لم يعد يمر وقت طويل في مدينة طنجة دون الحديث عن جريمة قتل جديدة أو عن محاولة انتحار، ناجحة أو فاشلة، حتى صارت الدماء والجثث حديث العامّ والخاص في «عروس الشمال»، بعدما كان هذا النوع من الأخبار يعد حدثا صادما ونادر الوقوع.. تصاعد أعداد جرائم القتل في طنجة أصبح لافتا منذ أن اهتزت المدينة على وقع جريمة القتل الثلاثية الشهيرة في حي «البرانص» قبل نحو سنتين، والتي راحت ضحيتَها ثلاثُ نسوة تعرضن للذبح بطريقة بشعة على يد شاب «قريب» من الأسرة، من أجل سرقة مبلغ 20 ألف درهم وسلسلة ذهبية، قبل أن يجد نفسه خلف القضبان، ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، الذي صدر في حقه.. المال.. عصب «الموت» لم تكن جريمة «البرانص» إلا البداية الفعلية لسلسة جرائم ارتكبها منفذوها بدافع السرقة، تلتها ثانية في حي «بنكيران»، الشعبي، حيث عُثر على سيدة مسنّة قضت نحبها شنقا، قبل أن ينجلي المشهد عن جريمة قتل بدافع السرقة، «بطلها» شاب كان شقيقه يكتري غرفة في سطح منزل الضحية، تم ترحيله من أوربا بعدما قضى فيها سنوات مهاجرا سريا. أحد عشر مليون سنتيم كانت سببا للقاتل لكي ينهي حياة المرأة، ذات ال75 سنة، قضت جزءا مهمّاً منها في ديار المهجر من أجل جمع «ثروتها»، لكن المبلغ المذكور كان سببا أيضا ليقضي القاتل سنوات من حياته خلف القضبان، بعدما ألقي عليه القبض خارج مدينة طنجة. الطبيبة دليلة السرغيني اسم أصبح متداوَلا بين سكان مدينة البحرين، لأنها كانت إحدى ضحايا جرائم القتل من أجل السرقة، بعدما قام بستاني سابق للفيلا التي تقطنها بإزهاق روحها بحثا عن «غنيمته»، لكن كل ما حمله معه وهو يفر من ساحة الجريمة كان ثلاثة هواتف محمولة وحاسوبا محمولا ومبلغا ماليا لم يتجاوز 150 درهما.. كانت الضحية هذه المرة، أيضا، تعرف قاتلها، وهي التي توسطت له لكي يعمل سائقا لدى أحد أقاربها، بل إنها هي التي فتحت له الباب بنفسها، قبل أن ينقضّ عليها بطعنات قاتلة في الظهر بمجرد أن استدارت ودعته إلى الدخول.. ثم بعد شجار عنيف ومقاومة من «المغدورة»، انتهت الحكاية بجثة مربوطة بحبل ملفوف حول عنقها ومعلق في مزلاج الباب.. لم يتوقف «تحالف» السرقة والقتل عند هذا الحد في مدينة البوغاز، فقبل أسابيع قليلة، عاد محام في هيئة طنجة إلى الشقة التي يقطنها ليجد خادمته التي تركها رفقة أطفاله غارقة في دمائها، وعلى جسمها آثار نحو 20 طعنة لم تمنع القاتل من ممارسة «ساديته» عليها ونحرها من الوريد إلى الوريد!.. لم يكن قاتل الخادمة غيرَ ابن أخت المحامي، البالغ من العمر 21 سنة، وهو مدمن على المخدرات القوية، اعتاد زيارة خاله في منزله.. قدّمت له الضحية بنفسها كوبا من العصير، قبل أن يباغتها حينما توجهت للصلاة، ثم سطا على الحليّ الذهبية للضحية وعلى حاسوبين محمولين، لكنه لم يستطع الفرار بها بعيدا، إذ ألقت عليه الشرطة القبض في المحطة الطرقية، وهو يحاول أن يستقل الحافلة للسفر إلى وجهة غير معلومة. القتل لغسل «العار» من أكثر جرائم القتل التي عرفتها طنجة بشاعة جريمة قتل سيدة وطفليها من طرف أخيها، الذي أراد محو «عار» الأسرة، بعدما لم يعد يتحمل كثرة الهمز واللمز والكلام الجارح من «كل من هب ودب». أنجبت الضحية ابنيها بطريقة «غير قانونية» من رجل عاشت معه لسنوات طويلة دون عقد زواج، وبعدما طفح الكيل بأخيها، قرر، ذات صباح، أن يحمل ساطورا ويتجه إلى منزل أخته ليضع حدا لحياتها وطفليها بضربات قوية، فصلت رأس أحدهما عن جسده.. كان «ثمن» الشرف عند القاتل إنهاء حياة أخته عند سن الرابعة والعشرين و«إعدام» طفليها في عمر السنتين لأكبرهما والسبعة أشهر لأصغرهما.. فيما انتهت حياته عمليا عند سن السابعة والعشرين، ليدخل سجنا لا يبدو أنه سيغادره أبدا!.. وفي نفس اليوم الذي كان هذا الجاني ينفّذ جريمته من أجل «غسل العار»، كان مراهق في ال16 من عمره «يغسل عاره»، هو الآخر، بطريقته، بعدما أقدم على إعدام مغتصبه الأربعيني بواسطة منشار كهربائي. كان الجاني يشتغل عند القتيل في ورشته وسبق له أن تعرَّضَ مرات متكررة للاستغلال الجنسي، قبل أن يقرر وضع حد لمأساته ويستغل نوم مغتصبه ليفصل رأسه عن جسده بواسطة منشار كهربائي!.. البراءة بين يدي «الوحش».. كانت جريمة قتل طفلة في الثالثة من عمرها وتقطيعها من قِبَل شخص مختل عقليا أكثر الفظائع التي اهتزت لهولها مدينة طنجة في الآونة الأخيرة وأحدثت صدمة عارمة، خاصة في حي «بنديبان»، حيث كان يعيش القاتل وضحيته البريئة. اختطف القاتل، الذي قضى جزءا من حياته في إسبانيا قبل أن يُرحَّل إلى المغرب، الطفلة أميمة حين كانت تلعب في الحي، واقتادها إلى غرفته، حيث أجهز عليها وقام بتقطيع أطرافها، وحين باغتته الشرطة، وجدت قطع اللحم موضوعة داخل «طنجرة»، وهو يستعد لإيقاد النار لها من أجل طهيها!.. أثار «مشهد» القاتل، الذي يعاني من اضطرابات نفسية، والطفلة البريئة غضب الطنجيين وذعرهم في الوقت ذاته، فبراءة أطفالهم لم تعد في مأمن من «وحوش» بشرية طليقة يمكن أن تفتك بهم في أي لحظة.. «البارصا» حتى.. القتل!.. قديما، قيل إن «من العشق ما قتل»، وهو المثل الذي ينطبق حرْفيا على واقعة شهدتها مدينة طنجة قبل أسابيع قليلة، عندما دفع عشق فريق «برشلونة»، الإسباني، شابا إلى قتل آخرَ في إحدى مقاهي المدينة. وقعت «القصة» بالضبط عندما سجل فريق «إسبانيول» هدف التعادل في مرمى غريمه «البارصا» في آخر أنفاس المباراة، التي جمعتهما في إطار مسابقة «الليغا» الإسبانية يوم الأحد، 8 يناير الماضي.. بعد تسجيل هدف التعادل، علّق نادل المقهى بطريقة «استفزت» مشجع الفريق الكاطالوني، ذا الخامسة والعشرين عاما، فما كان منه إلا أن استل خنجره وطعن النادل في بطنه، طعنة قاتلة.. جريمة أخرى جاءت في ظروف خاصة، حيث إن الشاب محمد، التائب من أعمال «البلطجة» والسرقة تحت تهديد السلاح، لم يكن يعلم أن حياته ستنتهي بمجرد أن يحاول «تنظيفها» من رواسب ماضي التمرد والعصيان ويسعى إلى الصلح مع شريكه السابق، بعد خلاف بينهما. توجَّهَ القتيل، الذي توضأ وصلى وطلب من والدته الدعاء له بالهداية والصفح عما ما بدر منه في الماضي، إلى قاتله طلبا للصلح، وكان برفقته شخص ثالث شارك في استدراجه وقدم السكين التي نفذ بها القاتل فعلته. طعنة في أعلى الفخذ الأيسر للضحية، بلغت شريانا حيويا، تركته ينزف الكثير من الدماء وظل يترنح، وهو يحاول الوصول إلى منزل أسرته، راسما مسارا من برك الدم التي خلّفتْها خطواته، قبل أن يسقط مغمى عليه ويقضي نحبه، من شدة النزيف.
إبراهيم حمداوي: لو عصرنا بعض الجرائد لسال الدم منها، من كثرة صور القتلى تتشابك الكثير من العوامل في ارتفاع معدلات الجرائم في طنجة، ترتبط بما هو نفسي واجتماعي وبتغيرات بنية المجتمع الطنجي في السنوات الأخيرة، وهو ما جعل الإقدام على الأفعال الإجرامية أكثر «بساطة» بالنسبة إلى مقترفيها. ويربط الدكتور إبراهيم حمداوي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عبد المالك السعدي، ارتفاع معدلات الجريمة في السنوات والأخيرة بالنمو الديموغرافي والاقتصادي الذي شهدته مدينة طنجة، والذي أدى إلى تغيرات في البنية الاجتماعية، أدّت إلى «خلخلة» التوازن الذي كانت تعرفه المدينة وأصبحت العلاقات الاجتماعية أقل عاطفية وتراجع ما يسميه علماء الاجتماع «الضبط الاجتماعي غير الرسمي»، وبالتالي تزايد السلوك الانحرافي والإجرامي في المجتمع. وأضاف حمداوي أن «ما تشهده مدينة طنجة حاليا من جرائم هو نتيجة لانهيار الوسائل التقليدية للضبط الاجتماعي، فضلا على تزايد حركية السكان وطغيان قيّم الفردية والتركيز على الماديات والتنافس في هذا المجال. فسكان المدن، لاسيما الكبيرة منها، يُقيّمون بعضهم بناء على هذه المعايير، وهذا التركيز على الأموال والممتلكات يؤدي بالبعض إلى سلوك طرق غير شرعية، من بينها القتل بدافع السرقة أو بدافع الحسد. واعتبر الباحث، المهتم بقضايا الجريمة والانحراف، أن وسائل الإعلام تلعب دورا مُهمّاً في ارتفاع معدلات جرائم القتل في مدينة طنجة، ف»جرائد الأرصفة» لا تخلو، في أي يوم، من أخبار حول الجرائم، يتم تقديمها واستعراضها بطريقة فجّة دون تحليل عميق، من أجل الوقاية والحيلولة دون مرور المتلقي إلى السلوك الانحرافي. واستطرد حمداوي قائلا: «لو بلّلنا بعض الجرائد وعصرناها لسال الدم منها، من كثرة تناولها أخبار الجرائم ومن كثرة صور القتلى والدماء فيها!».. وبخصوص دَور الأسرة، أبرز المتحدث ذاته أن الأخيرة «تخلّت عن أدوارها في الحفاظ على الثقافة الاجتماعية وتحيينها بما يخدم السلوك السليم في المستقبل، كما أن المدرسة فشلت، هي الأخرى، في المساهمة في التربية والتنشئة الاجتماعية، وهو ما أدى إلى تشظّي المجتمع». واستغرب الباحث، في الوقت نفسه، الطريقة التي «تُسوَّق» بها المؤسسات السجنية في وسائل الإعلام، عبر «إظهار سجناء يتمتعون بمميزات كثيرة، من تعليم وتكوين مهني وزيارة بعض الفنانين والشخصيات الاعتبارية في المجتمع، وهي أمور قد لا تتوفر للفرد خارج السجن، كما أن حصول السجين على التغذية والرعاية المجانية داخل السجن يدفع البعض إلى تفضيل «الإقامة» داخله، فيعود لارتكاب جرائم في كل مرة». وليست الجرائم ضد الغير وحدها التي تزايدت في طنجة في الآونة الأخيرة، فمحاولات الانتحار، الناجحة والفاشلة، تزايدت بدورها، وهو ما يعتبره حمداوي «رد فعل تجاه الإحباط وعدم تحقق الأهداف الفردية أو الأسرية، إلى جانب تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة، إضافة إلى العوامل النفسية والعقلية التي تعطي المشاكلَ حجما أكبر من حجمها الطبيعي وتدفع صاحبها إلى التفكير في وضع حد لحياته». ودعا حمداوي إلى إعمال الشفافية في تناول المشاكل الاجتماعية وإحلال العدالة داخل المجتمع من أجل الحد من انتشار الجريمة. كما طالب بإعادة النظر في المؤسسات العقابية وبالاهتمام بالمواطن على كل المستويات، المادية والنفسية، وبإعادة الاعتبار إلى مؤسسات المجتمع والدولة، بما فيها المدرسة والإعلام، وإعطاء عناية خاصة لمشاكل الشباب وإعمال تنمية حقيقية تنطلق من الإنسان وتعود إليه. طنجة -عبد الصمد الصالح