ستكون أمام الحكومة المقبلة التي يقودها العدالة والتنمية مهمة شاقة، تتمثل في جانب منها في القضاء على دور الصفيح التي تغص بها ضواحي المدن الكبرى بعد أن استغلت لسنوات طويلة من طرف أباطرة الانتخابات كخزانات انتخابية من أجل ضمان مقعد مريح داخل البرلمان. سكان تلك الكاريانات انتظروا طويلا مسكنا يمكنهم من العيش الكريم وفق معايير إنسانية وينقذهم من حالة البؤس التي يرزحون تحتها داخل براريك ساخنة صيفا وباردة شتاء، لكن انتظاراتهم غالبا ما كانت تبوء بالفشل لأن الوعود سرعان ما تتبخر وتستمر معاناتهم. في كثير من الأحيان تلجأ السلطة إلى خرق أبسط حقوق الإنسان تحت مبرر الحفاظ على المصلحة العامة، وهو ما يحدث اليوم لبعض سكان كاريان ابن مسيك الذين لم ينتقلوا إلى مساكن جديدة في إطار برنامج مكافحة السكن غير اللائق بفعل الصعوبات التي تعرفها ملفاتهم، هذا الوضع جعل السلطة المحلية التابعة لعمالة ابن مسيك تمتنع عن منح بعض سكان الكاريان الشهادات الإدارية اللازمة، سواء لتجديد البطاقة الوطنية أو جواز السفر أو الشهادات الإدارية الخاصة بإبرام عقد الزواج، الذي قننت وزارة العدل بشكل مدقق الوثائق اللازمة لإبرامه ووضعت شهادة العزوبة كوثيقة أساسية، كما تجاهد وزارة العدل في محاربة زواج الفاتحة وتشجع المغاربة الذين تزوجوا بهذه الطريقة على توثيق عقود زواجهم، غير أنها تصطدم بقرارات مضادة من وزارة الداخلية تشجع على هذا النوع من الزواج.
زواج فاتحة قسري كانت الساعة تشير إلى حوالي الرابعة من مساء يوم خريفي بارد حين التقت «المساء» بعض سكان كاريان ابن مسيك، منازل صغيرة لا تتجاوز مساحة بعضها عشرين مترا مربعا تقبع وسط ركام من مخلفات مواد البناء الناتجة عن عمليات هدم «براريك» سكان انتقلوا إلى العيش في شقق في إطار برنامج محاربة السكن غير اللائق. العائلات المتبقية بالكاريان، التي كبر أبناؤها وبلغوا سن الزواج كثير منهم يضطرون إلى الزواج بالفاتحة وهو ما يفرض عليهم عدم تسجيل أبنائهم في دفاتر الحالة المدنية بسبب امتناع السلطات المحلية، ومنذ ما يزيد عن السنة، عن منحهم الوثائق الإدارية اللازمة لتجديد وثائقهم الإدارية. وهي الحالة التي يعانيها سعيد الناجي، الذي التقته «المساء» قرب «البراكة» التي يستقر بها رفقة زوجته وطفله الرضيع، إذ اضطر سعيد إلى الزواج عن طريق «الفاتحة» بعد أن رفضت السلطات المحلية منحه شهادة العزوبة من أجل إبرام عقد الزواج، وهو ما اضطره إلى إبرام التزام بالمقاطعة التي ينتمي إليها يثبت من خلاله علاقة الزواج بعد أن رزق بطفل قبل ثلاثة أشهر. حالة سعيد ليست الوحيدة داخل الكاريان، كما يؤكد ذلك، لأن كثيرا من الشباب الذين بلغوا سن الزواج لا يتمكنون من إبرام عقود زواج أمام قاضي التوثيق بمحكمة الأسرة لعدم تمكنهم من الحصول على الوثائق الإدارية اللازمة لذلك، وخاصة شهادة العزوبة، التي تفرض السلطة المحلية على طالبيها التوقيع على التزام يوافقون بموجبه على عدم المطالبة بأي وثيقة إدارية جديدة بعد ذلك الالتزام أو بحقهم في الاستفادة من سكن لائق. أطفال دون هوية أمام هذا الوضع، وفي غياب عقد زواج رسمي استحال على سعيد الحصول على دفتر الحالة المدنية من أجل تسجيل ابنه الذي يبلغ من العمر اليوم أربعة أشهر، سعيد ينظر بكثير من السواد إلى مستقبل ابنه الذي يعتبره مجهولا، لأنه لا يتوفر على أبسط الحقوق التي يتمتع بها باقي أبناء المغاربة بسبب رفض السلطات المحلية منحه الوثائق الإدارية اللازمة لذلك، كما يتخوف من عدم استطاعة طفله الاستفادة من الخدمات الصحية الضرورية أو التسجيل بالمدرسة، على اعتبار أنه غير معترف به إلى جانب والده من طرف السلطات المحلية. وأشار الناجي إلى أن الالتزام الذي تفرضه عليهم الملحقة الإدارية 57 غير قانوني ولا إنساني، لأنه يحرم مواطنين مغاربة من حقهم القانوني في الحصول على الوثائق الإدارية اللازمة لإنجاز البطاقة الوطنية. ويؤكد سعيد أن حالة ابنه لا تختلف كثيرا عن حالة أطفال آخرين يعانون المشاكل ذاتها، حتى قبل أن ترى عيونهم نور الحياة، ويعتبر أنهم ضحايا ظروف اجتماعية قاسية وجد آباؤهم أنفسهم يرثونها بدورهم من أجدادهم دون أن يتمكنوا من تغييرها. تختلف الأسباب والموت واحد حالة سعيد وطفله لا تختلف كثيرا عن حالة رشيد صنبي، وهو أيضا أحد سكان الكاريان الممنوعين من الحصول على الوثائق الإدارية، ذلك أن الملحقة الإدارية 57 التابعة لعمالة بن مسيك تفرض على طالبي الوثائق الإدارية التزاما يلتزم بمقتضاه الموقع عليه بأن آخر شهادة إدارية يحصل عليها هي الشهادة التي تمنح له بعد توقيعه ذلك الالتزام. الصنبي اليوم فقد أوراق إقامته بإيطاليا، التي كان يتنقل بينها وبين المغرب للتجارة ونقل البضائع، بسبب رفض السلطات المحلية لعمالة ابن مسيك منحه «شهادة السكنى» اللازمة من أجل تجديد جواز سفره بعد أن انتهت مدة صلاحيته قبل أشهر وهو داخل المغرب، وفرضت عليه توقيع التزام اعتبره غير قانوني من أجل الحصول على الوثيقة المطلوبة. ويتحسر الصنبي في لقاء مع «المساء» على عدم تجديد جواز سفره بإحدى القنصليات المغربية بإيطاليا، مما كان سيوفر عليه عناء المشاكل التي يعانيها منذ أن انتهت أوراق إقامته بالديار الإيطالية، وطالب الصنبي بالتمييز بين ملف الاستفادة من السكن وملف الحصول على الوثائق الإدارية، لأنه يعتقد أن ملف الاستفادة من السكن يدرس من طرف عمالة بن مسيك ولا يجوز لهذه الأخيرة حرمان مواطنين مغاربة من الحصول على الوثائق الرسمية. موقعون بخلاف باقي سكان الكاريان، لم يفكر عادل نجيب كثيرا حينما طلب منه ممثل السلطة المحلية التوقيع على وثيقة يجهل محتواها من أجل الحصول على الوثيقة التي كان في حاجة إليها لإتمام عقد الزواج، الذي سرعان ما غابت فرحته، بعد أن اكتشف أنه وقع على التزام يتعهد بموجبه بالتخلي طواعية عن أي حق له في المطالبة بأي وثيقة إدارية إضافة إلى حقه في الاستفادة من برنامج محاربة السكن غير اللائق. نجيب يعتبر اليوم بعد أن وقف على حقيقة الوثيقة التي وقع عليها أن مستقبله ومستقبل عائلته أصبح مهددا بعد اقتراب موعد انتهاء مدة صلاحية بطاقته الوطنية، فهو لن يستطيع تجديدها بسبب رفض السلطات الإدارية منحه شهادة السكنى رغم كونه يقطن منذ أن فتح عينيه على الحياة في البراكة ذاتها. احتجاجات دون جدوى أمام هذا الوضع اضطر سكان الكاريان، الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا، إلى الاحتجاج مرات عديدة أمام مقر عمالة مقاطعات ابن مسيك باعتبارها الجهة التي تشرف على تدبير ملف السكن غير اللائق وأيضا على عمليات الإحصاء بالمنطقة، غير أن هذه الاحتجاجات لم تجد من مسؤولي العمالة أي استجابة، رغم اللقاءات المتكررة مع مدير ديوان العامل، هذا الأخير الذي يكتفي شخصيا بالاستماع إلى السكان وتسجيل مطالبهم ووعدهم بالبحث عن حلول لمشاكلهم كما فعل العمال الذين سبقوه في الجلوس على كرسي العمالة قبل أن يقضوا مدتهم ويغادروها إلى مكان آخر تاركين سكان كاريان ابن مسيك يجترون المشاكل ذاتها منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة. هذه المشاكل وهامش الحرية الذي تعيشه البلاد جعل سكان الكاريان يفكرون في أشكال احتجاجية أكثر جرأة لإيصال صوتهم والتحسيس بالمعاناة التي يعيشونها رفقة أطفالهم، وهو ما دفعهم إلى الاحتجاج أمام مقر وزارة الداخلية في العاصمة الرباط، التي عبر مسؤولوها عن تفهمهم لمشكلهم المزمن ووعدوهم بإيجاد حل له بالتنسيق مع مسؤولي العمالة التي يقطنون بها. نصف قرن في البراكة الحكايات السابقة تختلف تماما عن حكاية أحمد الرياحي الإدريسي، الذي يمثل الجيل الأول من سكان الكاريان، فبعد أن سكن داخل براكته الواقعة بالزنقة 4 بكاريان ابن امسيك فوجئ، أخيرا، بالسلطات المحلية ترفض منحه شهادة الإقامة التي طلبها بعد أن فقد بطاقته الوطنية في ظروف غامضة. لم يمكنه التظلم الذي رفعه إلى العامل، في الثالث من مارس الماضي، من الحصول على شهادة السكنى من أجل تجديد بطاقة التعريف الوطنية التي ضاعت منه، ورغم أن جميع وثائقه الشخصية تحمل العنوان الذي يقطن به فإن السلطة المحلية ترفض منحه الشهادة الإدارية المطلوبة بدعوى أنه لم يعد يقطن بالعنوان المذكور. الإدريسي وكغيره من سكان الكاريان، الذين انخرطوا، قبل ثلاثين سنة، في برنامج وزارة السكنى وإعداد التراب الوطني آنذاك لمحاربة دور الصفيح بالدار البيضاء، يتساءلون عن مصير المبالغ المالية التي أدوها سنة 1982 والتي وصلت إلى عشرة آلاف درهم من أجل الحصول على شقة مساحتها 60 مترا دون أن يحصلوا على أي شيء ودون أن يستردوا المبالغ المالية التي أدوها. أمثال الإدريسي من الذين أدوا مبلغا ماليا للدولة دون أن يتوصلوا بشقق كثيرون داخل كاريان ابن مسيك وتفاقمت مشاكلهم اليوم لتصل حد حرمانهم من الحصول على الوثائق الإدارية رغم أن بعضهم يقطنون بالكاريان لمدة تتجاوز الخمسين سنة.
السلطة تنفي نفت السلطة المحلية لعمالة مقاطعات ابن مسيك أن تكون قد امتنعت عن منح الوثائق الإدارية لأي من سكان كاريان ابن مسيك، وأكد مصدر من السلطة أن الإجراء موجه فقط ضد غير المسجلين في الإحصاء الذي تتوفر عليه السلطات المحلية لسكان الكاريان المذكور، مضيفا أن المسجلين في الإحصاء يحصلون على وثائقهم الإدارية بصفة قانونية في أقل من 5 دقائق. وحول توفر بعض هؤلاء السكان على بطائق وطنية منتهية الصلاحية تثبت سكنهم بالعنوان المذكور منذ أكثر من عشر سنوات، اعتبر المصدر ذاته أن البطاقة الوطنية لا تدل على الإقامة لأن سكان الكاريان يرحلون ويحتفظون بعناوينهم القديمة طمعا في الاستفادة من بقع أرضية في إطار برامج مكافحة مدن الصفيح.
ترسانة قانونية غير مفعلة ينص مشروع القانون 04/04 القاضي بسن أحكام تتعلق بالسكنى والتعمير، على الخصوص، على منع القيام بالبناء، كما يفرض الحصول على رخصة البناء في حال إدخال تغييرات على المباني القائمة إذا كانت التغييرات متعلقة بمتانة البناية واستقرارها ونظافتها. ويمنح المشروع السلطة المحلية، ممثلة في العامل، صلاحية الأمر بهدم جميع أو بعض البناء المخالف للضوابط المقررة، إذا تعلقت المخالفة ببناء من غير إذن سابق أو إنجازه في منطقة غير قابلة لأن يقام بها المبنى المشيد، أو الموجود في طور التشييد. ويقر المشروع عقوبات حبسية لأول مرة في حق المخالفين للقانون. وينص على معاقبة كل من باشر بناء من غير الحصول على رخصة البناء بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة واحدة، وبغرامة من 50 ألفا إلى 300 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين فقط. وينص أيضا على معاقبة رئيس المجلس الجماعي أو نائبه المفوض من لدنه، الذي يسلم رخصة للبناء دون التقيد بالمسطرة المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في ما يخص تسليم الرخصة المذكورة، بالحبس من ستة أشهر إلى أربع سنوات، وبغرامة من 100 ألف إلى 500 ألف درهم أو بإحدى العقوبتين.