أراضي الإصلاح الزراعي: إن الامتداد العفوي للمدن أدى إلى إحداث تنازع ما بين تشريعين على طرفي نقيض من الأهداف والمرامي، التشريع المتعلق بالتعمير والتشريع المتعلق بالمحافظة على الأراضي الزراعية. وهكذا نجد أنفسنا أمام أراض تختلف جهتان إداريتان حول استعمالها، كلٌّ لأهدافها المختلفة. كما أصبح جزء كبير منها ملكا لأصحابها بعد أن تم تفويتها إليهم بموجب عقود بيع مقيدة بالدفاتر العقارية وفقا لبنود القانون المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 1.72.177 المؤرخ في 29 دجنبر 1972. ولذا، فإنه في حالة ما إذا كانت الضرورة تقتضي إقامة مشاريع ذات منفعة عامة فوق هذه الأراضي، فإنه يتعين على السلطة الحكومية المسؤولة عن إنجاز المشروع بعد إعلانها عن هذه المنفعة، اقتناء الأراضي اللازمة لذلك حسب المساطر القانونية الجاري بها العمل أو اللجوء، عند الاقتضاء، إلى تطبيق مسطرة نزع الملكية مع تعويض الأشخاص المعنيين وفق ما هو منصوص عليه في القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، وهذا ما أكد عليه منشور الوزير الأول عدد 34/97 الصادر في 24 نونبر 1997. وهكذا، فإنه ما عدا الاقتناء الذي يتم في إطار الإعلان عن المنفعة العامة التي من شأنها أن تزيل عن هذه الأراضي الالتزامات والتحملات والموانع الخاصة بها، ليست هناك في الوقت الراهن أية مسطرة قانونية أخرى تسمح بتحريرها من هذه الارتفاقات وتيسر تداولها في السوق العقارية. ووعيا من المشرع المغربي بهذا الإشكال، طرح تعديل الظهير الشريف 1.72.177 الصادر في 1972.12.29 ويرمي إلى رفع كل الالتزامات والشروط والموانع على الأراضي الفلاحية، وذلك بمجرد الإعلان عن إدماجها في المدارات الحضرية أو في مناطق مفتوحة للتعمير. أراضي الأحباس: تخضع هذه الأملاك لمقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.84.150 الصادر بتاريخ 2 أكتوبر 1984 كما وقع تعديله وتتميمه. وهي تحت وصاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ممثلة في ناظرها على صعيد كل إقليم. تعمل هذه الوزارة وفق استراتيجية تهدف إلى النهوض بالدور التنموي للوقف من خلال بذل المجهود للمحافظة على هذا الإرث الإسلامي، وجعله يقوم بالدور الأساسي الذي ابتغاه له المحبسون، سواء في الجانب الديني أو الثقافي أو في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. غير أن هذه الإجراءات لم تمنع بعض المؤسسات والأفراد من الترامي عليها والعمل على إقامة بعض المشاريع فوقها، وهذا ما جعل الوزير الأول يصدر منشورا تحت عدد 621 بتاريخ 14 يناير 1985 إلى جميع الوزراء يحثهم فيه على إخبار وزارة الأوقاف، بواسطة نظارها، بنوعية المشروع المزمع إنجازه في القطعة الأرضية المحبسة المراد نزع ملكيتها حتى تتمكن هذه الوزارة من صيانة حقوقها في ما يخص التعويض عن نقل الملكية. بيد أن هذا لا يمنع من التنبيه إلى أن ثمة حالات معينة من الأحباس زاغت عن الدور النبيل الذي أحدثت من أجله، وأمست، علاوة على أنها لا تستجيب لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تحكم مؤسسة الوقف، تحول دون تنمية بعض المدن تنمية منسجمة وسليمة، وتشكل بذلك بؤرا لأحياء عشوائية وأنسجة غير صحية ما فتئت الدولة والجماعات المحلية تحاربها. غير أن وزارة الأوقاف متمسكة بأن تطويع الوقف واستعماله في غير الأغراض المحبسة من أجله سيؤدي إلى استنزاف الرصيد العقاري الحبسي بالمدارات الحضرية وإلى إضعاف نظام الوقف برمته، خصوصا وأن للوقف وظائف أخرى، دينية واجتماعية، حبست من أجلها، الأمر الذي يحتم على الوزارة المحافظة عليه واستثماره للرفع من مداخيله وصرفه على الوجه المحبس عليها، وهذا ما يؤدي إلى خلل في تصاميم التهيئة وتجميد العقار الحبسي في المدار الحضري، ولهذا ومن أجل رفع هذا الإشكال لا بد من إشراك وزارة الأوقاف في إنجاز تصاميم التهيئة للمدن. وعلى الوزارة تسهيل مسطرة اقتناء هذه العقارات أو العمل على الاستثمار فيها حسب ما تقتضيه كل مصلحة إقليمية. الآفاق المستقبلية لعناصر الإصلاح العقاري بعدما بينا حدة المشاكل التي يطرحها تعدد وتعقد الأنظمة العقارية مع الطلب الملحاح حول العقار، تتحتم علينا المطالبة بالإصلاح العقاري مع مراعاة ما يلي: 1 - العمل على تفعيل القوانين الموجودة، وبشكل أخص القانون 90.25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات؛ 2 - عند وضع أسس للإصلاح العقاري يجب أن نستحضر أن السلطة العمومية رغم أهمية دورها ليست سوى أحد المتدخلين بين مجموعة من الفرقاء، وأن المجال الحضري ليس إلا جانبا من جوانب التنوع الإداري المغربي؛ 3 - لا بد لهذا الإصلاح أن يتوجه نحو التطور أكثر من الاتجاه نحو التغيير الجذري، وذلك لصعوبة تغيير بعض الأوضاع دفعة واحدة (كالوضعية القانونية لأراضي الكيش، مثلا...)؛ 4 - العمل على تحديد جميع الأنواع العقارية، مع الكشف عن مساحتها ومحتواها، إذ إن بعض الإدارات لا تعلم بالتحديد كم تملك من أراض وأين توجد؛ 5 - ربط العمليات العقارية التي تقوم بها الوزارات المختلفة (الإسكان، الأوقاف، التعليم،...) بنشاط المؤسسات الجهوية والمحلية؛ 6 - تكوين احتياطي عقاري لفائدة السلطة العامة؛ 7 - مقاومة المضاربات العقارية، وذلك عن طريق مراقبة العمليات العقارية وأثمنة الأراضي، وتفعيل حق الشفعة لصالح الدولة؛ 8 - التنصيص على إمكانية تفويت أراضي الجموع والأحباس من أجل إقامة المشاريع التنموية، سواء منها الصناعية أو الفلاحية أو الخدماتية؛ 9 - إيجاد مخطط التهيئة العقارية، وذلك على مراحل تراعي خصوصية كل مدينة وقرية على حدة؛ 10 - إعطاء المصالح البلدية والجماعية مسؤوليات محددة وواضحة في إطار لامركزية متجددة وفعالة، وذلك لأجل تنمية اقتصادية واجتماعية يكون الإنسان هو المستفيد الأول والأخير منها. أستاذ باحث في جامعة محمد الأول بوجدة