عندما كتبت بالأمس حول بعض الأخبار والحوادث التي لا يمكن أن تجدها سوى في المغرب، مثل نزول أثمان المواد الأولية للزيت والبترول في الأسواق العالمية وبقاء أثمانها مرتفعة في المغرب، وبكاء الحكومة على ارتفاع أسعار برميل النفط الذي تستورده وسكوتها عن ارتفاع أثمان الفوسفاط ثلاث مرات في السوق العالمية، والذي يعتبر المغرب المصدر الأول له عالميا، فاتني أن أحدثكم عن أشياء أخرى كثيرة تحدث حصريا في المغرب. فالمغرب مثلا هو البلد الوحيد الذي عندما تهطل فيه الأمطار تنقطع مياه الشرب في الصنابير. ولو عاد الماريشال ليوطي إلى الحياة ورأى كيف تدفع الأمطار بوكالة الماء الصالح للشرب إلى قطع الماء في مراكشوفاس في بيوت المواطنين لأيام، لأعاد النظر في مقولته الشهيرة التي يقول فيها «Au Maroc, gouverner, c’est pleuvoir»، أي أن ممارسة الحكم في المغرب مرتبطة بالمطر. لأن المطر بعد خمسين عاما من الاستقلال أصبح مرادفا للعطش في بعض المدن، فيما أصبح في مناطق أخرى مرادفا للسيبة وغياب الدولة. ومن يرى كيف جرفت السيول والفيضانات قرى بكاملها في الراشيدية والناضور والعرائش وإمينتانوت وفاس ومكناس والفنيدق وأزيلال وفجيج وبوعرفة وبقية المناطق المنكوبة، فمات من مات وفقد من فقد، ويرى برودة الأعصاب الغريبة التي أبانت عنها السلطات، يفهم أن مقولة الماريشال ليوطي انعكست وأصبح المطر مرادفا لانفلات زمام الأمور من المسؤولين، بعد أن كان المطر أداة للحكم. والمغرب هو البلد الوحيد في العالم الذي لديه مدينة كفاس مشهورة بعيونها ومياهها المعدنية، وجد سكان أربعة من أكبر أحيائها أنفسهم محرومين طيلة نهاية الأسبوع الماضي من مياه الشرب بسبب الأمطار التي أغرقت أحياء المدينة العتيقة. والكارثة أن عمدة المدينة خصص غلافا ماليا قدره 150 مليون سنتيم من أموال دافعي الضرائب لإنجاز دراسة حول مشروع البحر الاصطناعي المعدني الذي يود إدخاله إلى فاس بكلفة تتجاوز مليار سنتيم. ويبدو أن شباط «فايل» على أهل فاس بالبحر في الأيام الأخيرة، ولذلك اجتاحت مياه الأمطار طريق فاس وتاونات، وحولتها إلى بحر حقيقي لا تنقصه سوى أن يحمل إليه أنس الصفريوي ابن المنطقة وأغنى رجل في المغرب، يخته الفاخر لكي يمخر به عباب بحر مولاي يعقوب. والمغرب هو البلد الوحيد الذي يخصص فيه عمدة فاس مليارين لاقتناء كاميرات لمراقبة المجرمين وضبطهم في الشوارع. وكأن العمدة شباط يجهل أن أسماء وأوصاف المجرمين في فاس، كما في سائر المدن المغربية التي يستفحل فيها الإجرام، معروفة لدى كل مخافر الأمن. فما ينقص ليس هو تصوير المجرمين وجرائمهم، وإنما العدة والعتاد البوليسي لاقتحام الأحياء التي يتحصن داخلها المجرمون والقتلة، واعتقالهم لتقديمهم إلى العدالة. أي ببساطة شديدة تحريك البحث في «عرام» الشكايات التي يسجلها المواطنون كل دقيقة في فاس كما في غيرها من المدن. وهذه العملية لا تحتاج إلى كاميرات ولا مسجلات ولا هم يحزنون، بل فقط إلى رغبة حقيقية في تطبيق القانون. ولو وظف مجلس المدينة في فاس ملياري سنتيم الذي يستعد لصرفها في «صفقة» الكاميرات، على مقرات الأمن و«عتادها» الالكتروني، واشترى بها دراجات نارية وسيارات إضافية لرجال الأمن، لكان ذلك أحسن. وإذا وجد شباط ومجلسه أن صرف ملياري سنتيم لمساعدة الأمن وتحسين وسائل عمله مسألة غير مجدية، فعلى الأقل عليه أن يفكر في صرف هذا المبلغ في إنشاء نوادي لتعليم فنون الحرب تكون مفتوحة مجانا أمام الفاسيين والفاسيات. فقد أثبتت تلك السائحة الصينية التي اعترض سبيلها الأسبوع الماضي أحد المجرمين الملقب ب«الجن» وحاول سرقتها، فردخته مع الأرض وأعطته سلخة وسلمته للشرطة، أن فنون الحرب يمكن أن تنفع صاحبها في أوقات الشدة، أكثر من فنون الطبخ التي يستعد مجلس مدينة فاس لتمويل مهرجان حول «شهيواته». وهكذا فالجن الفاسي لم يضع في حسبانه أن تخرج له في آخر مشواره الإجرامي جنية شينوية محزمة ب«سمطة حكلة» في «الكونغ فو»، لتذيقه «خيزو ماحلاه». وأمام منظمة مهرجان «فنون الطبخ» فرصة ذهبية لإدراج طبق «خيزو ماحلاه» هذا ضمن وصفاتها الفاسية لمهرجان طبخها لهذه السنة. فالسياح الأجانب ستعجبهم بلا شك الوصفة. على الأقل سيعرفون كيف يتصرفون إذا خرج لهم جن آخر من أحد أزقة فاس العتيقة شاهرا سكين مطبخه في وجوههم. إن أول ما يجب أن يعرفه شباط والمدير العام للأمن الوطني ووزير الداخلية هو أن الحل الأمثل للقضاء على التسيب والانفلات الأمني الذي تعيشه الكثير من مدن المغرب اليوم، ليس هو تثبيت الكاميرات في زوايا الشوارع والساحات لتصوير عمليات السطو والضرب والجرح. بل الحل هو إعادة النظر في وضعية السجون، وطريقة تطبيق مسألة العفو الملكي، ووضع خطة مستعجلة لتجهيز مقرات الأمن بوسائل الاتصال والعمل الحديثة. وقبل هذا كله، يجب التفكير في الوضعية الاجتماعية للعنصر البشري الذي سيقوم بكل هذه المسؤوليات. فلا يعقل أن نفكر في إصلاح الفرع بينما الجذر ينخره السوس. لأن ذلك سيكون من باب «المزوق من برا». يجب أن نعترف اليوم أن سجون المملكة تحولت إلى معاهد لتخريج المجرمين. فداخل أسوارها يمكن للسجين الهاوي أن يجد المخدرات والخمور وسائر الموبقات، وعندما يخرج من السجن يتخرج بدبلوم عالي في الإجرام. والدليل على ذلك أن الطبيب الذي قتله أحد المجرمين في الدارالبيضاء خلال رمضان الماضي أمام الملأ بعد أن قاومه، لم يكن سوى صاحب سوابق غادر السجن بليلة واحدة. وعندما يقترف سجين سابق تم تمتيعه بالعفو جريمة أخرى مباشرة بعد إطلاق سراحه، فالذي يجب أن يحاسب في الواقع هو من وضع اسم هذا السجين ضمن قائمة السجناء الذين سيستفيدون من العفو. ففلسفة العفو تقتضي أن يستفيد منه السجناء ذوى السلوك المثالي، أو الذين يعانون من أمراض مزمنة وتبين أنهم لم يعودوا يشكلون أي خطر على المجتمع. أما أن يتم تمتيع المجرمين العنيفين واللصوص الخطرين وقطاع الطرق بالعفو الملكي، فهذا فيه تعريض لحياة المواطنين للخطر، وفيه أيضا إهانة للملك. والذين «يحنشون» هذه اللوائح يجب أن يحاسبوا على ذلك. وبالمقابل يجب على القضاء أن يكون متشددا في إصدار العقوبات ضد المتورطين في جرائم السرقة والنشل بالقوة وتحت التهديد بالسلاح، حتى يكونوا عبرة لغيرهم. لأن ما يشجع هؤلاء اللصوص على المزيد من الجرائم هو تساهل الأحكام القضائية معهم، ووجود إمكانية لاستفادتهم من العفو. أمثال هؤلاء السفاحين الذين يرهبون عباد الله بسيوفهم يجب أن يظلوا في السجن حتى يتعلموا كيف يعيشون بين بني البشر بدون حاجة إلى سيوف وخناجر. أما القرار الحكومي الذي يجب أن يتم اتخاذه بسرعة وبدون تردد اليوم فهو القضاء على سلالة كلاب البيتبول من أصلها، مع الاحتفاظ بعينات من السلالة الكلبية الخطيرة في حديقة الحيوان. فيبدو أن قرار وزير الداخلية بمنع تربية هذه الكلاب المتوحشة بقي حبرا على ورق، والدليل على ذلك أن هذه السلالة الكلبية تباع وتشترى في الأسواق، وأصبحت تستعمل من طرف اللصوص وقطاع الطرق كأدوات للسرقة وتهديد المواطنين بأنيابها القاتلة. حماية لأمن وأرواح المواطنين يجب القضاء نهائيا على سلالة البيتبول في المغرب. «واللي توحش الكلاب يمشي يشوفهم فالحديقة». وكفى الله المغاربة شر البيتبول.