أتاح انتخاب كريم غلاب رئيسا لمجلس النواب الفرصة لنواب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لاختبار قدراتهم في ممارسة المعارضة السياسية، وتبين من خلال موقف الحزب، الذي جسده تدخل عبد الهادي خيرات، أنه بالرغم من السنوات التي قضاها حزب المهدي بنبركة في الحكومة، فإنه لا يعاني من ضعف التنافسية السياسية، وأن نوابه بدؤوا يستأنسون تدريجيا بفكر المعارضة الذي لا ينبني فقط على نظرية وجودية تقول «أنا أعارض إذن أنا موجود»، بل على استعداد فطري وفكري لممارسة المرتد السريع. وانتصبت علامة مرورية أمام وزير التجهيز ومهندس مدونة السير، تقول لغلاب «قف هناك حالة تناف»، وفي رواية أخرى قف إن رادار المعارضة قد رصد تسرعا في وصول الوزير إلى كرسي الرئاسة. أعادت نبرة ابن أولاد سعيد إلى الأذهان غارات الاتحاديين على الأغلبية، والجدل الذي شهده مجلس النواب في عهد الملك الراحل، وفتوحات فتح الله ولعلو قبل أن يفتح الله عليه بمنصب وزير المالية، الذي حوله إلى شخص مهادن يجد في الأزمات المالية العالمية مبررا لممارسة سياسة التقويم الاجتماعي وترشيد الإنفاق والنفاق. أثار الاتحاديون قضية التنافي واضطر كثير من البرلمانيين، الذين لازالوا يحملون على ظهورهم علامة 90، التي يضعها عادة سائقون في طور التجربة، إلى الرجوع إلى الترسانة القانونية لفهم مبدأ التنافي الذي فضل كثير من المسؤولين أن يتعاملوا معه بنوع من التناسي. حالات التنافي لا تقتصر على المشهد السياسي، لكن اللغط حولها يكبر كلما تم اكتشاف حالة ما، فتبادر النخب إلى التلويح براية الشرود كما يفعل حكام الشرط في مباريات الكرة حين يضبطون حالة تسلل. ولأن العضوية في مجلس النواب تتنافى مع الصفة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن عضوا في المجلس المذكور ضرب كفا بكف بعد أن تبين له أن كراسي مجلس النواب محظورة على منظري الاقتصاد والاجتماع. وتتنافى العضوية في مجلس النواب مع مهام رئيس مجلس الإدارة ومدير عام كي لا يتحول عند اختبار الأسئلة الشفوية إلى أستاذ وتلميذ. حالات التنافي تمنع الموظفين السامين وكبار المسؤولين من الجمع ما بين السلطة والاشتغال في عالم المال والأعمال، لأن الجمع بين سلطة المال وسلطة القرار تمنحك سلطة غير مرئية هي سلطة سلاح كاتم للصوت تدافع به عن الفساد. في عالم التجارة تتجسد حالات التنافي في الجمع بين المهن الحرة والوظيفة العمومية، فكثير من مسؤولي القطاع الصحي يملكون مصحات خصوصية، دون أن يمسهم مكروه لأنهم ملقحون ضد التنافي. وضرب إعصار التنافي مهنا أخرى، إذ منع على العدول ممارسة التجارة كي لا يمزج العدل بين كتابة عقود النكاح ومهنة متعهد حفلات. وفي القطاع الرياضي تتعدد حالات التنافي، إذ لا يجد رئيس فريق حرجا في إبرام صفقات مع شركاته، بل إن رئيسا سابقا للوداد البيضاوي كان يحرص على أن يقيم لاعبو فريقه في الفندق الذي يملكه، وحين تأخر النادي عن دفع فواتير الإقامة قرر رفع دعوى على النادي، فاستعصى على المحكمة فهم مفارقة غريبة، فالمدعي والمدعى عليه شخص واحد. ومن مشاهد حالات التنافي في قطاع التربية والتعليم وجود رجال تعليم على رأس جمعيات الآباء، مما يمكنهم من احتلال مواقع أخرى تجعل مدير المؤسسة تحت رحمتهم. ومن المشاهد التي تكشف عيوب حالات التنافي في القطاع الاجتماعي، وجود رئيس جمعية خيرية في ضواحي آسفي يزود المؤسسة بالمواد الغذائية بأثمنة غير تفضيلية بعد أن فضل عدم اللجوء إلى مساطر الصفقات العمومية لأن «الصفقة» في المقربين أولى.