– ما هي حقيقة اتهام عناصر من البوليساريو بالإرهاب عموما والارتباط بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي؟ < خلال السنة الجارية، أدان القضاء الجزائري بعض الشباب الصحراوي بتهمة الانتماء إلى قاعدة المغرب الإسلامي على خلفية توفير بعض المتفجرات للجماعات السلفية المتطرفة. وخلال شهر يوليوز الأخير، قامت الجزائر والبوليساريو بحملة اعتقالات واسعة في صفوف شباب اتهموا بالتعاون مع جماعات متطرفة. إلا أن اللافت في هذه الاعتقالات الأخيرة، التي شملت مجموعة المدعو منصور ولد لمين والتي اعتقل أغلب عناصرها من مخيم ولاية الداخلة، هو إقدام البوليساريو على تسليم عدد كبير من المجموعة المتهمة على خلفية الانتماء إلى جماعات متشددة إلى الجزائر عشية زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة. وهي خطوة اعتبرت من طرف عدد كبير من المراقبين سعيا حثيثا من طرف جبهة البوليساريو لتقديم نفسها كأحد الأركان المنخرطة دون هوادة في السياسة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، من جهة، وهي، من جهة ثانية، هما خطوة لمواجهة الاتهامات التي تعتبر أن استمرار النزاع من الصحراء، مع ما يترتب عنه من وجود مكثف للسلاح والخبرات المدربة مقابل ارتفاع درجة اليأس من إمكانية الوصول إلى حل في الأفق القريب، لا يمكن إلا أن يغذي تربة تفريخ التطرف والارتماء في أحضان الجماعات «الإرهابية». وبعيدا عن أي تأويل سياسي لما يسمى الإرهاب، وحتى لا نتهم أحدا بدون أدلة، أعتقد شخصيا أن أهل الصحراء بشكل عام تميزوا على مدى العصور بالاعتدال والتوسط. وأعتقد أن طبيعة وثقافة الصحراء ساهمت بشكل كبير في الانتصار لسبل التيسير في الدين عوض الغلو والتشدد، إلا أن الصحراء في نهاية المطاف ليست معزولة على ما يجري في العالم من تحولات جارفة، فإيديولوجية السلفية الجهادية، التي تتميز اليوم بجذب كبير للشباب على الخصوص، تستفيد بطبيعة الحال من إخفاق كل المشاريع السياسية العربية والإسلامية، كما تستفيد مما يجري من قهر وبطش بفلسطين والعراق، فضلا عن فشل مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وما راكمته من شعور بالإحباط والحكرة في صفوف الشباب على الخصوص. إن الانتماء اليوم إلى عقيدة الجهاد أو إلى القاعدة يشكل مخرجا وملاذا لدى العديد من الشباب لمواجهة القهر والتسلط. من هذا المنطلق وبهذا المعنى، يصبح النزوع السلفي الجهادي لدى الشباب بالصحراء أمرا طبيعيا وواردا، علما بأن هذا النزوع إن كان لديه ما يغذيه ويفسره في التحولات الدولية الكبرى، فإنه بكل أسف وبفعل الصراع السياسي في المنطقة ورغبة من كل طرف في توظيفه لصالحه وصالح المنظومة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، يمكن لهذه الظاهرة أن تخرج عن السيطرة والتأويل السياسي. لذلك فإنني شخصيا أخشى من أي لعب بالنار في هذا الموضوع بالذات. – وكيف تقرأ قيام جبهة البوليساريو، من جهة، والسلطة الجزائرية، من جهة ثانية، بمحاكمة لاجئين بمخيمات تندوف في قضايا ترتبط بالإرهاب؟ < كما قلت سابقا، فإن سعي جبهة البوليساريو والجزائر إلى محاكمة بعض الشباب الصحراويين على خلفية الانتماء إلى القاعدة وبغض النظر عن البيانات والأدلة المقدمة ضد هؤلاء الشباب، الذين تم تسليم بعضهم إلى الجزائر عشية زيارة رايس للمنطقة، يطرح أكثر من علامة استفهام، ويؤكد الاعتقاد السائد لدى بعض المتتبعين بأن الخطوة الأخيرة للبوليساريو والجزائر، على الأقل، لم تكن إلا هرولة نحو الانخراط في المنظومة الأمريكية لمحاربة الإرهاب ودفع التوجس من إمكانية تحول الوضع بالمخيمات إلى مصدر مغذ للتطرف... – وما هو تأثير ما يحدث بموريتانيا على نشاط القاعدة بالمنطقة خاصة في ظل الوضع الأمني القائم بالمثلث الحدودي والمناطق التي تسميها البوليساريو بالمحررة؟ < أعتقد أن المسألة تتجاوز المثلث الحدودي، ذلك أن الخط الممتد من شمال موريطانيا إلى شمال مالي وجنوبالجزائر مرورا بشمال النيجر وتشاد وصولا إلى دارفور، يمكن الحديث فيه عن «بلاد السيبة»، ذلك أن السلطة الفعلية في هذا الخط الساخن تعود بالأساس إلى حركة التهريب بكل أشكاله، فالمهربون هم حراس المنطقة بامتياز. والملاحظ أن هناك تماسا وتعاونا خطيرا بين حركة التهريب وبعض الجماعات المتشددة التي تمول أنشطتها من مداخيل التهريب، مع التذكير بأن هذا الخط الذي يكاد يشق إفريقيا من الغرب إلى الشرق يمر بالعديد من مناطق التوتر، بدءا بالصحراء حيث جبهة البوليساريو، ثم مالي حيث حركة التمرد بالشمال، ونفس الشيء بالنيجر والتشاد، وصولا إلى أزمة دارفور بالسودان. هذه النزاعات تجعل الخط يعرف رواجا كبيرا في تجارة السلاح والبشر والمخدرات بجميع أشكالها ويشكل إلى ارتفاع جحافل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء وانسداد الأمل في إمكانية العبور إلى أوربا وارتفاع معدلات الفقر بالمنطقة وسعي الغرب الدائم للتحكم في هذه المنطقة باعتبارها خزانا للطاقة والمعادن وما يترتب عن هذا السعي من صراع وتنافس بين الدول على خيرات المنطقة، عوامل لا يمكنها، مع كل الأسف، إلا أن تهييء تربة خصبة للتطرف باعتبارها الطريق الأوحد لمواجهة المخططات الغربية. على هذا الأساس، فإن الاستقرار في موريتانيا شرط أساسي لمواجهة مد التطرف والإرهاب، خصوصا وأن ما جرى في السنوات الأخيرة من إنهاك للسيادة الموريتانية يعتبر، في تقديري، جزءا من مخطط يهدف إلى خلق صومال جديدة بالغرب الإفريقي. وأعتقد أن هذا المخطط إذا لم يجد ما يكفي من سبل المواجهة سوف لن يدخر جهدا في ضرب موريتانيا في أهم مقوماتها ألا وهو المقوم الهوياتي القائم على التساكن بين الزنوج والبيضان.. وبالتالي إيجاد أرضية أخرى لنزاع شبيه بنزاع دارفور. وغير خاف أن المستفيد الوحيد من هذا الوضع هو طموح الغرب إلى السيطرة على مقدرات البلاد وبعض النزوعات الظلامية التي تقدم نفسها بديلا لمواجهة الغرب. * خبير في الشؤون الصحراوية