أصبح محللو شبكة التلفاز الأمريكية «إن.بي.سي»، الذين يقتبسون من كلام مسؤولين كبار في جهاز الأمن الإسرائيلي، يعلمون بالضبط كيف ستهاجم إسرائيل إيران؛ فرئيس الأركان بني غانتس لم يُضع الفرصة حينما حضر مؤتمر هرتسليا وقال إنه «من المهم العمل وبناء قدرة عسكرية قوية صادقة جدا ومستعدة وذات خبرة، وأن نكون مستعدين لاستعمالها إذا حصلت ضرورة وعندما تحصل». وينثر وزير الدفاع إيهود باراك إشارات ويغمز حينما يتحدث عن تفجيرات غامضة في إيران. وفي مقابلة صحفية مع رونين برغمان نشرت في «نيويورك تايمز»، بسط تصوره العام الذي يُبين أن الهجوم على إيران غير ممتنع كما يبدو. ويعبر وزير الدفاع الأمريكي ليئون بانيتا عن خشيته من أن تهاجم إسرائيل إيران قبل شهر يونيو. في مؤتمر هرتسليا، الذي أصبح منبر تهديدات كبار مسؤولي جهاز الأمن الإسرائيلي، أوضح باراك أن «من يقول إن الأمر متأخر فربما يجد أنه متأخر جدا». وفي دافوس أمام زعماء العالم الحر، أوضح أنه ينبغي المسارعة إلى الهجوم لأن «الوضع مُلح لأن الإيرانيين يتحركون على عمد نحو ما نسميه منطقة حصانة لا توجد معها، في واقع الأمر، عملية جراحية تستطيع أن توقفهم». وباختصار، يبدو كل شيء مُعدا للهجوم الإسرائيلي. والنجاح مضمون في شبه يقين لأنه، كما أوضح موشيه يعلون، وزير الشؤون الاستراتيجية في المؤتمر، «كل منشأة يدافع عنها بشر يعرف البشر كيف يدخلونها. تمكن الإصابة العسكرية لكل المنشآت في إيران. وأقول هذا عن تجربتي، إذ كنت رئيس هيئة الأركان». أجل، كيف يمكن أن نجادل تجربة الوزير الذي كان رئيس هيئة الأركان. لكن في حين نُعرض لرشقة التصريحات الحماسية الصلفة التي ينثرها كبار جهاز الأمن، نشر في الصحف الأمريكية نبأ متواضع يُعلم احتمالات نجاح عملية عسكرية إسرائيلية بعلامة سؤال كبيرة. كشف مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأمريكية لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أن أكبر قنبلة يملكها الجيش الأمريكي والتي تسمى «ساحقة الملاجئ الحصينة»، لا تستطيع أن تخترق وتدمر المنشآت الذرية الإيرانية المدفونة عميقا تحت الأرض. واعترف بانيتا بأن الأمريكيين لا يملكون في الحقيقة وسائل قادرة على اختراق المنشآت كتلك التي في فوردو قرب مدينة قُم. وهنا يكمن السُم. إن بعض المنشآت في إيران، وبخاصة تلك الحاسمة من أجل استمرار العمل في الخطة الذرية، مدفونة عميقا في باطن الأرض، وتحمي بعضَها أيضا تحصيناتٌ من الإسمنت المسلح، وهو ما يجعل مهمة القضاء عليها غير ممكنة تقريبا. وقد تجاهلوا في إسرائيل، في الحقيقة، الكشف عن محدودية القنابل التي يفترض أن تدمر المنشآت الذرية الإيرانية، لكن التجاهل لن يحل المشكلة العملياتية التي تواجه المخططين للهجوم على إيران. إذا نجحت طائرات سلاح الجو في التحليق فوق الأهداف، بل إذا نجحت في إلقاء قنابل عليها بدقة كبيرة ولم يتم تدميرها، فإن هذا يضع علامة سؤال على تسويغ العملية العسكرية. إذا لم يتم تدمير تلك المواقع الحاسمة فإن البرنامج الذري الإيراني سيؤخر مدة قصيرة نسبيا فقط. ونشك في أن يكون الثمن الذي سندفعه والذي سيفصح به رد إيراني قد يُحدث حربا إقليمية، برشقات صواريخ وقذائف صاروخية من الشمال والجنوب، وبضغط دولي على إسرائيل وبأمواج إرهاب على أهداف يهودية في العالم وغير ذلك من الآثار السلبية، يُسوغ الهجوم. ينبغي أن نأمل أن يكون شخص ما في ديوان رئيس الحكومة قد صرف انتباه بنيامين نتنياهو إلى الخبر المتواضع الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».