سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف تستفيد الشركات الكبرى من أموال صندوق المقاصة الموجهة إلى الفقراء ؟ خبراء اقتصاديون وماليون ينتقدون غياب آليات لمراقبة أوجه حصول شركات أجنبية على أموال الدعم
مبدئيا، يتولى صندوق المقاصة المحافظة على أسعار المواد الأساسية في مستويات تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين. يفترض من الناحية المبدئية كذلك أن تكون الأسر الفقيرة أكثر المستفيدين من أموال هذا الصندوق، وليس الأسر الميسورة. لكن ثمة شركات، ضمنها مقاولات أجنبية ذات قوة إنتاجية كبرى، تستفيد أيضا من أموال الدعم، والخبراء الماليون يؤكدون استعجالية إقرار آليات لمراقبة أوجه حصول هذه الشركات على أموال «الفقراء» شركة واحدة تعتبر علامة تجارية رائدة على الصعيد العالمي حصلت في السنة الماضية على مبلغ قدره 12 مليار سنتيم في إطار الدعم المخصص للسكر. الامتياز ذاته تستفيد منه شركات عديدة تصنع منتوجات البسكويت والحلويات.شركة أخرى متخصصة في صناعة السكر امتصت لوحدها نحو 250 مليار سنتيم من صندوق المقاصة في السنة الماضية. الإحصائيات المتوفرة، على قلتها، تفيد بأن الحصة السنوية للشركة نفسها من دعم الدولة للسكر لا تقل عن 200 مليار سنتيم في كل سنة. وينتظر أن يسجل هذا المبلغ برسم السنة الجارية ارتفاعا ملحوظا بعد الزيادة الصاروخية التي سجلتها ميزانية صندوق المقاصة في السنة الجارية. فبعد أن رصد قانون المالية لسنة 2011 ميزانية لهذا الصندوق في حدود ألف و700 مليار سنتيم، فاجأ عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الجميع في الربيع الماضي بإعلان توقعات بأن تناهز ميزانية الصندوق 4 آلاف و500 مليار سنتيم. توقعات زكتها تصريحات أدلى بها نجيب بنعمور، المدير العام لصندوق المقاصة، ل«المساء» أوضح فيها أن «التكلفة المؤكدة لصندوق المقاصة هذه السنة بلغت حوالي 42 مليار درهم إلى حدود الساعة»، متوقعا أن تتراوح ميزانية صندوقه هذه السنة بين 4 آلاف و400 مليار سنتيم و4 آلاف و500 مليار سنتيم. كما أكد بنعمور وجود متأخرات عن السنة الجارية قد تصل إلى 700 مليار سنتيم في أقصى التقديرات، لأن ملفات الدعم الخاصة بشهري دجنبر ونونبر تحال على الصندوق في مستهل السنة المقبلة. لا توجد أرقام ومعطيات إحصائية رسمية دقيقة عن حجم المبالغ التي تستحوذ عليها المقاولات الصناعية، التي تنشط في قطاعات ذات علاقة بالسلع والمواد المدعمة من صندوق المقاصة. فاعلون اقتصاديون، تحدثت إليهم «المساء»، منهم من التمس عدم ذكر اسمه، أقروا بغياب المراقبة، وضعفها في أحسن الأحوال في هذا المجال، لكنهم أجمعوا كلهم على أن القضية معقدة لأن «الدولة تجد نفسها مضطرة لدعم أنشطة اقتصادية معينة للحفاظ على تنافسية المقاولات المغربية من جهة، وحماية القدرة الشرائية للأسر، من جهة أخرى، لكنها تعدم آليات عملية للمراقبة». إشكال دفع نزار بركة، وزير الشؤون الاقتصادية والعامة، إلى الحديث في سنة 2008، وتحديدا بعد أشهر قليلة من استوزاره، عن إمكانية الإعلان عن طلب عروض بهدف مراقبة أوجه صرف أموال الدعم الموجهة إلى الإنتاج الصناعي. قطاعات محظوظة ويبدو أن مراقبة هذا المجال تتميز بطابع التعقيد بسبب تعدد القطاعات التي تدخل فيها المواد المدعمة في عمليات أو وسائل الإنتاج أو عملية التصنيع. إذ تكاد جميع القطاعات الإنتاجية توظف المواد الطاقية بمختلف أنواعها، خصوصا الفيول وغاز البوتان. ولا تتوقف دائرة الاستفادة من أموال الدعم، بطريقة غير مباشرة بطبيعة الحال، على القطاع الصناعي، بل تمتد أيضا إلى القطاعين الفلاحي والخدماتي. كما لا تنحصر الرقعة الجغرافية التي تتوزع عليها هذه القطاعات المستفيدة على الحواضر وأحيائها الصناعية، بل تمتد أيضا لتشمل العالم القروي خصوصا في الأنشطة الفلاحية. وعلى هذا الأساس، تزداد قيمة الاستفادة مع ارتفاع نسبة المواد المدعمة الداخلة في عملية الإنتاج. وهو ما يعني أن الشركات الكبرى، ذات القوة الإنتاجية القصوى، هي أكبر مستفيد من أموال الدعم. وفي هذا السياق، سجل خليد السودي، وهو إطار إحصائي بالمندوبية السامية للتخطيط، الإقبال الكبير المسجل لدى الفلاحين، بالعالم القروي، على استخدام غاز البوتان في عمليات الإنتاج. فلاحون كثيرون في مختلف مناطق المغرب يقتنون قنينات البوتان بأسعار مدعمة، ثم يستخدمونها لتشغيل مضخات المياه ومحركات إنتاج الكهرباء. والحصيلة منتوج نهائي بأقل تكلفة يعرض في الأسواق المحلية بأسعار لا يراعى في تقديرها توظيف أموال الدعم في عملية الإنتاج. على الهامش: القطاع الفلاحي لا يزال يستفيد كذلك من الإعفاء الضريبي. أكثر من ذلك، ثمة قطاعات إنتاجية، في الصناعة على وجه التخصيص، تستفيد من أموال الدعم على واجهتين: تتمثل الأولى في المواد الطاقية، وتتجسد الثانية في مواد أولية مدعمة أسعارها من قبل صندوق المقاصة. واستدل السودي على هذا النموذج بقطاع إنتاج الشوكولاطة. ذلك أن الشركات الناشطة في هذا المجال تستفيد من مواد طاقية بأسعار مدعمة، ثم تحصل على السكر، الذي يعتبر من المواد الأولية الأساسية لصناعة هذا المنتوج، بأسعار مدعمة كذلك، وهو ما من شأنه أن يقلص تكلفة الإنتاج ويمتص حصة مضاعفة من أموال الدعم. وإذا كان منتجو السكر يستفيدون كذلك من الدقيق المدعم، وقد يضيفون إليه مواد طاقية مدعمة كذلك من قبل صندوق المقاصة في عمليات الإنتاج، فإن استفادتهم بذلك ستكون مضاعفة. وقد قال خليد السودي، الذي سبق له أن أعد دراسة حول موضوع «العدالة الاجتماعية بالمغرب: حالة المقاصة والضريبة على القيمة المضافة»، في تصريحات ل«المساء» إن هذا القطاع يمكن التغاضي عنه بالنظر إلى أن سعر الخبز مقنن ولا يمكن لباعته أن يضيفوا سنتيما واحدا على السعر الذي حددته الدولة لبيع الخبزة الواحدة. لقطاع إنتاج السكر كذلك وضعية خاصة من وجهة نظر السودي. إذ أن تكلفة كيلوغرام واحد من هذه المادة، التي يبلغ استهلاك المغربي منها 35 كيلوغراما في السنة مقابل 7 كيلوغرامات كمعدل عالمي، تتراوح بين 10و12 درهما ولذلك يتفق السودي مع نجيب بنعمور، المدير العام لصندوق المقاصة، على ضرورة أن تتولى الدولة تسديد الفارق بين السعر المدعم والسعر الحقيقي لهذه المنتوج. ففي هذه الحالة، تصبح الدولة هي المستفيد وليس الشركات، وفق بنعمور، الذي أكد أن المقاولات الناشطة في هذا القطاع تتكلف بإنتاج بعض السلع واستيراد أخرى، ثم تبيعها في الأسواق المحلية بأسعار تتولى الدولة تحديدها. وعلى هذا الأساس، يبدو بديهيا أن تقوم الدولة بتعويض هذه الشركات عن الخسائر التي تكبدتها بسبب بيعها منتوجاتها بأسعار الدولة وليس بأسعارها الحقيقية، «بهدف تفادي حدوث نقص في تموين السوق الداخلية، لأن الشركات ستحجم بكل تأكيد عن الاتجاه نحو تصنيع منتوجات وسلع لا تدر عليها الأرباح»، يقول المدير العام لصندوق المقاصة. الأمثلة سالفة الذكر هي نماذج لقطاعات تستفيد من أموال الدعم. لكن «لب الموضوع، على حد تعبير خليد السودي، يكمن في الحالات التي يكون فيها المستفيد شركة كبرى أو شركة أجنبية، وهو ما «يفرض بإلحاح إلزامية التفكير في إقرار آليات لاسترجاع أموال الدعم الموجه مبدئيا لدعم القدرة الشرائية للفئات الأقل يسرا». المراقبة الغائبة يؤكد نجيب بنعمور أن أمر الشركات، التي تدخل المواد المدعمة في عمليات إنتاجها، سواء كانت مواد أولية أو وسائل إنتاج، محسوم، فالقانون يلزم، وفق المدير العام لصندوق المقاصة، هذه الشركات بإرجاع أموال الدعم التي استفادت منها إلى خزينة الدولة. غير أن هذه القاعدة القانونية لا تسري على جميع الشركات في المغرب. إذ تتحكم في هذه العملية عوامل عديدة قد تدفع الدولة إلى إعفاء قطاعات معينة من إرجاع أموال الدعم. ومن أهم هذه العوامل، يذكر الخبير الاقتصادي، إدريس بنعلي، «رغبة الدولة في دعم وتقوية تنافسية المقاولات المغربية». وفي هذا السياق، يندرج إقدام الحكومة، استنادا إلى المدير العام لصندوق المقاصة، على إعفاء الشركات المنتجة للبسكويت والحلويات المعلبة من إجبارية إرجاع حجم الدعم الموجه إلى كمية السكر، الذي تستخدمه في صناعة منتوجاتها.هذا النوع من الشركات تضرر كثيرا من اتفاقيات التبادل الحر العديدة التي وقع عليها في المغرب في السنوات الأخيرة. ولولا إعفاء هذه الشركات من إلزامية إرجاع أموال الدعم، لكان المغرب فقدَ، حسب نجيب بنعمور، جميع مقاولاته الناشطة في قطاع صناعة البسكويت بعد أن استقبلت السوق المغربية في إطار اتفاقيات التبادل الحر الموقعة مع أكثر من دولة أنواعا من البسكويت أرخص بكثير من المصنع محليا. «لم تكن هذه المقاولات لتستطيع الوقوف في وجه منافسة المنتوجات الأجنبية لو بقيت مطالبة بإرجاع حصة الدعم المخصص للسكر الذي ستخدمه في مصانعها إلى خزينة الدولة» يقول المدير العام لصندوق المقاصة. ورغم أن إدريس بنعلي ومحللا اقتصاديا آخر، التمس عدم ذكر اسمه لأسباب مهنية، أجمعا على أن من «الناحية المبدئية، ينبغي عدم ترك المجال مفتوحا أمام الشركات للولوج إلى مزايا نظام الدعم المفترض فيه أنه موجه لدعم القدرة الشرائية للفقراء، فإنهما أكدا أن بلوغ هذا الهدف يبقى صعبا ومعقدا من الناحية العملية.فإذا كانت الدولة تعتقد بأنها تعين بفضل نظام الدعم بعض الشركات على تقوية تنافسيتها، خصوصا تلك التي تشكل الطاقة والسكر حيزا هاما من موادها الأولية أو وسائل إنتاج رئيسية، فإنه لا ينبغي، حسب بنعلي، «التهجم على الشركات، وإن رصدت حالات شركات كبرى ضمن قائمة الشركات المستفيدة من الدعم». حلول مؤجلة «الإشكالية معقدة للغاية» يقول بنعلي في تصريحات أدلى بها ل«المساء»، قبل أن يتساءل: «هل أوجد أحد ما حلا لهذه الإشكالية؟». يجيب بنفسه عن هذا السؤال بالنفي القاطع. ويكمن التعقيد، حسب بنعلي دائما، في كون «صانع القرار» يجد نفسه بين مطرقة الخوف من الانعكاسات الكارثية على تنافسية المقاولات المحلية في حالة قطع أنبوب هذا الدعم عنها، وسندان شبح أن تغلق مصانعها نتيجة للخسائر التي قد تتكبدها في حالة ما اضطرت إلى اقتناء حاجياتها الطاقية، على سبيل المثال، بأسعارها الحقيقية بدل اعتماد التعريفة المدعمة. الوضعية تزداد تعقيدا في ظل ضعف الحلول المتاحة من الناحية الإدارية في ظل عدم وجود ميكانيزمات لتحديد المقاولات التي تستحق فعلا الاستفادة من نظام الدعم من عدمها. غير أن أستاذا جامعيا للاقتصاد، التمس عدم ذكر اسمه، يرى أن الإشكالية الكبرى لا تكمن بالأساس في صعوبة تحديد المقاولات التي يحق لها أن تستفيد من أموال المقاصة، ولكن تمتد أيضا لتشمل غياب آليات لتحديد سقف الاستفادة على مستويين: سعر الوحدة وإجمالي الوحدات التي يمكن أن تستفيد منها كل مقاولة. وإذا كانت استفادة الشركات الناشطة في قطاعات ذات علاقة مباشرة بالقدرة الشرائية للأسر بديهية، حسب بنعلي، فإنه أكد على استعجالية حرمان الشركات، التي تسوق منتوجاتها محليا، وفي مقدمتها الشركات الأجنبية، من أموال المقاصة. مقابل ذلك، تُقَرُّ آليات تشريعية تجعل الاستفادة من الدعم حكرا على الشركات الناشطة في مجال التصدير لتقوية تنافسية المنتوجات المغربية في الأسواق الدولية. وقال بنعلي إن «أكثر الاقتراحات نجاعة تتمثل في حصر الدعم في الشركات التي تنشط في مجال التصدير للحفاظ على تنافسيتها في الأسواق الدولية، وبالتالي دعم الصادرات المغربية، وفي المقابل، العمل على قطع أنبوب الدعم عن الشركات التي تتوجه إلى السوق الداخلية، وفي مقدمتها الشركات الأجنبية التي تصنع منتوجات تتولى تسويقها محليا». غير أن هذه العملية ليست بهذه السهولة. ففي حالة حرمان بعض الشركات من الاستفادة، فإن الدولة لن تضمن توفر سلع وبضائع، وإن لم تكن مدعمة، بأسعار لا تلحق ضررا كبيرا بالقدرة الشرائية للمواطنين. ثمة إكراه آخر يتمثل في غياب الآليات التي ستضبط هذه العملية. ورغم أنه «ليس هناك أي خلاف من الناحية المبدئية على ضرورة حرمان بعض الشركات، خصوصا الأجنبية من أموال الدعم عبر صندوق المقاصة، فإن الإشكالية الحقيقية تكمن في عدم وضوح الآليات الكفيلة ببلوغ هذا الهدف» يقول بنعلي. هناك حل عملي آخر يتجسد في أن تعمد الدولة إلى إلغاء نظام المقاصة وتتوجه إلى إقرار نظام دعم مباشر على غرار بعض الدول في أمريكا اللاتينية، وفي مقدمتها البرازيل. غير أن متتبعي شؤون نظام الدعم في المغرب يستبعدون أن تقدم الحكومة المغربية على خطوة من هذا القبيل. وأكثر المتفائلين يتوقعون أن تلجأ الحكومة المقبلة إلى إصلاح جريء لصندوق المقاصة، في حين يتوقع آخرون، أقل تفاؤلا، أن يجد أولى حكومة في العهد الدستوري الجديد صعوبات كبيرة في حل إشكالية اسمها صندوق المقاصة. نجيب بنعمور، المدير العام لهذا الصندوق، نأى بنفسه عن المسؤولية، ورمى بالكرة في ملعب الحكومة المقبلة.
هل يجب أن يرجع الأغنياء أموال الدعم التي يستفيدون منها إلى خزينة الدولة؟ اعترف نجيب بنعمور، المدير العام لصندوق المقاصة، بأن الفقراء أقل الفئات استفادة من نظام الدعم في المغرب. وفسر بنعمور هذا الأمر بضعف القدرة الشرائية لهذه الفئة الاجتماعية الأقل يسرا. فالأغنياء، وفق المدير العام لصندوق المقاصة، يتمتعون بقدرة شرائية قوية لوفرة مداخيلهم، مما يرفع حصتهم من أموال الدعم، وفي المقابل، تكون القدرة الشرائية للفئات المعوزة ضعيفة، مما يضعف حصتهم من أموال موجهة إليهم من الناحية المبدئية. وإذا كان بنعمور استنجد بقوانين الاقتصاد لتبرير هذا المعطى، فإن خليد السودي قال إن «هذه الوضعية غير مقبولة»، ودعا إلى «مراجعة منظومة الدعم على نحو يضع الفقراء في طليعة المستفيدين منها». وتبين الأرقام المتوفرة فارقا كبيرا بين الفقراء والأغنياء على مستوى الاستفادة من أموال الدعم. الإحصائيات المتوفرة تقدر استفادة الفرد في الفئات الأقل يسرا، أي الفقيرة، بما لا يزيد عن 280 درهما، مقابل ما يناهز 885 لدى الفرد في الطبقات الميسورة. وذهب السودي أبعد من ذلك، حيث طالب بضرورة إقرار آليات قانونية وإجرائية تجبر الأغنياء على إرجاع أموال المقاصة التي يستفيدون منها إلى خزينة الدولة. ومن شأن هذه الأموال، في حالة استعادتها، أن تشكل، حسب السودي، ميزانيات لا يستهان بها ستتيح فرصا إضافية لخلق برامج جديدة للقضاء على الفقر ومحاربة الهشاشة وإقرار المساواة الاجتماعية. كما يمكن أن توظف هذه الأموال للنهوض بالقطاعات الرئيسية، خصوصا التعليم والبنيات التحتية.