- كيف تنظرين إلى مسألة إقصاء المرأة من مراكز القيادة في المغرب؟ قبل الحديث النظري، أحدثك، أولا، عن الراهن في الممارسة السياسية المغربية، والراهن يتمثل في تكوين حكومة من أربعة أحزاب تُضمِّن كلها مسألة احترام حقوق المرأة في برامجها السياسية وفي خطاباتها وتعمل على استقطاب نساء تشيد لهن أحلاما عن الحق والعدل والإنصاف وتؤسس منظمات نسائية، تقدم لها وعودا وتعقد لها آمالا وقصورا والتزامات. عند كل امتحان، تفتضح الطبيعة الانتهازية للطبقة السياسية المغربية. هل أعمم أم أستثني؟ عموما، ليس في الأمر جديد، لأن كل المكتسبات التي حققتها المرأة نتجت عن ضغوط ونضالات وتعبئة واستنفار.. المهم أن البنيات السياسية لم تبادر إلى منح النساء المناضلات في صفوفها حقوقهن الطبيعية المُكتسَبة وفرصهن الضائعة أو المنهوبة. أكثر من ذلك، تعرفون جميعا، ويعرف المواطن المغربي البسيط، أن نضالات النساء عندما تبلغ مداها وتؤذن بتحقق الهدف منها ومنح الحق للمرأة، فإن البنيات السياسية تترجم ذلك في شخص القريبات والمصالح الشخصية والحواريين.. وتحصره في هذه الدائرة، حيث تُخرِج «كائنات» مجهولة من جرابها، كما يفعل الحاوي بالأفاعي إلى درجة أن الحقل السياسي تحول إلى مناخ ملوَّث بلعاب الأفاعي والثعابين، إذ لا يختلف الأمر في شيء بالنسبة إلى المناضلين الذكور، الذين تنتهك حرماتهم وحقوقهم ويُستبدَلون وفق نفس الشروط. هناك أزمة مصداقية مجسدة في الحقل السياسي المغربي. لقد تحول المسؤول السياسي إلى «محتال» يتلاعب بالمواطنين وبالمناضلين، على حد سواء. ويعاني الحقل السياسي من أمراض تساهم القوانين، كل مرة، في تعميقها. اعذروني، فأنا أتكلم بشكل عام عن ظاهرة، وبالطبع أستثني النزهاء، وهم معروفون. أما بالنسبة إلى مسألة تحجيم التمثيلية النسائية في الحكومة الحالية، فإن رئيس الحكومة يتحمل، طبعا، مسؤولية عدم اشتراط تمثيلية النساء. لكن كل الأحزاب المشاركة في الحكومة تتحمل مسؤوليتها، كل على مستواها. من المفروض أن تخصص من 12 حقيبة لحزب العدالة والتنمية أربعة، على الأقل، للنساء، وكان يجب أن تخصص من 6 حقائب لحزب الاستقلال اثنتان للنساء، ومن 4 حقائب لحزبي الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية كان يجب أن يخصص كل منهما حقيبة واحدة للنساء، ما كان سيعطينا 7 نساء على أقل تقدير في هذه الحكومة.. أما حقيبة واحدة فكان أَولى بالأخت بسيمة الحقاوي أن ترفضها وتمتنع عن التوزير في حكومة من 31 وزيرا وامرأة واحدة، حتى لا تحيل على «مجموعة علي بابا». ولتسمح لي الأخت بسيمة الحقاوي أن أعتبرها «متورطة» في هذه المسألة، إذا ما كيّفناها على أنها «جريمة».. أما تورط الأحزاب المشاركة في الحكومة في هذا الأمر فبديهي واضح لا مجال لتبريره. وأقترح على الهيئة التي تنظم «محكمة» النساء أن تحاكم جميع المتورطين في ما يمكن تسميته «جريمة المرحلة». وسأكتفي بحصر «المحاكمة» في هذا المستوى الرمزي، حتى لا أقع في المستحيل أو المحظور. - هل الأمر مرتبط بعقلية ذكورية وبمرجعية؟ في ما يخص إقصاء المرأة من مراكز القرار في المغرب وما إذا كانت المسألة مرتبطة بالعقلية الذكورية، فقد قمتُ بتشريح لهذه المسألة في محاضرة ألقيتها سنة 1984 وأصدرتها في كتاب بعنوان «المرأة وإشكالية الديمقراطية.. قراءة في الواقع والخطاب». منذ حقبة الثمانينيات وما قبلها، لم يتغير شيء، رغم أن 60 امرأة في البرلمان ما كانت لتتحقق لا هي ولا 30 قبلها، لولا تدخل الدولة ومحفزاتها، ولولا تدخل جلالة الملك شخصيا. أنتم، كصحافيين، تتابعون الخطاب السياسي والحزبي وخطابات النخب والفاعلين السياسيين، إنهم لا يفوتون مناسبة يحتاجون فيها إلى الفعالية النسائية ليتزلفوا إلى النساء ويدغدغوا طموحاتهن ومشاعرهن، وعندما يجِدّ الجِد، يتحول الصراع ذكوريا بين الديّكة وتُصفَّى النساء تلقائيا، ليصير للواقع تجسيدا آخر لا علاقة ولا تجاوب له مع الخطابات القبْلية.. لقد حوّل الخطاب السياسي المرأة إلى خطاب استهلاكي تعبوي انتهازي تغريري، ويمكن أن تتأكد من ذلك بجميع وسائل الاستدلال الرياضية. أتدارك القول إن المسألة لا تتعلق بالكفاءات والأحقيات، لأن مستوى كثير من المنتصبين للمهام الأساسية المختلفة من الذكور يبعدون كثيرا، أحيانا، عن مستوى النساء المرشحات لنفس المنصب وأحقيتهن، ومع ذلك، يظلون أوفرَ حظا وأرسخ موقعا، بل ربما لا يكون هناك حتى مكان لاسم المرأة في الأذهان كمرشحة. مؤكد القول إن العقلية الذكورية ما تزال مهيمنة في المغرب، رغم الخطابات التي تتحدث عن خلاف ذلك. وباستثناء حالات خاصة، فإنه عندما تصل امرأة ما إلى موقع من هذا النوع، يكون السؤال مشروعا حول ما يمكن أن يكون كامنا وراء تنصيبها، أو يتعين التساؤل عما يمكن أن يكون كامنا وراء هذا التعيين. - وماذا تقترحين، إذن، في ظل هذا الوضع؟ أرى أنه ما يزال أمامنا الكثير لتصحيح أوضاع المغرب ولتصحيح أزمة الديمقراطية، التي رغم كل ما يقال عنها فهي ما تزال مأزومة عالميا وليس مغربيا فقط.. ولكنني، مع كل ذلك، أؤكد، وبكامل المسؤولية والثقة، مساندتي لهذه الحكومة، لأن فيها أشخاصا نزهاء جادّين، نراهن على ما سيقدمونه للمغرب من إنجازات، ونراهن على نضالهم لتقويم تشوهات الجسم المغربي وغسل ما تراكَم على جسده من أوساخ وتعفنات. مالكة العاصمي - شاعرة وبرلمانية سابقة