مصطفى العوزي جورج أمادو، هذا هو الاسم الأشهر في تاريخ الكتابة الأدبية بالبرازيل، يعرفه الكثير من عشاق الأدب عبر العالم، بشكل يميل إلى التعلق أكثر منه إلى الإعجاب المحض. البعض يرى أن علاقته بهذا الرجل تتجاوز علاقة قارئ بكاتب، بل هي أكثر، علاقة شيخ بمريد في الحقل الصوفي. عرف أمادو المزداد عام 2191 ببلدة باهيا إحدى المناطق التراثية الكبرى بالبرازيل، بميله القوي إلى الدفاع عن السود والخلاسيين ضد من يصفهم بآلات التمييز العنصري الفتاك الذي عانت منه البرازيل طويلا. في روايته الشهيرة «زوربا البرازيلي»، التي حظيت باهتمام منقطع النظير وترجمت إلى لغات عالمية، يستحضر أمادو قصة بيدرو أرشانجو الساعي العامل بكلية الطب بباهيا، الذي تميز بنبوغه الكبير وسعة ثقافته وإحاطته الشاملة بعادات و تقاليد وطنه، والذي رغم ذلك كان يوصف بالبلاهة والغباء، ويتم احتقاره من طرف بعض أساتذة الجامعة، الذين كان أغلبهم يتذمر غيرة من الرجل النبيه جدا. يسرد أمادو في ثنايا الرواية قصصا مختلفة للتمييز العنصري، الذي يراه سمة مميزة لمجتمع لا يقدر الأفراد بعقولهم وإنما بلون بشرتهم الذي لا يقدم في الحديث شيء ولا يؤخر فيه، لكنه رغم ذلك يظل مدافعا عن حق الخلاسيين في العيش بكرامة، هم وأبناؤهم. الأمر يبدو في النهاية حينما تنتصر روح بيدروا أرشانجوا بعد وفاته على كل دعاوى التمييز العنصري . ميول جورج أمادو النضالية والمطالبة بحق الأقليات ونبذ التمييز العنصري بدأت في التفتق مع أولى خطواته في الجامعة، طالبا بكلية الحقوق التي لم يتم دراسته بها بسبب تغليبه كفة الأدب وتوجهه إلى هذا الأخير قراءة و كتابة وبحثا، فانخرط في العمل الحزبي عضوا بالحزب الشيوعي البرازيلي، الذي انتخب برلمانيا له سنة 6491، غير أن الجيش المناهض للديمقراطية حل الحزب وفرق أعضاءه تعسفا. بقي أدب أمادو في تلك الفترة أدبا نقيا من الترسبات الإيديولوجية والهواجس العقائدية السياسية، رغم أن عمله الشهير «فارس الأمل»، أتى بنفحة إيديولوجية غير واضحة حيث يحكي سيرة المناضل البرازيلي الشيوعي لويس كارلوس برستيس، لكنه سرعان ما بدأ في التعبير عن تطلعاته السياسية الخاصة ومواقفه في أعمال لاحقة من قبيل الرواية المتميزة «أراضي اللانهاية»، التي يرصد فيها الصراع الدائر بين الإقطاعيين و المزارعين البسطاء في حقول الكاكاو. كان للعادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع البرازيلي حضور قوي وباهر في معظم كتابات أمادو ، فهو كاتب شعبي، فلكلوري، تراثي، و في نفس الوقت قصاص للحكايات الملحمية، التي كانت تترك صدى في النفوس والعقول في مجتمع يتميز بقوة الحكي والسماع. في روايته سالفة الذكر «زوربا البرازيلي»، يتحدث أمادو على لسان شخصيات الرواية عن العادات الخاصة ببلدة باهيا، سيما المتعلقة منها بالطبخ ومراسيم الاحتفالات، والأعراس، والكرنفالات، حيث تقرع الطبول وترفع أصوات المزامير، وترقص النساء عاريات وشبه عاريات على أنغام لاتينية وأفريقية ممتزجة بأصوات وصرخات الأطفال والنساء والرجال، وتسحر العيون ألوان الطيف المنتشرة في كل مكان وفوق كل الأشياء، فيبرز أمادو خصوصيات المجتمع البرازيلي، الذي يرى أنه تأثر كثيرا بالحضارة الأفريقية، خصوصا غرب أفريقيا، و أثر فيها أيضا. الحب قصة لا تخلو من تشويق وإثارة كبيرين في حياة العم أمادو الشبيه إلى حد بعيد بشخصية بطله الأسطوري بيدرو أرشانجو، الذي كان محبا للنساء وعاشقا من طراز كازانوفا العاشق الإيطالي الأشهر في التاريخ. في أحد لقاءاته الخاصة بمدينة أصيلة المغربية حيث أقام له صديقه محمد بنعيسى احتفالا بهيجا تأثر له الرجل أيما تأثر، خاطب أمادو صديقه السوداني الكاتب الراحل الطيب صالح، حينما سأله الأخير إن كان مازال يحب، بالقول: «إني أعيش وأبلغ هذا السن لسبب واحد هو أني لازلت أحب» . أمادو الراحل عن عالمنا جسدا والحاضر معنا إبداعا خلف وراءه أعمالا أدبية جد رائعة، من أهمها إضافة إلى «بلاد الكرنفال»، روايته «كاكاو»، و»جوبيابا»، و»عرق»، دون إغفال العمل الملحمي العظيم «زوربا البرازيلي».