وأنا أتأمل في الصورة الجماعية التي أخذها وزراء الحكومة الجديدة مع الملك، وجدتني أردد مع نفسي أنها المرة الأولى ربما التي يكون فيها «التعيين» الحكومي في المغرب اسما على مسمى، ليس لأن الحقائب كانت على المقاس أو لأن بنكيران استطاع أن يشكل «فريق الأحلام» الذي سيحل مشاكل البلاد، بل لأن البعض «عينوا» الحكومة قبل الملك، يعني بالعربية الفصحى «قوسو عليها» و«تقويسة خايبة»... منذ اختيار بنكيران لرئاسة الحكومة، ظلت «الأعين» تراقب، بكثير من التفاؤل، ما سيسفر عنه «الربيع العربي» في نسخته المغربية، ومنذ أن أدى القسم في ميدلت، لم يتوقف الرجل عن الضحك وتوزيع الوعود، وإطلاق النكت وإبداء حسن النية، لذلك بالضبط شعر الكثيرون بخيبة الأمل وهم يرون كيف «تمخض الجبل وولد فأرا». بخلاف من سبقوه، كان عبد الإله بنكيران يتحدث كثيرا إلى الصحافة خلال المشاورات، وهي نقطة تحسب لصالحه، مما جعل المغاربة يصدقون أن الحكومة ستكون مختلفة هذه المرة، ولأن انتظاراتهم كبرت، انتهوا بأن شعروا بالصدمة وهو يرون وجوها ملوا من مشاهدتها تمسك مجددا بالحقائب، بعضها فرضته الأحزاب التي تحالف معها بنكيران، وآخرون فرضهم القصر. بعد التشويق الطويل والحكومات التي كانت تنصب كل يوم على أعمدة الجرائد والمواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك، كان مشهد بسيمة الحقاوي وسط الرجال مثيرا للشفقة. امرأة وسط قبيلة من الرجال. رغم المدونة والمناصفة واللائحة الوطنية، انتهينا بوزيرة واحدة عام 2012 ! لا شك أن الحقاوي كانت تشعر بالغبن يوم «التعيين»، خصوصا أنها لم تجد «جنتلمانا» واحدا يترك لها المكان كي تظهر في الصورة الجماعية، بل خبؤوها وراءهم كأن «المرأة عورة». حكومة «بوركابي» لا تعكس المكانة التي أصبحت تتمتع بها المرأة في المجتمع، ولا تفي بالوعود التي لوح بها بنكيران في بداية التكليف. صحيح أن اللوم الأكبر يقع على عاتق حلفاء الحزب الإسلامي، مادام «العدالة والتنمية» قدم امرأة ضمن تشكيلته، لكنها امرأة بين اثني عشر رجلا، ألا يوجد في الحزب غير «بوكتاف»؟ أما خيبة الأمل الأخرى فتمثلها هذه الوجوه التي مل المغاربة من كثرة مشاهدتها في موقع المسؤولية، كأنهم سجلوا الوزارات بأسمائهم في المحافظة العقارية. لا يوجد أي فرق بينهم وبين أولئك الأشخاص المزعجين، الذين تصادفهم في محطة «الكيران»، ويريدون أن يحملوا لك الحقيبة رغما عنك، كي تدفع لهم في النهاية، مجرد وجودهم في المحطة يجعلك تكره اليوم الذي قررت فيه السفر... الشعور إياه ينتابك وأنت تشاهد العنصر وبنعبد الله وأوزين والمعزوز والتوفيق وغيرهم ممن حولوا الحكومة إلى «قامرة»، ويصرون على حمل «الحقائب»، رغم الإزعاج الذي يتسببون فيه للمغاربة، إلى درجة تجعلهم يكفرون بالسياسة والتغيير ويقطعون الرجاء في أي حكومة. ثم ما معنى أن يخرج عزيز أخنوش في آخر لحظة من «الأحرار» كي ينجو بحقيبته الوزارية؟ إنه العبث ذاته، الذي جعل فؤاد عالي الهمة يشكل حزبا سياسيا في خمسة أيام، ويحصد به المشهد السياسي في خمسة أشهر، وعندما خرج الشارع يطالب برأسه، اختبأ في القصر. إنها البداية، ونريد أن نظل متفائلين، رغم أن التشكيلة النهائية لحكومة بنكيران تدل أن الجوهر لم يتغير، وأن دوخة العشرين من فبراير التي أصابت المخزن في مستهل التظاهرات، تبددت نهائيا، و«عادت حليمة إلى عادتها القديمة».