محمد أحداد أثارت الخرجة الإعلامية الأخيرة لجماعة العدل والإحسان الكثير من علامات الاستفهام على اعتبار أن الجماعة التي كانت قد أعلنت انسحابها في وقت سابق من حركة 20 فبراير، لم تنتظر طويلا لتدبج رسالة تحمل في طياتها رسائل عديدة موجهة إلى كل من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بشكل خاص وإلى النظام المغربي على نحو عام. الرسالة التي وصفت من لدن المتتبعين بالنارية والمليئة بالإشارات السلبية تجاه حكومة عبد الإله بنكيران، لم تتوان عن مهاجمة حزب العدالة والتنمية وجناحها الدعوي حركة التوحيد والإصلاح، معتبرة، في أقوى فقراتها، أن الحكومة الحالية لا تعدو «كونها هامشا على متن الاستبداد». وحتى إن بدت الرسالة ناعمة في شكلها، لكنها كانت قوية في مضمونها، سيما أن الكثير من السياسيين اعتبروا الانسحاب المفاجئ ل«مريدي عبد السلام ياسين» من حركة 20 فبراير إشارة إيجابية لتمهيد الطريق أمام «الحكومة الملتحية» لإنجاح المسار الحكومي، وتعززت مثل هذه التحليلات بالصمت الذي التزمته جماعة العدل والإحسان طيلة الفترة المصاحبة لمشاورات تشكيل الأغلبية الحكومية، الشيء الذي فهم من لدن البعض أن الأمر يتعلق «بهدنة» مع حكومة الإسلاميين التي يتزعمها عبد الإله بنكيران. لكن الرسالة الأخيرة لحكماء مجلس الإرشاد أثبتت، بشكل لا يدع مجالا للشك، أن صمت «العدل والإحسان» لم يكن، حسب بعض المتتبعين، سوى «خلوة تدبر» لتصبح، بذلك، الهدنة المشار إليها آنفا مفخخة، وستجر على إخوان بنكيران الكثير من المتاعب. الظاهر أن الرسالة الأخيرة لجماعة والعدل الإحسان لبست ثوب النصح، بيد أن الجماعة سعت من وراء ذلك إلى تبديد الغموض الذي ظل يسود العلاقة بين مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب، وكأن «العدل والإحسان» تريد أن تبعث برسالة واضحة المعالم إلى قياديي «العدالة والتنمية» مفادها أن الجماعة لن تقبل خطابات الاستقواء، وليست مستعدة، بأي حال من الأحوال، أن تتلقى الدروس من أي جهة كانت، وقد كان لافتا خلال الأيام الأولى، التي تلت تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، دعوة الأخير وقياديين من حزبه للعدل والإحسان للانخراط في العمل السياسي «والمساهمة في الإصلاح من داخل المؤسسات». وبمنأى عن الرسائل القوية الموجهة إلى أول حكومة إسلامية في تاريخ المغرب المعاصر، يشير العديد من المحللين السياسيين إلى أن الجماعة تبتغي من هذه الرسالة القوية قطع الطريق أمام كل التخمينات التي كانت تلمح إلى وجود مفاوضات سرية بين الجماعة والدولة لإنهاء «سوء الفهم الكبير» بينها، الذي عمر طويلا، كما أرادت أن تؤكد للرأي العام أن الجماعة اتخذت قرارها الأخير بخصوص الانسحاب من حركة 20 فبراير بكل استقلالية وبإنصات تام إلى قواعدها، ثم إن جماعة العدل والإحسان أكدت عبر خرجتها الأخيرة على استمرارها في الهجوم على النظام، ولم تتغير مواقفها قيد أنملة عما كانت عليه في السابق، ولا أدل على ذلك أنها ما تزال تتمسك بموقفها حيال وجود مركب كبير يسبح في بحر من الاستبداد وعلى «متنه» حكومة بنكيران تراوغ في الهامش. هكذا، يمكن أن نفهم أن الرسالة الأخيرة للعدل والإحسان أعادت خلط الأوراق، وصعبت مهمة بنكيران، الذي من المنتظر أن تواجه حكومته صعوبات جمة يقودها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وغريمه السياسي حزب الأصالة والمعاصرة داخل أروقة البرلمان، وتحركها حركة 20 فبراير في الشارع وتدعمها الجماعة ذات النفوذ الجماهيري الكبير. وعلى هذا الأساس، يطرح السؤال حول السبل التي ستنتهجها الحكومة الحالية للتعامل مع هذا المعطى الجديد. يرى الأستاذ محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن «الرسالة الأخيرة لجماعة والعدل والإحسان، بقدر ما حاولت تبديد الغموض الذي يلف علاقتها بحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بقدر ما أضافت غموضا جديدا يتمثل بالأساس في العلاقة التي يمكن أن تقوم بين المكونين من أطياف الحركة الإسلامية». في المنحى ذاته، يؤكد محمد الغالي أن الشيء الوحيد الذي من الممكن أن يجمع ال«بيجيدي «و«العدل والإحسان» هو وجود حركة دعوية لدى حزب العدالة والتنمية تتجلى في حركة التوحيد والإصلاح، التي تقوم على الجانب الدعوي، بمعنى آخر، يمكن أن تنشأ علاقة دعوية بعيدا عن الخط السياسي بين الحزب المتزعم للأغلبية الحكومية وجماعة العدل والإحسان. ويعود الأستاذ محمد الغالي للتأكيد على أن العدل والإحسان أكدت أن خطابها ما يزال يتسم بالوضوح والصراحة ويقوم على «منهج النبوة، وما لم تتغير ممارسات سلوكات الدولة، فإنها لن تتراجع عن خطها السياسي الذي رسمته لنفسها منذ البداية، عكس حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يؤمن بالعمل من داخل المؤسسات السياسية». ويؤكد الأستاذ الغالي على أن «جماعة العدل والإحسان لم تلجأ يوما إلى مبدإ التوفيق كما تبناه حزب العدالة والتنمية، وهذا الأمر هو الذي ظل منذ سنوات الخلاف الجوهري بينهما، ف«البيجدي» يشبه في فلسفته السياسية حزب النهضة التونسي، فهو لا يعادي الدولة، لكنه مستعد لانتقادها، في حين أن طرح «العدل والإحسان» يصطبغ بنوع من العنف في التعاطي مع الدولة والنظام مع الاعتماد على ما يسمى في أدبياتها بالقومة». وإذا كان البعض يعتبر أن الموقف الذي عبرت عنه الجماعة في رسالتها الأخيرة يحمل في ثناياه عنصر المفاجأة بعد فك الارتباط بحركة 20 فبراير في بيانها الشهير و«الملغوم»، فإن محمد براو، الخبير السياسي، يشير في تصريح ل«المساء» أن الرسالة الأخيرة خلت من المفاجأة، بل تناغمت مع مواقفها وانسجمت مع طروحاتها الجذرية، «والأدلة على هذا القرار الاستراتيجي الذي أعتبره منطقيا كثيرة، في مقدمتها أن عقيدة العدل والإحسان ترتكز على انتقاد النظام ومن يسنده، وفي هذه الحالة تعتبر الحكومة الحالية في نظر الجماعة داعما لشرعية النظام». «لا أعتقد أن الرسالة كانت موجهة بالأساس إلى حزب العدالة والتنمية، بل كانت موجهة إلى الدولة وأجهزتها، وفحوى هذه الرسالة أن العدل والإحسان لن تتردد في انتقاد النظام والدولة، وقد انتهجت الجماعة في تدبيج هذه الرسالة سياسة يصطلح عليها في السلوك السياسي المقارن بسياسة قطف الثمار، إذ تعمد إلى التأني في اتخاذ قراراتها وتنتظر العاصفة لجني ثمار هذه السياسة الاستراتجية»، هكذا يفكك الأستاذ محمد الغالي مضامين الرسالة الأخيرة للعدل والإحسان ،بل يعتبر أن «الرسالة تنبئ أن العدل والإحسان لن تسير مهما حصل في خط العدالة والتنمية». وكيفما كانت التحليلات، فإن الثابت أن موقف العدل والإحسان الأخير يعبر في جوهره عن أن إخوان عبد السلام ياسين ما يزالون يشكلون رقما صعبا في المعادلة السياسية المغربية، لا يمكن تجاوزه بسهولة كما ظن البعض عشية انسحاب الجماعة من حركة 20 من فبراير، ومن الواضح أن الرسالة الأخيرة ستربك حسابات عبد الإله بنكيران، الذي اعتقد، ربما أنه تخلص ولو لبرهة من شوكة العدل والإحسان، بل ستدفع الدولة، كما يذهب إلى ذلك بعض المحللين السياسيين، إلى إعادة ترتيب أوراقها فيما يرتبط بالتعامل مع الجماعة «القوية»، فلا أحد يتكهن بما سيحدث في القريب العاجل مع تسارع وتيرة المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، فهل ستنجح الدولة في «احتواء» جماعة استعصت على صناع السياسة الداخلية داخل أجهزة الدولة، أم أن الجماعة، التي كثيرا ما وصفت سياستها بالغموض، ستضطر إلى توجيه رسالة أخرى «لمن يهمهم الأمر» بطريقة أخرى.