كانت هناك دائما تحفظات على تمكين الإسلاميين من الوصول إلى قيادة الحكومة أو المشاركة فيها، بدعوى أنهم يُشكّلون خطرا على المكتسبات الديمقراطية ويسعون إلى أسلمة السلطة والمجتمع.. وقد كان هذا التحفظ يُشكّل قاسما مُشترَكا يجمع بين الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والنخب التي تعتبر نفسها ديمقراطية وحداثية، وهو التحفظ الذي دفع النخبة العلمانية، المتحالفة مع الجيش، إلى الانقلاب على صناديق الاقتراع التي كانت قد منحت الفوز للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر سنة 1991، وهو التحفظ الذي دفع إلى الاتفاق على الحضور القوي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. لم يشكل المغرب استثناء في ما يتعلق بهذا التحفظ، وإنْ شكل استثناء على مستوى السماح للإسلاميين المعتدلين بالعمل السياسي في إطار حزب سياسي قائم، وهو الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، التي تحولت، في ما بعدُ، إلى حزب العدالة والتنمية، كما سمح، سنة 2005، بتأسيس حزب البديل الحضاري، قبل أن تقرر حكومة عباس الفاسي حله في سنة 2008. لقد دفع التقدم الكبير الذي حققه حزب العالة والتنمية في اقتراع 7 شتنبر 2007، حيث احتل المرتبة الأولى على صعيد الأصوات والمرتبة الثانية على صعيد المقاعد، إلى ظهور تيار سياسي عبّر عن نفسه من خلال حزب الأصالة والمعاصرة، الذي نهج إستراتيجية تروم عزل حزب العدالة والتنمية سياسيا وإضعافه انتخابيا. لقد فتح الربيع العربي ملف مشاركة الإسلاميين من جديد، بفضل هذه التحولات التي عصفت بأنظمة قائمة في المنطقة العربية لتغيير «قواعد اللعبة»، وهكذا منحت انتخابات المجلس التأسيسي في تونس حزب النهضة المرتبة الأولى ب40 في المائة من المقاعد. كما أن الإصلاحات التي دشّنها الملك محمد السادس في المغرب، من خلال خطاب 9 مارس 2011 وأفضت إلى اعتماد دستور جديد، أسست لقواعد لعبة سياسية جديدة، ودفع الإعلان عن إجراء اقتراع لانتخاب الغرفة الأولى كثيرا من القوى إلى إبداء تحفظاتها من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، وبدأ استخدام الفزاعة الإسلامية من جديد، في محاولة ل»تخويف» الرأي العام من الإسلاميين. الآن، وقد جرى اقتراع 25 نونبر وعُرِفت النتائج وتَبيَّن أن حزب العدالة والتنمية تَصدَّر نتائج الانتخابات التشريعية بفارق مريح على منافسيه وما يستدعيه ذلك من تكليف هذا الحزب بتشكيل الحكومة حسب مقتضيات الدستور الجديد.. وبصرف النظر عن القراءات التي يمكن إنجازها لنتائج اقتراع 25 نونبر وبعيدا عن تكرار ما يقوله الكثيرون عن تكرار السيناريو التونسي في المغرب، وهو تكرار غير ممكن، نظرا إلى اختلاف السياقات، فإن ما يمكن تسجيله كخلاصة عامة هو انهيار تلك الأطروحة التي حاولت باستمرار توظيف الفزاعة الإسلامية للاستحواذ على الساحة السياسية وإقصاء منافسيها. تتجلى الآن تعبيرات نهاية الفزاعة الإسلامية من خلال ثلاثة مظاهر أساسية: أولها هذا العدد الكبير من الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية بما يفيد أن كل الجهود التي بُذِلت ل»شيطنة» هذا الحزب لم تجد صدى لدى غالبية الرأي العام المغربي. وثانيها تكليف هذا الحزب بتشكيل الحكومة، وهو تكليف يُشكّل منعطفا تاريخيا يُذكّرنا بتكليف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1998 بتشكيل حكومة التناوب التوافقي. وثالثها هذا التطبيع مع حزب العدالة والتنمية، الذي سيتحالف، في غالب الأحوال، مع أحزاب الكتلة، حيث «يتعايش» حزب محافظ مع حزبين يساريين. إن حزب العدالة والتنمية، الذي منحه اقتراع 25 نونبر الصدارة، يدخل مرحلة جديدة تفرض عليه النظر بشكل جدي في طبيعة التزاماته تجاه الكتلة الناخبة، كما تفرض عليه تدبير تحالفاته بشكل يجعله منسجما مع طبيعة مواقفه المعلن عنها في السابق. إن الجميع يعلمون أن حزب العدالة والتنمية كان عرضة للاستهداف، رغم ما بذله من جهد لطمأنه العديد من الجهات، خاصة أن تيارا استئصاليا كان يعمل على خلط الأوراق، في محاولة للانفراد باتخاذ القرار. لقد أنهى اقتراع 25 نونبر، بشكل واضح، مبررات هؤلاء الذين وظّفوا الفزاعة الإسلامية، غير أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، فالأكيد أن التيار الاستئصالي سيراهن على الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها مناضلو حزب العدالة والتنمية.. أخطاء قد تكون غير مقصودة وقد تُضخَّم من قِبَل الخصوم، فحزب العدالة والتنمية الآن سيكون في موقع اختبار، وبالتالي فهو الذي سيجسد بالملموس، من خلال سلوكه، نهاية الفزاعة الإسلامية أو سيمنحها نفَساَ جديدا، إن لم يتحكم في قواعد اللعبة.. والكرة، في جميع الأحوال، هي الآن في ملعب حزب العدالة والتنمية.