يمكن حصر أهم أسباب انتشار هذه الآفة (استعمال المال) في: -انعدام الوعي السياسي؛ - استهانة الناخب بقيمة صوته الانتخابي؛ - افتقار الأحزاب إلى برامج ومشاريع مجتمعية؛ - الأمية والبطالة والفقر؛ - حياد الإدارة؛ - غياب تشريع انتخابي ينظم بكيفية صريحة سقف المبالغ الممكن صرفها خلال الحملة الانتخابية قبل إقراره منذ أقل من شهر. استعمال النفوذ والسلطة: لقد نصت المدونات الانتخابية غير ما مرة على منع أي شكل من أشكال تسخير الوسائل والأدوات المملوكة للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة في الحملة الانتخابية للمرشح، لأن من أبرز شروط نجاح أي فعل انتخابي التزامُ الإدارة بعدم توظيف سلطاتها لصالح أية جهة كيفما كانت توجهاتها، والحيلولة دون استغلال النفوذ لترجيح كفة على أخرى، وهو الأمر الذي يظل محل لبس في أي استحقاق، حيث تتنوع أشكال هذا التدخل بين: - السماح لبعض المرشحين ببدء حملتهم الانتخابية قبل الموعد المحدد لهم قانونا؛ - السماح لبعض المرشحين بالقيام بالحملات حتى في يوم الاقتراع وأمام مكاتب التصويت؛ - غض الطرف عن تجاوزات بعض المرشحين والسماح لهم بممارسة مختلف التصرفات التي تساعد على فوزهم في الانتخابات؛ - اعتقال بعض المرشحين المؤيدين لتيار محدد أو حزب معين وتشويه سمعتهم لإخلاء الساحة للطرف المرغوب في فوزه؛ - حجز بعض البطائق الانتخابية لأشخاص معروفين بوفائهم لحزب أو مرشح غير مرغوب في فوزه؛ - القيام بإنزال في آخر مراحل التصويت لفائدة المرشح المراد نجاحه وتفوقه. من خلال هذه النماذج، يتضح عدم التزام العديد من رجال السلطة بالتعليمات المعلنة بشأن الموقف الواجب التزامه في الحملة الانتخابية، والمتجسد في السهر على سيادة جو من التساوي بين المرشحين في سعيهم إلى كسب الأصوات من خلال حملة نظيفة وقانونية. استعمال العنف: وتتعدد أشكال هذا العنف ما بين المادي والمعنوي، حيث تتفاوت حدته بين الأطراف المتنازعة من خلال السب والشتم أو عبر تبادل الرشق بالحجارة والضرب بالهراوات؛ إلا أن الأخطر من ذلك هو عندما يتم تجنيد جماعات من أصحاب السوابق الإجرامية بغية ترهيب المواطنين والمرشحين على السواء، وعبر تطويق مكاتب التصويت، بل وحتى القيام باعتداءات جسدية على فئات معينة بغية إخافة الباقي، وقد وصل الأمر في بعض الدوائر إلى إزهاق الأرواح. هذا على الرغم من تنصيص المدونات الانتخابية على بعض العقوبات الحبسية والغرامات المالية في حق كل من ثبت أنه مارس أي فعل من الأفعال السابق ذكرها بغية التأثير في تصويت الناخبين.. بقي أن نشير هنا إلى أن استعمال المال غالبا ما يقترن بتوظيف السلطة، حيث يمكن القول إنهما وجهان لعملة واحدة؛ كما يمكن أن نشير أيضا إلى تدخل آخر يمكن أن تقوم به السلطة في هذا الشأن، وذلك من خلال تواطؤ الإدارة وصمتها أمام التجاوزات التي تعرفها الانتخابات من استعمال المال والعنف والترهيب والتزوير... حيث تكون الإدارة في وضع المتفرج الذي لا يتدخل، ولكنه في حقيقة الأمر يقدم خدمة ملموسة إلى الطرف المفسد من خلال حياده وعدم تدخله لكبح جماح المفسدين والمتلاعبين بقيمة الأصوات الانتخابية، حيث لوحظ في العديد من الحالات هذا الغياب الممنهج للسلطات، بل ورفضها المطلق القيام بواجبها الذي يفرضه عليها القانون والتزامها المعلن بالحرص على توفير كل شروط نجاح العملية الانتخابية. وهناك أشكال أخرى من التدخل أثناء عملية التصويت ذاتها: عمليات التصويت: تعد هذه العملية لحظة حاسمة في المسلسل الانتخابي، حيث يحضر فيها بالخصوص الجانب الشكلي، حيث تتمثل أهم الاختلالات والتجاوزات التي من الممكن أن تميز هذه المرحلة في: - وجود بعض أعضاء مكاتب التصويت ممن لا يحسنون القراءة والكتابة رغم ما ينص عليه القانون في هذا الشأن، حيث يعين العامل 24 ساعة على الأقل قبل تاريخ الاقتراع من بين «الموظفين والعاملين بالإدارات العمومية أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو الناخبين الذين يحسنون القراءة والكتابة» الأشخاصَ الذين يعهد إليهم برئاسة مكاتب التصويت وتسليمهم لوائح الناخبين التابعين للمكتب المعهود؛ ويساعد الرئيسَ في هاته المهمة الناخبان الأكبر سنا والناخبان الأصغر سنا من بين الناخبين غير المرشحين الحاضرين في مكاتب التصويت والذين يحسنون بدورهم القراءة والكتابة؛ حيث يسهل التلاعب بهذه الفئة، وأقصد طبعا أولئك الذين لا يحسنون القراءة والكتابة، على اعتبار جهلها وعدم فهمها لفحوى العملية الانتخابية، الأمر الذي يجعل من الصعب عليها ضبط ومراقبة عملية التصويت؛ - عدم احترام النصاب القانوني لبعض المكاتب، حيث إن وجود مساعدين لرئيس المكتب (العضوين الأكبر والأصغر سنا) أمر لا يطبق في العديد من مكاتب التصويت، إذ يتم الاقتصار فقط على رئيس وعضوين، وفي بعض الأحيان على رئيس وعضو واحد؛ - قيام أعوان السلطة بالدعاية لفائدة مرشح ما في مراكز الاقتراع، مع منع بعض الناخبين من ولوج مكاتب التصويت، والعمل على حماية مرشحي بعض الأحزاب أثناء قيامهم بإغراء المواطنين أمام مكاتب التصويت ومساعدتهم في ذلك؛ - ممارسة كافة أشكال الضغط والوعيد والتهديد والترغيب من أجل التصويت على مرشح محدد مرغوب في نجاحه؛ - الاحتفاظ بالبطائق وتوزيعها على أفراد تابعين للإدارة في مراكز الاقتراع لضمان التحكم في العملية الانتخابية وضبط نتائجها؛ - التساهل في التصويت بدون بطاقة تثبت هوية الناخب، وهو الأمر الذي يسمح بالقيام بإنزالات في آخر لحظة من طرف أشخاص محسوبين على دوائر أخرى، كما يسمح لأشخاص بالتصويت مكان آخرين، إضافة إلى عملية التصويت المتكرر في عدة مكاتب؛ - عدم قبول تسجيل ملاحظات المراقبين في المحاضر، حيث يصل الأمر في بعض الحالات إلى حد طردهم من مكاتب التصويت مادامت القوة العمومية موضوعة رهن إشارة رؤساء المكاتب، مما يحرم المرشح المتضرر من أي إثبات؛ - وضع حد لعملية الاقتراع قبل الوقت أو تمديدها خارج الوقت القانوني بدون مبرر معقول، وهو الأمر الذي يؤدي إلى التمييز بين الناخبين عبر إتاحة الفرصة للبعض وحرمان البعض الآخر من ذلك. كما أنه تم تسجيل العديد من الخروقات والتجاوزات التي تمس بسمعة العملية الانتخابية بعد عملية التصويت، وأقصد هنا بالضبط أثناء فرز الأصوات، وذلك من قبيل: - الهروب بصناديق الاقتراع بما تحتويه من أصوات، ثم إعادتها بعد التلاعب في محتواها للقيام بفرزها وكأن شيئا لم يحدث؛ - إطفاء الإنارة عمدا أثناء عملية الفرز بغية التلاعب في الصناديق، إما بالنقصان أو الزيادة في عدد الأصوات؛ - إجراء الفرز في غير مكانه القانوني مع إقصاء ممثلي المرشحين وطردهم من المكاتب لحظة الفرز؛ - إلغاء أوراق محسوبة واحتساب أخرى ملغاة؛ - تزوير المحاضر ورفض تسليمها إلى ممثلي المرشحين وتضمينها نتائج مخالفة للواقع، إضافة إلى تقديم محاضر معدة سلفا للتوقيع أو تكون فارغة وغير مكتملة العناصر؛ - تأخير البت في الطعون الانتخابية من طرف القضاء الدستوري، حيث تظل بعض القضايا في المحاكم أكثر من سنتين، وهو ما ينعكس بالسلب على الوضعية القائمة لكل الأطراف، حيث يمارس المرشح الفائز مهامه داخل قبة البرلمان بشكل طبيعي إلى أن يبت القضاء في قضيته، مما يجعل التساؤل مشروعا حول الفائدة من هذا الطعن إذا ما ظل على هذا الحال؟ كما أنه ومع توالي الاستحقاقات الانتخابية برز شكل جديد للإفساد، يتمثل في: التلاعب بالأغلبيات: ويعتبر حلقة مهمة جدا في السلسلة الانتخابية، حيث يعمل أحد المرشحين أو الأحزاب على استقطاب مختلف الفائزين في الاستحقاق الانتخابي والهروب بهم إلى مكان مجهول بغية الانفراد بهم ومحاولة إغرائهم وتجنيدهم للتصويت لصالحه أو لفائدة مرشح آخر محسوب على حزبه من أجل السيطرة على أكبر عدد ممكن من الأصوات، وبالتالي الحصول على الأغلبية التي تخول له الرئاسة في نهاية المطاف (وتستعمل هذه الآلية بالخصوص في الاستحقاقات الجماعية)، الأمر الذي يعكس لنا بوضوح مستوى تمثل المنتخب المفترض فيه تدبير الشأن المحلي بالمغرب، وهو ما يضعنا أمام التساؤل التالي: كيف يعقل أن نعقد الآمال على تدبير شخص بدأ مساره بهذه الطريقة؟ وكيف يعقل أن تتم الاستهانة باختيارات الناخبين على هذا النحو؟ هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الدولة أعلنت عن نيتها اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات تحاول من خلالها الترويج لحسن نيتها في أن تمر الانتخابات المقبلة في جو تسوده الشفافية والمصداقية وتكافؤ الفرص بين مختلف الفرقاء السياسيين، وذلك من خلال تقاسم الإشراف مع الجهاز القضائي على عملية التسجيل وتنقية اللوائح من كل الشوائب والعيوب التي تميزها، إضافة إلى اعتماد البطاقة الوطنية في عملية التصويت كمحدد رئيسي في الإدلاء بالصوت الانتخابي. غير أنه يحق لنا أن نتساءل عن مدى نجاعة هذه الإجراءات ما دامت السلطات المعنية تعلن، عند كل استحقاق انتخابي، عزمها على التصدي لجميع أشكال الانحرافات الممكنة، وهو ما لا يحول دون وقوعها. كما أن من بين بواعث طرح مثل هذا السؤال أن السلطات لم تعترف يوما بأن الانتخابات قد شابتها خروقات تستدعي الوقوف عندها لتقييمها ولدراسة سبل مواجهتها حتى لا تتكرر مستقبلا.