رسم عدد من الحقوقيين المغاربة صورة قاتمة عن حقوق الإنسان بالمغرب، وأكدوا وجود «تراجعات خطيرة» قد تعيد استنساخ ما شهده المغرب في سنوات الرصاص بفعل استمرار القمع السياسي والاجتماعي، وتكريس الدولة لمنطق الإفلات من العقاب. وأجمع المشاركون في فطور مناقشة، نظمته هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لتحليل «راهن الوضع الحقوقي ومآل توصيات الإنصاف والمصالحة»، على أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بقيت في إطار النوايا الحسنة بعد أن تجاوزتها الانتهاكات الأخيرة التي قامت بها الدولة، مثل ما حدث في سيدي إفني. وأكد عبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن هذا الوضع يبقى أمرا طبيعيا في ظل عدم العمل بمبدأ المساءلة، والحد من الإفلات من العقاب، الذي مازال يشكل نقطة ارتكاز في المنظومة السياسية والاقتصادية بالمغرب. وأضاف أمين أنه «لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في ضل الدستور الحالي الذي امتد لعقود، والذي يكرس الإرادة السياسية الموجودة لدى جهات عليا ومتوسطة، في تغييب المساءلة، واستمرار نهب المال العام والعقار، والتملص الضريبي، والقمع»، وأكد أنه «لن يكون لدينا قضاء عادل في ظل دستور غير ديمقراطي»، معتبرا أن مشكل القضاء مرتبط بوضع الدولة والدستور. وأضاف أمين أن هيئة الإنصاف والمصالحة جاءت «كرد ناقص» على مطالب الحركة الحقوقية، لرغبة السلطة في معالجة هذا الملف «بالمقدار الذي لا يمس بالنظام المخزني»، بعد أن تعمدت التوصيات التي أصدرتها الهيئة «عدم معالجة أسس الاستبداد السياسي، والجمع بين سلطة الدين والدولة في يد واحدة». من جهة أخرى، طرح محمد الساسي، الأستاذ الجامعي، مجموعة من التساؤلات من بينها: هل هناك اختيار نهائي وحاسم في المغرب لحماية حقوق الإنسان؟ وهل عمل الهيئة جاء في سياق الانتقال الديمقراطي فعلا؟ واعتبر الساسي أن الانتقال الديمقراطي في المغرب أصبح «معلقا»، بعد أن أحس أحد الأطراف الذين ساهموا فيه بأنه «خذل»، في إشارة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، وأن كلمة الانتقال الديمقراطي بدأت تفقد مصداقيتها، وهو ما تؤشر عليه بلاغات القيادات السياسية بخصوص حزب الهمة، إضافة إلى طريقة تشكيل الحكومة الحالية، وحق الوزير الأول في اقتراح الوزراء. وأضاف الساسي أن المغرب يعرف توجها سياسيا لتأديب الحركات الاحتجاجية، التي يتعامل معها النظام «كنوع من الشذوذ، والخروج عن الطاعة»، وأعطى نموذج أحداث صفرو وسيدي إفني، وأكد أن الدولة مارست «التعذيب المنهجي» في حق السكان. وأوضح الساسي أن الحديث عن استرجاع ثقة المواطن حديث لا أساس له، أمام العزوف الانتخابي الذي عرفته الانتخابات التشريعية، وفي ظل تكريس النظام العرفي على حساب القانون الذي تم خرقه في أكثر من مرة، بعد أن أصبح لدينا في المغرب أربعة أصناف من الوزراء. وأشار الساسي إلى طريقة تعيين الضحاك على رأس الأمانة العامة للحكومة، ورئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، وكذا تصريح الوزير الأول عباس الفاسي، الذي اعتبر فيه أن الوزراء غير المنتمين يمثلون المجتمع المدني. وأكد الساسي أن خطاب العرش الأخير حسم في مصير التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، وكان بمثابة «خارطة طريق» للسنوات الثلاث المقبلة، بعد أن تكلم عن الحكامة التدبيرية عوض الحكامة التأسيسية، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى وجود نية في إصلاح دستوري. كما اعتبر الساسي أن «اعتذار الملك عما ارتكبه النظام لن يكون كافيا» في غياب الضمانات التي تحول دون تكرار ما حدث في الماضي، والذي «مازال يحدث، سواء في إطار ما سماه ب«الحرب المقدسة على الإرهاب» أو في مناسبات أخرى. وأشار الساسي إلى استمرار الحرب ضد الصحافة المستقلة، وغموض المفهوم الجديد للسلطة أمام انزياح رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عن مهامها، وتحولها إلى مدع عام للدولة. وفي مداخلته، أكد مصطفى الريسوني، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وجود «بؤر للمقاومة» تؤثر على المسار الصحيح لحقوق الإنسان بالمغرب، وهي البؤر التي لها «جنود ظاهرون ومتخفون، منهم من كان يساهم في تسيير دفة الحكم في الماضي ومازال إلى حد الساعة يتقلد مسؤوليات مهمة». وأشار الريسوني، الذي كان يتحدث بصفة شخصية، إلى «استمرار عقلية المخزن، ووجود تناقض صارخ بعد أن تم تعويض الذين اعتقلوا وعذبوا في الماضي بأموال الشعب، في الوقت الذي مازالت فيه الدولة تمارس نفس الوسائل عن طريق القوة العمومية»، وكذا استمرار خرق القواعد المتعلقة بالحراسة النظرية، والاختطافات، وطالب الريسوني بتوحيد الجهود من أجل العمل على تحويل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة إلى برامج، وإحداث قطيعة مع الماضي.