بالقرب من القصر، الذي تقيم فيه كارلا بروني، زوجة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، شبت النار في جسد رجل وزوجته، ورضيعهما الذي لا يتجاوز عمره سنة و8 أشهر، صباح أول أمس السبت، عندما حضر قائد منطقة «الفخارة»، الموجودة بالقرب من سوق الخميس بمراكش، لمنعه من القيام ببعض الأشغال ببيته الذي لا تتجاوز مساحته 16 مترا، ولا يتوفر على سقف يحميه وأسرته من الأمطار والبرد القارس، حسب ما عاينته «المساء». فقد أصيب عبد السلام طاطا، الذي يبلغ من العمر 35 سنة بحروق بليغة، مثله مثل رضيعه يونس، في حين أصيبت زوجته فاطمة أيت ابراهيم، البالغة من العمر 27 سنة، بجروح طفيفة في اليد والوجه، نقلوا على إثرها إلى مستعجلات مستشفى ابن طفيل (سيفيل) على وجه السرعة لتلقي الإسعافات الأولية، قبل أن يتم إدخالهم إلى قسم الإنعاش نظرا إلى خطورة الحروق التي أصيبوا بها، خصوصا الرضيع الذي غطت النيران جسده النحيف بالكامل. وأوضح أحد شهود العيان أنه صباح أول أمس السبت كان عمال البناء منهمكين في الأشغال داخل «البراكة» الصغيرة، وبينما كانت «فاطمة» زوجة «عبد السلام» تُعدّ الفطور لعمال البناء، حضر قائد منطقة «الفخارة» التابعة لمقاطعة النخيل، التي ترأسها ميلودة حازب، البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، والغضب يتملكه، خصوصا وأنها المرة الثالثة التي يقوم فيها «عبد السلام»، بالأشغال، بعد عمليتي هدم نفذها أعوان السلطة في حق «عشه الزوجي». وقف القائد أمام مدخل «العش» طالبا من «أبو يونس» هدم ما بناه في مساحة لا تتجاوز المتر. هذا الأمر اعتبره «عبد السلام» نوعا من «الحُكرة»، خصوصا أن باقي سكان المنطقة شيدوا منازلهم المكونة من طابقين، إضافة إلى الجزء السفلي دون ترخيص، وبعلم السلطات والمنتخبين الجماعيين ورجال السلطة المحلية، إضافة إلى أنه «قام بالواجب مع أحد ممثلي السلطة»، يقول أحد الجيران نقلا عن الضحية «عبد السلام»، المعروف ب«السعيد»، لكن هذا الكلام لم يُثن القائد عن قراره، آمرا «عبد السلام» بهدم ما بناه، فما كان من الأخير إلا أن أخذ قنينة من سائل «دُوليُو»، كانت داخل «براكته» وصبها على جسده بالكامل. وفي غمرة «غليان الدم»، توجه الضحية بالقرب من قنينة الغاز (البوطا) التي كانت مُشغلّة لإعداد الفطور للعمال «دون أن يكون له قصد في إضرام النار في جسده»، يقول عامل البناء الذي كان يعمل داخل منزل «عبد السلام»، لتندلع النيران في جسد رب الأسرة الفقيرة. الرضيع وسط النيران غمرت النيران جسد «عبد السلام» بالكامل، وأضحى يصارع اللهيب، الذي تطاير صوب قطعة القماش التي يرقد عليها «يونس» ليصير الرضيع قطعة لحم صغيرة «تشوى» وسط النار، مما دفع الأم إلى أن تبادر إلى سحب فلذة كبدها من وسط لهيب النيران، لتصاب بحروق طفيفة في يديها وجبينها. خرج «عبد السلام»، الذي يعمل موزعا للخبز، وهو يصارع النيران، في مشهد شبهه العديد ممن حضروا الواقعة بحادثة التونسي «البوعزيزي»، ليتوجه صوب «سقاية» الماء مسرعا، فما كان من بعض شباب الحي إلا أن هرعوا صوب الضحيتين «عبد السلام» و«يونس» ووضعوا فوقهما أقمشة مبللة بالماء من أجل إطفاء النيران التي اندلعت في جسديهما. وبحسب معلومات غير مؤكدة فإن قائد المنطقة طالته بعض شرارات النيران، جعلته ينتقل للعلاج. شاهد عيان، وأحد الذين قاموا بإنقاذ الرضيع «يونس» رسم مشهدا مؤثرا للوضع الذي كان عليه الطفل الذي لم يتجاوز عمره 18 شهرا، يحكي المصدر ذاته أنه عندما دخل المنزل الصغير، ووجد النيران قد شبت في جسد الرضيع، لم يسمع لابن السنة و8 أشهر أي بكاء أو صوت. وأوضح الشاهد أنه قام بنزع ملابس الطفل من على جسده، لكن هذه العملية لم تكن بالسهلة، إذ بمجرد ما كان يسحب أجزاء من ملابس الرضيع إلا وكانت قطع اللحم تتساقط مصحوبة بسائل ينبعث من تحت جلد الرضيع، «مما جعل العملية لا تطاق»، يقول المتحدث نفسه. كلام غير ذي جدوى بعد حوالي ربع ساعة حضرت سيارة الإسعاف إلى حي «الفخارة» من أجل نقل الضحايا، لكن السكان رفضوا السماح لرجال الوقاية المدنية بنقل المصابين إلى مستشفى ابن طفيل إلى حين حضور رجال الصحافة والإعلام، وهو ما جعل عملية إنقاذ الضحايا تتأخر. وقد نظم بعض السكان بعد نقل المصابين إلى المستشفى مسيرة على الأقدام صوب مستشفى ابن طفيل، جعلت المصالح الأمنية تحشد قواتها صوب المنطقة الحساسة، هناك وقف العشرات من السكان ينددون بتصرفات القائد والشيخ والمقدم، ويشتكون من الظلم الذي يتعرضون له من قبل السلطات. إذا اعتبروا أن اللقاءات والوعود التي قدمها كل من والي جهة مراكش تانسيفت الحوز محمد امهيدية، وقائد منطقة الفخار، كانت عبارة عن «تمويهات واستغفال لنا»، مشيرين إلى أنهم عقدوا لقاءات بحضور والي الجهة، هذا الأخير الذي أكد لهم أن منازلهم المشيدة بطابقين غير قانونية، وأن الأمر يتطلب هدمها مقابل تعويضهم عن الأضرار التي لحقتهم، وهو ما اعتبروه «كلاما غير ذي جدوى». كما أوضح السكان ل «المساء» أنهم نظموا مسيرة صوب قصر الأميرة، عندما أبلغهم «شيخ» المنطقة أن السلطات قررت هدم منازلهم، وهو ما دفع قائد المنطقة إلى تأكيد أن السلطات لن «تتجرأ» على هدم ما بنوه بعرق جبينهم. مكتب القائد يطل على البناء العشوائي والغريب، حسب ما عاينته «المساء»، هو أن النافذة الموجودة بمكتب القائد، تطل على عدد من المنازل التي شرع أصحابها في بناء طابقين منذ شهور لكنه لم «يجرؤ» على منع أصحاب هذه المنازل، مما يورط السلطات المحلية في تنامي البناء العشوائي. هذا، وقد تشكل حي «الفخارة» نتيجة منطق «السيبة» وسياسة «عين ميكة»، التي أطلقها المسؤولون عن قطاع التعمير، خلال المجلس الجماعي السابق، وجاء المنتخبون بالمجلس الحالي، بتواطؤ مع السلطات لإتمام هذه «البدعة»، ليجعلوا البناء العشوائي ينتشر في هذه المنطقة الفقيرة. بعد هذا الحادث، الذي حضره البرلماني أحمد المتصدق، عن حزب العدالة والتنمية، والبرلمانية ميلودة حازب، رئيسة مقاطعة النخيل، من المفروض أن يفتح تحقيق دقيق، حول الجهات التي لها يد فيما آل إليه الوضع بمنطقة «الفخارة» وغيرها من القنابل الموقوتة، والتي لم يكن «عبد السلام» وزوجته ورضيعه سوى ورقة التوت التي تخفي عورة الفساد، والبناء العشوائي، اللذين تلطخت بهما يد بعض المسؤولين، الذين لا شك ستسمع أخبار عنهم خلال الأيام القليلة المقبلة.