في الحصيلة التي عرضتها منظمة «مراسلون بلا حدود» لحرية الصحافة في العالم لعام 2011، نلمس فداحة الثمن الذي أداه الصحافيون من أجل نقل وتمرير الخبر. هكذا وجد الصحافيون أنفسهم أمام المعادلة المأزقية التالية: إما الموت و إما السجن. وإلى اليوم، جاءت الحصيلة ثقيلة، حيث سجلت المنظمة مقتل 66 صحافيا، حبس 171 وسجن 129 مواطنا إلكترونيا. في المغرب، وعلى الرغم من حراك 20 فبراير، بتداعياته المستدامة في المشهد، عرف البلد وضعا استثنائيا، بحيث لم يقتل أي صحافي. لكن تميز وضع حرية الإعلام بعدة تجاوزات كان أهمها الاعتقال التعسفي لرشيد نيني. سعت السلطات من وراء هذا الحبس اللاقانوني إلى رسم خطوط حمراء للصحافة المستقلة، وذلك بدفعها إلى ممارسة الرقابة الذاتية وعدم النبش في الفساد ورموزه. أولئك الذين حاكوا حبس رشيد نيني بأسلاك فولاذية، سعوا إلى ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: كسر قلمه الجسور، قطع حبل الصلة بينه وبين الشارع الذي طالب بإسقاط رموز الفساد، الذين استهدفهم قلمه، وفي الأخير النيل من المشروع الإعلامي الذي ينشطه. وهو داخل الزنزانة، أمكن للفئران الخروج مجددا إلى السطح. لكن المغرب لم يخرج مرفوع الرأس في تقييم وتقارير المنظمات العالمية المدافعة عن حرية الرأي والتعبير، مثل «مراسلون بلا حدود»، «هيومن رايتس ووتش» أو «لا-ف-دي» البلجيكية إلخ...، لا تزال هذه المنظمات تتابع عن كثب حلقات الملف الكافكاوي لرشيد. في تقريرها المؤرخ ب6 ديسمبر، أشارت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أن عقوبة حبس الصحافي الشهير تتعارض مع احترام حقوق الإنسان، التي يضمنها مبدئيا الدستور الجديد. وطالبت المنظمة السلطات المغربية بالإفراج عن نيني، في خضم ثورات الربيع العربي، التي غيرت موازين القوى في أكثر من بلد عربي، وفي غمرة الحراك الاجتماعي والسياسي، الذي لا يزال المغرب مسرحا له، كان رشيد نيني سيكون، بقلمه، أحد الفاعلين الإعلاميين الحاسمين في إنارة الرأي العام المغربي. لكن أعداء الظل ارتأوا تغييب شهادته وإخماد صوته، تبعا لقاعدة العقاب القروسطي: «العصا لمن يعصا». في عتمة السجن، وفي غياب الورقة والقلم والصورة، لربما قلب رشيد في ذهنه العديد من الحكم الشعبية التي تلخص بروح متقشفة وضعه التراجيكوميدي. كانت أعمدة «شوف تشوف» مرصعة بهذا الحكم الساخر، التي لها فضيلة تخليق حياة الأفراد والمجتمع، على اعتبار أنه في المجتمعات الديمقراطية لا ينحصر دور الإعلامي في الإخبار والتعليق على الأخبار، بل يتعداه إلى فضح الفساد، الرشوة، الخروقات والتجاوزات. بالنظر إلى الولادة القيصرية للحكومة الجديدة، من الواضح أن ملف رشيد نيني لن يحسم فيه بالسرعة المتوخاة والمتوقعة. حتى في حالة تعيين مصطفى الرميد، أحد محاميي رشيد، وزيرا للعدل. ف«مسامر المايدة»، التي تعارض الإفراج عنه، منثورة ومبثوثة في أكثر من مكان، وبمعارضتها لإطلاق سراحه، قد تسعى إلى إظهار أن رئيس الحكومة «ما فيدوش» وأن كلمتها مسموعة أكثر لدى الملك. بن كيران على علم بهذه الحقيقة، الشيء الذي جعله يتريث ويؤجل طرق الموضوع وهو أمام الملك. فمنذ تعيينه، سيبقى خائضا في الصعود إلى «للا شافية»، متيمنا ببركة والدته «للا مفتاحة»!. لكن وضعه أصبح أشبه بوضع سيزيف: يحلم بدفع الصخرة إلى القمة، لكن هذه الأخيرة لا تلبث أن تتدحرج إلى الأسفل. غير أنه بدأ في استيعاب أدبيات السياسة الواقعية réal politique، والتي تقوم في هذه الحالة على مبدأ: «لا تسرع يا أخي إننا في انتظارك بقفازات من حديد!». إلى غاية كتابة هذه السطور، مر على الاعتقال التعسفي لرشيد نيني 248 يوما. إن أفرج عنه قبل انتهاء المدة القانونية لحبسه، سيربح بنكيران ومعه المغرب الشيء الكثير على مستوى سمعته بالداخل والخارج، وإن بقي في السجن، ستخسر الحكومة الجديدة رهان حريات الرأي والتعبير، ليتأكد معها أن «مسامر المايدة» لا تزال واقفة بالمرصاد.