المغاربة اليوم شعب خرج من صناديق الاقتراع ودخل صناديق «العجب»، تلك التي كنا نراها في أيام الصبا في «السيرك» الذي كان يحط رحاله في القرى والمدن أيام عاشوراء ورمضان... هناك حيث كانت توضع صناديق خشبية صفراء وحمراء عادة، مكتوب عليها «صندوق العجب»، والناس يتحلقون حوله رافضين تأدية التذكرة ومفضلين توجيه أسئلة فضولهم إلى من سبقوهم من المتفرجين،... فضول المغاربة لم يتغير حتى والأمر يتعلق اليوم برئيس حكومة من العدالة والتنمية صوّتت على حزبه الأغلبية الساحقة من المغاربة ومكنته من قرابة ثلث مقاعد البرلمان. إلا أن الناس اليوم، في الشوارع والحمامات والمقاهي والحانات، يسألون عن هذا «العجب الإسلامي» الذي خرج إلى الناس بلا حتى أن يؤدوا تذكرة الدخول لاكتشافه. الناس مشغولون بالتقاط الإشارات، وللمغاربة طريقتهم الخاصة في قراءة ما يعرض عليهم من مشاهد بكثير من التناقض، فالبسطاء في هوامش المدن يسألون حول ما إن كان بنكيران سيبقي على فترة «التمياك» التي يعرفها البناء العشوائي لمن يريد فتح نافذة أو باب على جاره أو حتى تشييد طابق أو طابقين بلا حاجة إلى رخصة بناء أو تصميم هندسي بل فقط بتعليق الراية الوطنية،... فيما يسأل أصحاب العربات المجرورة في أزقة وشوارع المدن حول ما إن كانت حكومة «المصباح» ستنظف الشوارع من الباعة المتجولين الذين نصبوا خيامهم وبسطوا سلعهم على الأرض وأدخلوا «المخازنية» في بطالة إجبارية حتى يمر الربيع العربي. في المغرب، حتى «الكوافورات» أبدين اهتمامهن بالسياسة وبتعيين بنكيران رئيسا للحكومة، وفي صالونات الحلاقة انشغلت النسوة بالحديث عن فوز الإسلاميين المغاربة ومدى صحة الأخبار التي تقول إن حزب «المصباح» سيقفل «الصالونات» التي أخذت تنتشر في الأحياء بسرعة جنونية، ليس لتزيين العرائس وقص الشعر بل أيضا كدكاكين خلفية للدعارة والهجرة نحو بلدان الخليج؛ في الحانات أيضا، ليس السكارى وحدهم من يخشون مجيء الإسلاميين بل أيضا بسطاء النوادل الذين فيهم من أصبح يفكر في «التوبة» قبل إقفال «البار» وأخذ يبحث عن عمل خارج «الكونتوار». هكذا هم المغاربة،... صندوق «العجب الإسلامي» أنساهم المطالب والشعارات المطالبة بالشغل والصحة والتعليم والرياضة والترفيه والثقافة والبنيات التحتية والتنمية الاقتصادية والفلاحية... الناس لهم ارتباط قوي بالمظاهر والعادات والتقاليد، بما فيها السيئة التي اعتادوا عليها حتى وهم في عز موجة التغيير التي تضرب العالم العربي، فالكل منشغل بمصير رخص بيع الخمور والمهرجانات والحريات الفردية والمراقص الليلية والسياحة وألعاب الرهان والمشاهد المخلة بالحياء في السينما والمسرح والمضاربات العقارية ونسب فائدة البنوك وأموال الكازينوهات... ووسط هذه «الجّدبة»، لا أحد سأل عن الوجوه التي سيقترحها بنكيران لتحمل حقائب الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية والعدل والأمانة العامة للحكومة، باعتبارها وزارات سيادة في عرف الدستور السابق للمملكة. السؤال المطروح اليوم، بشدة وبعمق أيضا: هل المغاربة مستعدون للتغيير وسط حجم الفوضى والفساد الذي عاشوا فيه حتى الآن؟ إخوان بنكيران سيجربون وصفتهم مع الشعب خلال خمس سنوات في قطاعات حكومية أساسية وبسلطات واسعة مكنهم منها الدستور الجديد،... زيت «المصباح» سيضيء منذ الآن والتغيير أطلقه بنكيران منذ اليوم الأول، على الأقل بأن ارتدى ربطة العنق؛ والمغاربة قديما كانوا يقولون لمن سيقبل على عمل شاق وضخم وأقرب إلى المستحيل: «اللي تهرس لو المنجل يعمل منو محشة».