في 16 أكتوبر تجدد ذكرى رحيل أحد مثقفي السينما المغربية الكبار الذين أفنوا عمرهم في خدمة الوطن بكل صدق من الموقع الثقافي السينمائي. إنها ذكرى محمد الركاب الذي ربط حياته وممارسته الثقافية والفنية بحلم وحيد هو تأسيس مشروع السينما الوطنية وتأصيله، وسيكون من الإنصاف استحضار إسهامه في ذكرى موته، من خلال استحضار حلمه الجميل، هذا الذي انشغلت به إلى جانبه أسماء قليلة انسحبت إلى النسيان أو الموت في الغالب، وتكابر مجموعة منها من أجل استمرار الحلم وغرسه في أعماق بعض الصادقين من القادمين الجدد إلى الحقل. محمد الركاب تجربة خاصة في السينما المغربية، عبر من خلال إسهامه الثقافي والفني عن هوية الموقع الذي يريد أن يخدمه، وهو الموقع النقيض للسائد ثقافيا واجتماعيا وحتى سياسيا، والذي عد نتاجا لتوجه الرفض الذي تبلور بين الستينيات وبداية الثمانينيات، لهذا شكل صوتا مقلقا في مجاله، وجعل من النضال السينمائي والثقافي مدخلا لخدمة المشروع المجتمعي البديل. طيلة حياته فهم الممارسة الإبداعية والفنية كشيء غير معزول عن باقي الممارسات الاجتماعية الأخرى، وفكر في الارتباط بالعمل في السينما من داخل تصور إبداعي وفكري فاعل يهمه أن يتكرس حلم السينما الوطنية كمشروع حقيقي على أرض الواقع، وأن يرتبط بمشروع الثقافة الوطنية الفاعلة بدلالاتها الإيجابية، التي منها الانفتاح على الثقافات الوطنية لكل الشعوب، والمساهمة في خدمة القيم الجميلة والساحرة المفترضة للقارة الإنسانية، بما في ذلك العدل والديمقراطية والمساواة والحقوق جميعها، بما في ذلك الحق في الإبداع المختلف والجيد والإيجابي. ما ميز الركاب في حياته هو ديناميته، وفاعلية إسهامه بالسجال والإبداع والتطوع الدائم لخدمة الثقافة البديلة، وما ميزه أكثر هو وضوح مواقفه ورؤاه وحدة انتقاداته لكل سلبيات الواقع الثقافي والسينمائي. لم تشغله الخسارات التي يمكن أن يراكمها لتموقعه ضد التيار، كما لم ينشغل بمجاملة أي جهة، وذلك لأنه آمن بأن ما يجب أن يميز الإنسان عامة والفنان بشكل خاص هو الصدق والمسؤولية، ولهذا بالضبط عاش الركاب صادقا ومتحملا لمسؤوليته كفاعل ثقافي كبير لا ينتشي إلا بتكريس المعاني الإيجابية للانتماء والوطنية في السينما والثقافة وفي كل حقول المجتمع. انتقد محمد الركاب بكل الصرامة كل الجهات التي تكرس الخلل كمرتكز في الحقل السينمائي، وهكذا انتقد واقع الإبداع والإنتاج والتوزيع والمؤسسة الرسمية، واعتبر أن معضلة السينما المغربية تتجلى في كونها لا ترتكز على بنية تأسيسية سميكة ومتماسكة، محكمة قواعدها، وواضحة عناصرها وتجلياتها وخصوصياتها، وهو ما يصدق على هذه السينما إلى حدود الآن، وذلك ما يقرأ كحركية بارزة في الوقت الحالي في ما يخص الإنتاج والإبداعية، يغطي على انتكاس جوهري من ملامحه البارزة وجود منتج وحيد ومركزي في المجال هو المركز السينمائي المغربي وأموال الدعم واستثمار أموال هائلة لإنتاج أعمال توجه إلى المهرجانات أساسا، ولا يلاقيها جمهورها الأصلي بسبب وضع القاعات، مما يعني أن مشروع السينما الوطنية مازال حلما نستحضره في ذكرى الركاب ويهم تحيينه من طرف كل الصادقين.