن لا تبتعدا كثيرا» ثم توجهت إلى فريق وقالت له: «مرحبا فريق، كيف حالك الليلة؟»، لكن فريق اكتفى بالنظر إلى الجدار بغضب. قالت بروك: «فريق، هل ستساعدنا الليلة، أنت بدأت تتعب من هذا بالتأكيد، أليس كذلك؟»، لم يستجب فريق وهي تشرح له أن موقفه سوف يزداد سوءاً إذا لم يتعاون، قائلة له: «أريد منك أن تخبرنا عن الشخص الذي أرسلك لتأخذ دروساً في الطيران يا فريق»، لا جواب. قالت بروك: «ماذا كانت الخطة، لديك خياران هنا يا فريق إما أن تتعاون، وفي هذه الحالة سوف تجلس في كراس مريحة وندخن معاً ونتحدث مثل البالغين، أو أن تقف هناك مكبلاً بالأغلال دون أن يكون لك أمل مطلقاً بمغادرة هذا المكان أو التحدث إلى محام، فعليك أن تعرف جيدا بأنني أنا الشخص الوحيد الذي يستطيع مساعدتك وأريد أن أفعل هذا، لكنني أحتاج إلى إجاباتك عن أسئلتي». أغلق فريق عينيه وبدأ بالصلاة والدعاء، نظرت بروك إلي وأشارت إلى الباب، ففهم منها أنها تريد أن نخرج ونترك المعتقل لبعض الوقت. ذهبنا إلى الصالة المجاورة لغرفة التحقيق، التي يقبع فيها المعتقل. وأثناء ذلك، طلبت بروك من عنصري الشرطة العسكرية أن يدخلا ويجبراه على الجلوس على كرسي حديدي ولكن يجب أن يبقى مقيداً بأرض الغرفة، ثم قالت لي: إريك، سأعمل على جعل هذا المعتقل يشعر أنه لا يستطيع الصلاة، عدنا إلى غرفة التحقيق، ففوجئت عندما رأيتها تبدأ بفك أزرار قميصها ببطء وإثارة، مثل راقصة خليعة عندما تبدأ بخلع ثيابها قطعة قطعة، وبدأ قميصها الداخلي العسكري البني يظهر وهو ملتصق بصدرها. رفض فريق النظر إليها، لكنها سرعان ما قالت له: «ما بالك يا فريق، ألا تحب النساء؟ (كانت تقف أمامه محاولة أن تجعله ينظر إلى جسدها) وسارت ببطء خلفه وبدأت تضغط بصدرها على ظهره، وقالت: «هل تحب هذا الصدر الأمريكي الكبير يا فريق وتابعت: «أرى أنك قد بدأت تشعر بالإثارة، كيف تعتقد أن الله يشعر حيال ذلك؟ كان الضيق بادياً على المعتقل، لكنه لم يتكلم، انتقلت أمامه وسحبت كرسيا وجلست عليه ووضعت يديها على صدرها وقالت له: «ما رأيك يا فريق هل تحب هذه الكبيرة؟»، نظر إليها ورأى ما كانت تفعل ثم أدار وجهه بسرعة. سألته بروك: «هل أنت شاذ؟ لماذا تنظر إليه دائماً؟» وكانت بروك تشير إليّ عندما قالت له ذلك، «إنه يعتقد أنهما رائعان ما رأيك يا إريك»، اكتفيت بأن أومأت برأسي، وتابعت الترجمة وكان الأمر قد بدأ يزعجني قليلاً، وتابعت بروك: «كل هذا باختيارك يا فريق، نستطيع أن نستمر على هذا النحو طوال الليل أو أنك تبدأ بالإجابة عن أسئلتي، من أرسلك إلى مدرسة الطيران»، كان وجه فريق قد بدأ بالاحتقان وبدا عليه الحقد وبدأ جسده يرتجف، فنظر إلي والتقت عينانا لمدة عشر ثوان تقريباً، أردت أن أبدو مخيفاً، ولكن تساءلت عما إذا كان يشعر بشكوكي حول ما كان يحدث، كنت متأكداً أن بروك لم تكن تعتقد أنها تجاوزت الحدود، وأشك أن أحدا في القيادة كان يعتقد ذلك، فقد كان مفهوما أنه من المسموح ممارسة ضغوط عقلية وروحية هائلة على المعتقلين. ومع أنه كان يسمح للمشرفين بمراقبة التحقيقات من وراء الزجاج ذي الاتجاه الواحد، إلا أنهم نادراً ما كانوا يفعلون ذلك، كانت هناك كاميرات أيضاً في غرفة التحقيق، لكن الجلسات لم تكن مسجلة، خاصة أن الجنرال ميلر كان يعتقد أن تصوير الجلسات قد يخلق مشاكل قانونية، وكانت المشاهد تنقل إلى شاشة في غرفة المراقبة فقط. لم أشاهد في حياتي مثل تلك المشاعر الصلبة تأتي من عين أحد كما رأيتها في عيني رفيق، لم تكن مشاعر كراهية فقط، بل كانت نظرات تنقل العنف، كنت متأكداً تماماً أن ذلك الرجل كان سيقتلنا لو أتيحت له الفرصة، لكن رغم ذلك، كنت أتمنى أن نعرف كيف وصل إلى مدرسة الطيران في الولاياتالمتحدة، لكني كنت أشك في ذلك، وهذه الطريقة كانت تتعدى حدوداً مقدسة، لذلك لم أكن أشعر بالفخر في تلك اللحظة. بعد أن انتهى تحديقنا ببعضنا البعض، أجاب المعتقل عن سؤال بروك بأن نظر إليها وبصق في وجهها. ولكن لم يبد عليها الانزعاج ولم تتزحزح من مكانها، بل قالت: «هكذا إذن، تذكر فقط أنك تملك القوة على إيقاف هذا»، عند ذلك غادرنا أنا وهي الغرفة مرة أخرى وطلبت من عنصري الشرطة العسكرية أن يقفا قريباً فقد نحتاجهما في الجلسة المقبلة. نصيحة المسلم مشينا إلى الصالة لنتحدث إلى عادل، وهو مترجم آخر كان يستعد لتحقيق آخر. طلبت بروك من هذا المسلم النصيحة، فقالت له إنها تستجوب معتقلاً هاماً غير متعاون، وإنها تريد طريقة لتحطيم إرادته وإبعاده عن الاعتماد على الله الذي يعتبر مصدر قوته. اقترح عليها أن تقول له إنها حالياً في الدورة الشهرية وتلمسه بعد ذلك، فذلك قد يجعله يشعر أنه قذر ويخجل من الوقوف أمام الله فيما بعد، وأضاف أن عليها أن تقول للحراس أن يقطعوا عنه الماء حتى لا يستطيع الاغتسال فيما بعد. شعرت حينها أنه من الغريب أن يقترح مسلم ملتزم مثل هذه المعاملة لمسلم مثله، لكن بروك قبلت فكرة عادل وطورتها. فأمسكت قلماً أحمر عريضاً وذهبت إلى الحمام، وقالت عندما عادت: «دعنا نذهب»، وقبل أن ندخل، طلبت من عنصري الشرطة العسكرية، مرة أخرى، أن يظلا قريبين وأن يدخلا إذا سمعا أي صراخ. جلسنا أمام المعتقل لثوان قبل أن تقول له بروك «فريق، هل الإسلام دين عنيف؟ هل تعرف أن مسلمين أبرياء ماتوا في نيويورك في 11 سبتمبر؟ هل تعتقد فعلاً أن هذا يرضي ربك؟ من أرسلك لتأخذ دروس طيران؟». كانت بروك تطرح عليه تلك الأسئلة وقد بدت علامات الغضب والاحتقار تجاه هذا المعتقل الذي لازم الصمت وفضل عدم الرد على أسئلتها الكثيرة والمتعددة. فقد كان فريق غير متجاوب إطلاقا ورفض أن ينظر إليها، لكن بروك لم تستسلم وبدأت بطرح الأسئلة من جديد فقالت له: هل تعتقد أن أعمالك هنا ترضي الله؟؟، كيف تعتقد أنه يشعر حيال شعورك بالانجذاب نحو هذه المرأة الأمريكية الكافرة؟؟؟، وفيما كانت تقول ذلك، وقفت وحركت كرسيها بعيداً عن الطريق، بدأت تفك أزرار بنطالها العسكري وقالت «فريق، هل تعرف أنني في الدورة الشهرية (كانت قد بدأت تدور حول المعتقل)، كيف تشعر لو أنني لمستك الآن؟»، انتفض فريق وهو يستقيم في جلسته، عندما ترجمت له، نظر إلي وكأن موتي كان أكثر رغباته قوة. جاءت بروك من وراء جانبه الآخر، وكان بإمكانه أن يرى أنها بدأت تسحب يدها خارج سروالها. وعندما ظهرت يدها، رأى السعودي ما بدا وكأنه دم أحمر على يدها، فسألته بإصرار: «من قال لك أن تتعلم الطيران يا فريق؟؟»، نظر إليها برغبة في الانتقام ورفض الاستسلام، هنا صرخت فيه يا ابن (...) ومسحت ما كان يعتقده دم الدورة الشهرية على وجهه، صرخ فريق: آآآه ه ه بأعلى صوته وهز صوته المقطورة، وكان جسده يهتز وهو يبدأ بالبكاء. كان يحاول أن يسحب يديه وكأن بإمكانه أن يتخلص من قيوده، سألته: «ما رأيك في هذا؟» وفتحت راحة يديها لتريه دمها. بصق فريق علينا وصرخ مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانت صرخته أقرب إلى التوسل والخوف، كان صوته يرتجف وهو يصرخ ويحاول النهوض عن كرسيه حتى إنه تخلص من أحد قيود كاحله وهو يقول: «لا، لا لا، قلت في نفسي: «ماذا نفعل؟؟». أسرع عنصرا الشرطة العسكرية إلى داخل الغرفة، وقالت بروك لأحدهما: «أعد تقييده بأصفاد الكاحل اللعينة واتركه مستلقيا على الأرض واخرج من هنا». فعل عنصرا الشرطة ما أمرت به، ركعت بروك على ركبتيها بقربه، ففعلت أنا مثلها. قالت له: «ليس من الضروري أن يكون الموقف هكذا، لديك اختيارات يا فريق، من أرسلك إلى مدرسة الطيران؟؟، بدأ يبكي مثل طفل صغير، وينشج ويتمتم بكلمات غير مفهومة باللغة العربية، الشيء الوحيد الذي فهمته كان «أيتها العاهرة الأمريكية» قالت بروك: «ماذا تعتقد أن زملاءك سيظنون عندما يرون في الصباح دم الدورة الشهرية لامرأة أمريكية على وجهك؟» وتابعت وهي تقف: «بالمناسبة، لقد قطعنا الماء عن زنزانتك لهذه الليلة، ولذلك سيكون الدم موجوداً غدا». غادرنا الغرفة وأغلقنا الباب خلفنا، واستندت إلى الجدار، كنت سعيداً لخروجي من هناك، نظرت بروك إلي وبدأت تبكي هي الأخرى. كانت مرهقة، لكنها كانت تشعر بالإحباط أيضاً، اكتفيت بالنظر إليها، كنت أعرف أنها لم تستمتع بما فعلت، لكنها فعلت ما كانت تعتقد أنه أفضل طريقة للحصول على المعلومات التي كان رؤساؤها يلحون في طلبها، فلو أن أحداً قال لي قبل أن أحضر إلى غيتمو إننا نستخدم النساء لتعذيب المعتقلين جنسياً في التحقيق لنحاول قطع علاقتهم مع الله، لربما رفضت المجيء أصلا ورفضت وضع اسمي في قائمة المتطوعين حينها، كنت اشعر حينها بكراهية نفسي عندما خرجت من غرفة التحقيق تلك الليلة، شعرت كأنني فقدت شيئاً، إننا نحن الأمريكيون فقدنا شيئاً، لقد خسرنا أخلاقياتنا، لقد دفعنا مبادئنا ثمناً على أمل الحصول على بعض المعلومات، ولكن حتى ذلك الأسلوب اللعين هذا لم ينجح أيضاً. غادرت بعد انتهاء ذلك التحقيق متوجهاً إلى البوابة (بوابة مجمع الزنازين، دون أن أقول كلمة واحدة. كانت الساعة حوالي الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وعندما عدت إلى البيت، شعرت أنني أريد أن أتحدث إلى شخص ما، لكن الجميع كان نائماً، اتصلت بصديقتي، وبالطبع لم أستطع أن أقول لها شيئاً مما حدث، لكنني فقط كنت أريد الحديث مع شخص أحبه، بعد ذلك ذهبت إلى الحمام وفتحت الماء لآخذ حماماً ساخنا، كنت أشعر أن كل الماء في كوبا لن يجعلني أحس بالنظافة تلك الليلة. شعرت أن كراهيتي لذلك المكان قد تحولت إلى كرة صلبة في صدري، جلست في حوض الاستحمام وفتحت الماء ورحت أبكي، وعندما ذهبت إلى فراشي بعد ساعة لم أستطع النوم، كان العار يطرد النوم من عيني، التي سرعان ما تأتيها الكوابيس المزعجة كلما أغمضت جفنيها. الخروج من الجحيم وخلال الأسبوع التالي، طلبت من تيم أن لا يضع اسمي في أي جدول لحضور التحقيقات، كانت تلك الفترة (شهر ماي 2002) تشهد مزيدا من التوتر والقلق، خاصة بعد مجيء العديد من المعتقلين الجدد إلى غوانتانامو، لكن على الجانب الآخر، كانت هناك طائرتان عسكريتان تتحضران للذهاب إلى الولاياتالمتحدة، سيكون على متنهما بعض المحققين والمترجمين، الذين انتهت مدة تكوينهم وخدمتهم في غوانتانامو. كنت سأفعل أي شيء لأحجز لي مقعدا على إحداها، خاصة أن موعد انتهاء مهمتي (ستة شهور) لم يبق منها سوى ستة أيام فقط (كانت ستنتهي في 6 يونيو 2002)، إذن لم تبق سوى ستة أيام، لكن تخوفي من تمديدها من طرف القيادة هنا في غيتمو جعلني أشعر بأن علي فعل شيء لأحجز ذلك المقعد قبل فوات الأوان. رفضت القيادة ذهابي عبر تلك الرحلة المتوجهة إلى واشنطن، وبالتالي فشلت في حجز مقعد شاغر على إحدى الطائرتين، لكنني قلت في نفسي إنه لم يبق لدي الكثير، فلم يبق سوى ستة أيام فقط. وفي السادس من يونيو (تاريخ انتهاء مهمتي)، تلقيت أوامر بالبقاء إلى أجل غير مسمى، جن جنوني طبعاً، فاتصلت بكل شخص كنت أعتقد أن بإمكانه أن يساعدني في إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي. كتبت إلى جميع قادتي ووصفت لهم مشكلتي وكيف أن النظام في غيتمو ساهم في تحطيم الروح المعنوية عند الجميع، وكتبت إلى عضو الكونغرس في منطقتي التي أسكن فيها في بنسلفانيا وأحد أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً، لكن الذي أفادني فعلاً كان الرسالة الإلكترونية التي أرسلتها إلى الجنرال ألكساندر، الذي كان قد زار غوانتانامو في أبريل، وكان هو في أعلى هرم قيادتي، كتب إليّ خلال ساعة وقال لي إنه سوف يعمل على حل المشكلة، وبالفعل، تم إنهاء الأعمال الورقية، وشعرت وكأن عبئاً ثقيلاً انزاح عن كاهلي. عندما وصل صديقي جيف الذي جاء ليحل محلي في غوانتانامو واستلمت الرائد ريتشاردز أوراقه رسمياً، سمحت لي بحجز مقعد على طائرة يوم 20 يونيو المغادرة إلى جاكسونفيل. شرحت لجيف كيفية عمل المكتب وبدأت أحضر حقائبي استعداداً للسفر، وقبل أن أغادر ذهبت لأزور المعتقل السوري مصطفى لآخر مرة، قلت له إنني سأسافر: مصطفى، لقد تحدثنا كثيراً خلال الشهور الستة الماضية، وعرفنا الكثير عن بعضنا البعض، لدي سؤال أخير أريد أن أعرف رأيك بي. نظر إلي مصطفى مبتسماً وهو يجلس على الأرض في زنزانته في مجمع إيكو وقال: بسام، أنت لا تشبه صورة الجندي الأمريكي التي كانت في مخيلتي، أنت تؤمن بالله وتحب عائلتك، إنني أحترمك، لكنك كافر، أنت لست مسلماً في الواقع، أنت عدو الله، لو لم أكن في هذه الزنزانة لكان علي أن أقتلك. ولم أفاجأ بإجابته كثيراً، كان لديه عقل يحب التعلم، لكنه كان ملتزما بالإسلام، كان ذلك مؤشراً على التحديات الكبيرة التي تقف أمام تغيير وجهة نظر كثيرين من أمثاله الذين يكرهون أمريكا. وهذا ليس بسببهم هم، بل بسببنا نحن الأمريكيين الذين لم نترك وسيلة مذلة وحقيرة إلا واستخدمناها ضد هؤلاء المعتقلين، الذين يوجد بينهم مئات الأبرياء، الذين ليست لهم صلة لا من بعيد ولا من قريب لا بالإرهاب ولا بما وقع في الحادي عشر من سبتمبر. وأخيرا أوصلني مارك إلى العبارة في السادسة والنصف من صباح السبت، أخذت حقائبي من السيارة وتمنيت له حظاً سعيداً في محاولته هو الآخر للخروج من غوانتانامو، خرجت من معتقل الجحيم، وأنا أراقب شروق الشمس لآخر مرة وأنا أغادر غيتمو. ذلك المعتقل الذي رأيت فيه أشياء لم أرها ولن أراها البتة في أي منطقة في العالم، أشياء تدل على الاحتقار والدناءة والاستهانة بالآخر المسلم من طرف قيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي طالما نادت وتنادي باحترام حقوق الإنسان واحترام معتقداتهم وديانتهم وحريتهم الشخصية، تلك الحريات والحقوق التي تنتهكها الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه المعتقلين في معتقل غوانتانامو، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون مسالمون (بغض النظر عما اقترفوه في حق الولاياتالمتحدة والذي يجب أن يخضع كذلك للقيود والضوابط الدولية للتعامل مع أسرى الحرب طبقا لمعاهدة جنيف)، كانوا يتواجدون في أفغانستان للعلم أو للعمل أو للالتحاق العائلي بزوجاتهم الأفغانيات، أولئك المسلمون الذين عايشتهم عن قرب في القاهرة ورأيت فيهم التسامح والحب والعدل والمساواة واحترام الآخرين بناء على ميثاقهم الأساسي، وهو الإسلام والقرآن الكريم، الذي نكلنا به ومزقناه في غوانتانامو. حقائق حاولت أن أكشف عنها من خلال هذا الكتاب، الذي خرج للوجود بعد محاولات لطمسه من طرف الإدارة الأمريكية، حقائق ستكون بسيطة حقا أمام ما يجري وما زال يجري تجاه المعتقلين في السجون الأمريكية السرية والعلنية، التي كان غوانتانامو وأبو غريب أسوأها. كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في المغرب