في كل يوم تقريبا، تصل شاحنات خاصة إلى ميناء طريفة أو الجزيرة الخضراء في أقصى الجنوب الإسباني، وهناك يتم وضع بضاعة على قدر كبير من التميز.. إنها سيارات فارهة مثل قطع زمرد لم يمسسها من قبل إنس ولا جان. بعد وضعها، يتم شحن تلك البضاعة في أجنحة خاصة داخل البواخر حتى لا تختلط بالسيارات «المشمكرة»، ومن هناك تقطع مضيق جبل طارق، قبل أن تحط الرحال في ميناء طنجة، وأحيانا في ميناء الدارالبيضاء. في الموانئ المغربية، يتم إخراج هذه السيارات لتوضع فوق شاحنات خاصة، ثم تبدأ رحلة أخرى نحو مدن قريبة أو بعيدة، حيث ينتظرها أصحابها مثل عشاق متلهفين على احتضان معشوقاتهم العذراوات. في النهاية، تصل هذه السيارات إلى أصحابها بينما يقف معدل «الكيلوميتراج» فيها في علامة صفر، أي أنها عذراء تماما، عذراء بالفعل، لأن هذه السيارات لا تقبل البكارة الاصطناعية، وعشاقها يدخلون بها ويريقون «دمها» بكثير من الاستمتاع والإحساس بالقوة. أصحاب هذه السيارات هم طينة خاصة من الأغنياء. إن فحولتهم يحولونها نحو الحديد، وعندما يمتطون مركباتهم فإنهم يحسون وكأنهم رواد فضاء يسوقون صحونا فضائية قادمة من كواكب أخرى. أسعار هذه السيارات تتراوح بين 400 و500 مليون سنتيم للسيارة الواحدة، وأصحابها يطلبون شراءها مباشرة من المصنع، وفي كثير من الأحيان يتم صنعها وفق مواصفات خاصة. هناك سيارات أخرى أغلى بكثير، ويتم صنعها، من الألف إلى الياء، وفق طلبات خاصة، لذلك تصبح هذه السيارات مثل تحف فنية، ويمكن لقطعة واحدة فيها أن تساوي ثمن سيارة كاملة من هذه السيارات التي يتداولها البشر العاديون في الطرقات. في كل بلدان العالم هناك تفاوت طبقي بين الناس، وهناك أغنياء جدا وفقراء جدا، وهم يعيشون في انسجام لأن كل واحد يأخذ حقه حسب جهده وعمله وذكائه. لكن التفاوت الطبقي في المغرب ليس مسألة طبيعية لأنه ليس ناتجا عن التفاوت في الجهد والعمل والذكاء، لأن هناك أغبياء كثيرين، كثيرين جدا، تحولوا إلى أغنياء، أغنياء جدا، ليس بفضل عملهم ومجهودهم، بل فقط بفضل نفوذهم وفسادهم وعلاقاتهم و«فهلوتهم». في العالم المتقدم نفهم كيف يصبح الناس أغنياء جدا في بضعة أيام، فرجل اسمه بيل غيتس من حقه أن يكون كذلك، ومخترعو الفيسبوك أو التويتر أو غيرهما من صيحات الأنترنيت من حقهم أن يغتنوا بين عشية وضحايا، وأصحاب «الشيخ غوغل» يجب أن يفخروا بغناهم بفضل ما قدموه إلى الناس؛ والذين يعملون بجد من طلوع الشمس إلى منتصف الليل يجب أن يكونوا قدوة للآخرين إذا راكموا الثروات. وفي كثير من الأحيان، لا يتباهى هؤلاء المكافحون بسياقة السيارات الفارهة وامتلاك القصور والضيعات واحتقار الآخرين بطريقة غير مباشرة، لكن التافهين والأغبياء والجهلة والأميين الذين نراهم بيننا وهم يتبخترون بسيارات مذهلة ويتباهون بامتلاك القصور والضيعات والأراضي الشاسعة، يتصرفون وكأنهم أكثر ذكاء من بيل غيتس ومارك زوكيربيرغ ألف مرة. ما يخلق الإحباط في المجتمع ليس هو وجود أغنياء جدا مع فقراء جدا، بل هو وجود أغنياء جدا اكتسبوا ثرواتهم بوسائل النصب والاحتيال أو الاتجار في الممنوعات والمخدرات. ومع مرور الوقت، يبدأ هؤلاء في التصرف وكأنهم أعيان المجتمع والنخبة الأكثر جدية والأكثر ذكاء، وكأن الآخرين لا وجود لهم أو أنهم أغبياء وُجدوا فقط لكي يفسحوا لهم الطريق. الإحباط القاتل في المجتمعات يبدأ حين يتصرف الأغنياء وكأن الله اصطفاهم دون غيرهم لكي يكونوا أغنياء، بينما الجميع يعرف كيف حصلوا على تلك الأموال، وكيف حصلوا على الملايير من القروض المشبوهة التي لم يردوا منها فلسا واحدا، وكيف باعوا واشتروا في أملاك الدولة والشعب، وكيف نهبوا الميزانيات العمومية، وكيف تهربوا من أداء الملايير من الضرائب، وكيف أخذوا «الكوميسيونات» في الصفقات، وكيف حصلوا على المقالع وخربوا الجبال والغابات، وكيف حصلوا على أراض بالمجان وبنوا فوقها مدن البؤس وحولوا المواطنين إلى شعب دجاج. عندما تصنع طبقة الأغنياء غناها بواسطة اقتصاد الريع والامتيازات، فذلك هو البركان الذي يمكن أن ينفجر في أي وقت، حينها لا تلوموا أحدا غير أولئك الذين صنعوا ذلك البركان.