قبل التوجه إلى إثيوبيا لخوض ثاني نهائيات إفريقية في تاريخ الكرة المغربية، دخل لاعبو المنتخب المغربي في تجمع إعدادي طويل دام شهرين، خصصه المدرب الروماني ماردارسيكو لانتقاء أفضل العناصر من بين عشرات اللاعبين الذين وضعهم الناخب الوطني الكولونيل بلمجدوب رهن إشارته، في معسكر هو الأطول من نوعه، إذ كان اللاعبون يخضعون من الإثنين إلى الجمعة لتداريب مكثفة في ملعب البشير مع الإقامة بأحد فنادق المحمدية، على أن يتم تسريحهم بعد زوال الجمعة للالتحاق بأنديتهم، في زمن لم يكن فيه ذكر للاعبين المحترفين. قبل أسبوعين من موعد نهائيات كأس إفريقيا، سافرت بعثة الفريق الوطني إلى مصر، التي قضى فيها الوفد المغربي ثلاثة أيام من التحضير الجاد، انتقل بعدها إلى السعودية حيث خاضت العناصر الوطنية مباراة ودية هي الأخيرة في مسلسل التحضيرات، وكانت أمام السعودية وانتهت بفوز المغاربة بهدفين مقابل واحد، قبل الإقلاع صوب إثيوبيا ومنها جوا إلى ديرداوا. من الطرائف التي ارتبطت بهذه الرحلة أن اللاعب حسن امشراط الملقب بعسيلة، رافق المنتخب وساقه ملفوفة في الجبيرة، حيث أنه مباشرة بعد إزالتها تحول إلى لاعب أساسي، دون الحاجة إلى فترة ترويض أو متابعة طبية. قضى الوفد المغربي أسبوعين في الأراضي الإثيوبية، أسبوع في مدينة ديرداوا التي لا تستحق لقب مدينة، لأنها أشبه بمدشر فيه ملعب للكرة، وفندق بني حديثا يتكون من أربعة طوابق كل طابق يأوي منتخبا من المنتخبات الأربعة التي تشكل المجموعة الثانية، وهي الزايير ونيجيريا والسودان ثم المغرب، وللتأقلم مع الجو الحار لهذه المدينة ارتأى المدرب الروماني بتنسيق مع الكولونيل بلمجدوب برمجة الحصص التدريبية في منتصف النهار، كي لا يشعر اللاعبون بقساوة الجو في أوقات المباريات التي تدور في ما بعد الظهيرة. لكن الحدث الأبرز خلال مقام منتخبنا في ديرداوا، هو الحريق الذي شب في الطائرة التي كانت تقله من هذه «المدينة» إلى العاصمة أديس أبابا، حيث اشتعلت النيران في أحد محركاتها، وساد الطائرة جو من الهلع والفزع. يروي أحمد أبو علي أحد نجوم المنتخب في تلك الحقبة ما حصل بعد أقل من ربع ساعة من الإقلاع من ساحة تسمى تجاوزا مطار ديرداوا: «تأهلنا إلى الدور الثاني بعد أن انتصرنا على نيجيريا والزايير وتعادلنا مع السودان، وكان علينا أن نقلع صوب العاصمة أديس أبابا، في طائرة صغيرة، للأمانة فالوفد النيجيري كان هو الذي سيسافر في الرحلة الأولى على أن نركب طائرة أخرى في أعقابه، لكننا سارعنا إلى ركوب طائرة النيجيريين، وما أن أقلعت وبدأ المضيفون يضعون أمامنا أطباق وجبة الغذاء، حتى سارعوا إلى جمع الأطباق وتبين لنا من النافذة أن النيران تشتعل في محرك الطائرة، حينها ساد صخب رهيب وبدأ اللاعبون وأفراد الطاقم التقني والطبي والإعلامي يقرأون القرآن، ومنهم من يبكي بعد أن تبين أن الطائرة مهددة بالتحطم فوق جبال مقفرة، لكن قائد الطائرة الذي له تجربة أكثر من 20 سنة في الطيران تمكن من العودة إلى المطار وتأمين هبوط بلا أضرار، بينما كانت سيارات الإسعاف وإطفاء الحرائق تنتظرنا في المدرج». نزلت الطائرة، لكن اللاعبين رفضوا العودة على نفس الناقلة بعد إصلاح محركها، وبعد طول مفاوضات ركبوا مجددا طائرة الرعب، لاسيما وأن ركوب الحافلة يكلف الفريق الوطني خسارة باعتذار لطول المسافة الرابطة بين ديرداوا وأديس ابابا. ابتلع اللاعبون حالة الخوف التي انتابتهم، وتمكنوا من الظفر باللقب القاري، بعد تعادل في المباراة النهائية بهدف لمثله سجله بابا، الذي قضى فترة طويلة في تعقب وعود تحسين الوضعية الأشبه بخيط دخان، بينما نال المتوجون باللقب منحة تقدر بمليون سنتيم لكل لاعب تسلموها في حفل بالمحمدية، مع وعد بالتشغيل لازال إلى الآن موقوف التنفيذ.