تعتبر إصابة أحد أفراد الأسرة بالخرف ذات تأثير واسع ومربك على حياتها، وقد يؤدي إلى اختلال التوازن في علاقاتها الداخلية. كما أنه يفرض على الأفراد الآخرين التوافق مع هذا المتغير وبذل جهد مضاعف لتجاوز تداعياته. ويمكن أن نختصر تداعيات وتأثيرات إصابة فرد من الأسرة بالخرف في مستويين هما: المستوى النفسي والمستوى الاجتماعي. أما المستوى النفسي فهو الأكثر ظهورا وضغطا، ويزداد ذلك عندما يكون أفراد الأسرة جاهلين بالخرف وطبيعته. ويضم هذا المستوى أساسا ظهور واحدة أو أكثر من المشكلات النفسية التالية: - الإصابة بحالة من إنكار المرض بوصفه رد فعل دفاعيا، وهو يظهر غالبا في بداية المرض مع الأمل الكبير في تراجع الأعراض وشفاء الحالة. - التوتر النفسي واضطراب النوم لدى أفراد الأسرة بسبب ضغط سلوكات المريض المتسمة أحيانا بالاضطراب أو الصراخ أو بعثرة الأشياء أو إتلافها. - ظهور مشاعر الإحباط والتوتر والقلق، وذلك في الغالب بعد مضي فترة على ظهور المرض. وكثيرا ما يتداخل معها الشعور بالعجز أو المسؤولية أو الذنب، يغذيه أكثر وجود تصورات غير سليمة عن أسباب المرض وتأثيراته. - ظهور حالة من الشعور بالفشل أو اليأس أو الاكتئاب وخصوصا بعد أن يتبين عجز الطب عن علاج المرض أو يزداد تدهور الحالة. وتختلف القدرة على التوافق مع التأثيرات حسب ظروف كل أسرة وقدرتها على مواجهة تحديات الموقف، وحسب سن المريض ومستوى تدهور حالته. وأحيانا تظهر لدى بعض الأقارب أعراض نفسية تستلزم استشارة طبيب نفساني لتلقي العلاجات المناسبة. وعلى المستوى الاجتماعي تظهر العديد من المشكلات أهمها: تغير الأدوار الاجتماعية لأفراد الأسرة بسبب التراجع المطرد لدور المريض وتراجع قيامه بالتزاماته الأسرية والاجتماعية. وتظهر الحاجة ماسة للعناية بالمريض مما يؤدي إلى بروز أدوار جديدة داخل الأسرة ترتبط بالملاحظة المستمرة لسلوكه، ومراقبة وضعيته المرضية، ورعاية حالته. وهنا من الضروري الإشارة إلى أهمية العناية بالجانب العضوي من صحة المريض، وعدم الاكتفاء بمتابعة حالته النفسية. اضطرار بعض أفراد الأسرة إلى الانقطاع عن الدراسة أو الاستقالة من العمل، خصوصا في الحالات التي يكون فيها المريض معتمدا كليةً على الآخرين في حاجاته الأساسية مثل الأكل والشرب والنظافة وقضاء الحاجة. صعوبة التوفيق بين متطلبات أفراد الأسرة، وخصوصا منهم الأطفال، ومتطلبات المصاب بالخرف، فتتدهور وضعيتهم أحيانا مع تدهور وضعية المريض. أمام هذه الوضعية وتحدياتها من الواجب على أفراد الأسرة أولا وقبل كل شيء التسلح بالمعرفة السليمة والمتكاملة عن الخرف وأعراضه ومآلاته، وعن السلوكيات التي قد تصدر عن المصاب به. وهذه المعرفة هي الطريق الأقصر إلى التكيف الإيجابي مع الوضعية الجديدة للأسرة. ويمكن الاستعانة في ذلك أساسا بما يلي: التضامن الإيجابي بين أفراد الأسرة لرعاية المريض، واعتبار المرض قدرا من الله تعالى، لا يد لأي فرد من الأسرة فيه. عرض المريض على طبيب متخصص للتأكد من التشخيص وإعطائه العلاجات المناسبة، سواء علاجات الأسباب - إن كانت قابلة للعلاج - أو علاجات الأعراض في حالة تعذر علاج الحالة. ويجب الحذر من إهمال الأعراض العضوية التي يمكن أن يصاب بها أي إنسان آخر، وذلك مثل آلام المعدة أو الإمساك أو غيرها. البحث عن بعض المؤسسات والجهات التي تقدم المساعدة في مثل هذه الحالات، وخصوصا جمعيات ذوي المرضى. فقد تعين على التفهم المشترك للخرف، وعلى تبادل الخبرات في كيفية العناية بالمصاب، وعلى تعديل البيئة المحيطة به بما يتلاءم مع مرضه. إنه بقدر ما تتضرر حياة الأسرة بسبب إصابة أحد أفرادها بالخرف، بقدر ما تدعو الضرورة لإيجاد الآليات الكفيلة بمساعدتها على تجاوز الفترات الصعبة. وهي مهمة ليس بالعسيرة لكنها تستلزم الوعي والمعرفة والتضامن.