ليس كل يوم يشق فيه زعيم دولة جديدة تماما طريق رحلته الأولى خارج بلاده إلى القدس بالذات. ولكن هذا ما فعله رئيس جنوب السودان، سلفا كير مارديت، وهو يرافقه وزير دفاعه. رئيس الدولة شمعون بيرس وصف زيارته بأنها «لحظة مؤثرة وتاريخية». سودان اليوم تصمم في القرن التاسع عشر عندما سيطرت الإمبراطورية العثمانية في مناطقه الشمالية وحاولت احتلال الجنوب. وأقام البريطانيون الخطوط الهيكلية للدولة في 1898، وعلى مدى الخمسين سنة التالية، سيطروا على نحو منفصل على الشمال الإسلامي والجنوب المسيحي. ولكن في 1948، وخضوعا للضغط من جانب الشمال، دمج البريطانيون الحكمين تحت سيطرة الشمال، ما جعل المسلمين في السودان القوة السائدة واللغة العربية اللغة الرسمية في الدولة. منذ 1956، اندلعت هناك حرب أهلية، حين قاتلت قرى الجنوب كي تصد الهيمنة الإسلامية. على خلفية استراتيجية التحالف المحيطي لدافيد بن غوريون، أيدت إسرائيل جنوب السودان ومنحت الجنوبيين، حتى 1972، دعما معنويا، دبلوماسيا وعسكريا. وهذا ما قصده رئيس جنوب السودان حين قال بأنه «بدون إسرائيل ما كنا لننجح في الصراع من أجل الاستقلال». الحرب الأهلية في السودان استمرت على نحو متقطع من 1956 حتى 2005. على مدى الزمن، أصبح المسلمون من الشمال أكثر فأكثر وحشية لدرجة أعمال قتل شعب وفرض العبودية. وبالنظر إلى المآسي العديدة التي شهدتها إفريقيا، فإن الغرب لم يجتهد للمساعدة في منع المذبحة بحق السودانيين الجنوبيين. في النصف الثاني من التسعينيات، بدأت منظمات مسيحية تعمل على مكافحة العبودية المفروضة على السودانيين الجنوبيين. ولهذا الغرض نشأ تحالف مميز بين اليمين واليسار الأمريكي، إذ لا يوجد أمريكي نزيه غير مستعد لمكافحة العبودية. بالمقابل، فإن لويس فرحان انكشف عندما حاول إنكار وجود العبودية في السودان. الجهود ضد العبودية بلغت ذروتها في 2005، حين عملت إدارة جورج بوش على إحلال اتفاق سلام يمنح الجنوب فرصة للتصويت من أجل الاستقلال. في كانون الثاني 2011 (يناير)، صوت 98 في المائة من الجنوبيين إلى جانب الانسحاب من السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء جمهورية جنوب السودان بعد ستة أشهر من ذلك الحدث، الذي وصفه بيرس بأنه «حجر طريق في تاريخ الشرق الأوسط». ويتبين الآن بأن استثمار دولة إسرائيل في السودانيين الجنوبيين كان مجديا على المدى البعيد. ينخرط جنوب السودان في الاستراتيجية المحيطية المتجددة، التي تشمل قبرص، الأكراد، البربر، وربما، ذات يوم، إيران ما بعد الإسلامية. جنوب السودان يعرض قدرة وصول إلى المقدرات الطبيعية (النفط أساسا) ولديه وزن في المفاوضات بالنسبة لمياه النيل حيال مصر. فضلا عن ذلك، فإن الجمهورية الجديدة تشكل نموذجا يبعث على الإلهام لمقاومة السكان غير المسلمين للإمبريالية الإسلامية. لدى جنوب السودان، لا يزال طريق طويل نحو تثبيت الدولة. زعامته ملتزمة بعدم استغلال مقدرات الدولة الجديدة دون كابح للجماح وإقامة أساسات لدولة ناجحة. إسرائيل والغرب ملتزمان بمنح المساعدة في مجالات الزراعة، الصحة، التعليم والدفاع. جنوب السودان يمكن أن يصبح قوة عظمى إقليمية وحليفا مخلصا ليس فقط لإسرائيل بل وللغرب. عن «إسرائيل اليوم»