العثور على كنز مدفون في البيت أو الحديقة أو أي عقار آخر حلم يراود كثيرين ممن لا يرون طريقة أخرى للكسب والاغتناء، هذا الحلم أو الرغبة في الاغتناء يستغلهما كثيرون من حفظة القرآن، أو ممن ينتحلون صفة حفظة القرآن، من أجل النصب والاحتيال على بعض السدج الحالمين بالعثور على كنز ينقلهم إلى نادي الأثرياء. خسائر الضحايا قد تفوق في بعض الأحيان 100مليون سنتيم، مما يجعل عبد الرحيم محظوظا مقارنة بضحايا آخرين، حيث لم تزد خسارة هذا الفلاح الحالم بالكنز 20 مليون سنتيم، وكان بالإمكان أن تكون أقل لو لم يكن هذا الفلاح البسيط ساذجا حين أراد من ضيعته الفلاحية بقرية تكاض بجماعة سيدي بيبي إقليم شتوكة أيت باها أن تنبت له كنزا عوض الخضر التي يجنيها منها. كان عبد الرحيم يمارس تجارته كعادته في بيع الخضر بسوق الأحد بأكادير حين توصل بمكالمة من شخص ادعى أن اسمه عبد الله، وأنه فقيه من منطقة ورززات وأنه عالم يمارس التدريس بمدرسة عتيقة بورززات، مخبرا إياه بأن كنزا ثمينا مدفونا بضيعته بمنطقة تكاض، وأنه علم بهذا الأمر عن طريق أحد طلبته الذي أخذ عينة من تربة ضيعته، وبعد دراستها اكتشف أن هذه الأرض تخفي في أعماقها كنزا مدفونا بها منذ قرون، وعرض عليه مساعدته إن شاء الاستفادة من الكنز المزعوم فقبل الضحية، إذاك أخبره الفقيه بأنه سيبعث إليه طالبه المذكور ليعينه على استخراج الكنز شرط اقتسام الغنيمة واستفادة الجميع، وقبل عبد الرحيم أيضا هذا الشرط . لم ينتظر عبد الرحيم طويلا حلول صاحب المفتاح السحري الذي سينقله إلى نادي الأثرياء، حيث اتصل به بمحله بسوق الأحد شخص ادعى أن اسمه عبد الرحمان، وزعم أنه تلميذ الفقيه عبد الله من ورززات وأنه بعثه إليه ليعينه على استخراج الكنز المدفون بضيعته، لكن الأمر يتطلب انتظار حضور الفقيه إبراهيم من مدينة الرباط، وادعى أنه ذو حنكة وتجربة وصاحب خوارق ومهارات في مجال استخراج الكنوز، حيث حضر فعلا في اليوم الموالي والتقاه الفلاح عبد الرحيم والفقيه عبد الرحمان بالمحطة الطرقية بإنزكان، واتجهوا جميعا صوب دوار تكاض حيث يوجد مسكن الفلاح وضيعته. وبعد تناول العشاء انطلق الجميع نحو الضيعة، ودخلوا جميعا إلى غرفة الحارس، وبعد خمس عشرة دقيقة خرج عبد الرحمان وحده يصول ويجول في الضيعة حوالي نصف ساعة وعاد إلى الغرفة حيث يتناول الفلاح والفقيه إبراهيم الشاي ليخبرهما بأنه تمكن من تحديد مكان وجود الكنز، وقام على الفور إبراهيم من مكانه ليهنىء الفقيه عبد الرحمان على قدرته الخارقة في تحديد مكان الكنز في وقت وجيز، وأخبره أنه سيخبر أستاذه فقيه ورززات بنباهة تلميذه، بل وسيهنئه على تكوين هذا النوع من الفقهاء البارعين والضالعين، ثم غادر الإثنان الغرفة بعد أن طالبا الفلاح وحارس الضيعة بأن يلتزماها حتى لا يمسهما الجن، ثم أخذ فأسا وحفر المكان الذي حدده عبد الرحمان واستخرجا منه وجها لصنم مصنوع من الإسمنت قدماه للفلاح على أنه المفتاح الذي سيوصلهم إلى كنز مدفون بإحدى غابات أمسكروض ضاحية مدينة أكادير. الكنز والمقدم الذي ظهر فجأة في منتصف الليل وصل الفقيهان و«كنزهما» الفلاح إلى غابة أمسكروض، وبمجرد الشروع في الحفر في المكان الذي ادعيا أن مفتاح الكنز الذي عثر عليه بضيعة الفلاح دلهما عليه، فاجأهما حوالي ستة أشخاص أحدهما ادعى أنه مقدم الدوار وآخر ممثل إدارة المياه والغابات، وطالبهم المقدم المزعوم بمبلغ 20 مليون سنتيم لغض الطرف وعدم إخبار السلطة المحلية، ووعده براهيم خيرا واشترط المقدم توصله بالمبلغ قبل العاشرة صباحا، فوافقوا على طلبه شرط أن يغادر الجميع وتركهم يواصلون عملهم، ثم شرع الفقيهان في الحفر إلى أن استخرجا من الأرض صندوقا خشبيا مليئا بقطع نقدية من المعدن الأصفر وأربع ياقوتات وطلبا من الفلاح عدم لمس الكنز حتى لا يتلف، بعدها اتصل عبد الرحمان بفقيه ورززات المزعوم وطلب منه أن يبعث إليه على الفور بمبلغ 20 مليونا التي طلبها المقدم، وطلبا من الفلاح منح هذا المبلغ للمقدم لأن الأموال التي ستأتي من ورززات ستصل متأخرة والمقدم قد لا يطيق صبرا وستكون العواقب وخيمة إن هو أخبر السلطات، وفعلا، انتقل الفلاح على الفور إلى مدينة أكادير واستطاع بعد جهد أن يقترض المبلغ من مجموعة من أصدقائه ثم اتصل بالمقدم الذي التقاه والفقيه عبد الرحمان بنفس الغابة التي استخرج بها «الكنز». وبعد أن سلم المبلغ للمقدم طلب منه الفقيهان انتظارهما بأحد مقاهي قرية أمسكروض لنقل الكنز، وفي هذه المقهى طال انتظار الفلاح وحاول الاتصال هاتفيا بهما غير أن هاتف الاثنين معا كان غير مشغل، حينها فقط أدرك أنه وقع ضحية نصب واحتيال. أمام القضاء لم يستسلم الفقيه لقدره ولم يقبل الهزيمة ولم يكتف بوضع شكاية في موضوع ما تعرض له من نصب واحتيال من طرف عصابه الفقهاء المزعومين، ولم ينتظر ما ستسفر عنه جهود الشرطة القضائية، بل سعى إلى البحث عن هؤلاء النصابين، وتوصل فعلا بمعلومات مؤكدة عن مكان وجود الفقيه عبد الرحمان وأرشد الشرطة إليه، والتي تمكنت فعلا من إيقافه بمسقط رأسه بدوار ناور بمنطقة إشمرارن بنواحي إمينتانوت، واعترف الفقيه المزعوم بكل المنسوب إليه جملة وتفصيلا، مصرحا بأن مشواره الدراسي لم يتجاوز السنة الثالثة من التعليم الأساسي بعدها انتقل للدراسة بمسجد قريته إلى أن حفظ القرآن الكريم، ثم درس العلوم الفقهية بأحد المدارس العتيقة بتارودانت بعدها عمل إماما بعدة مساجد، وحدث أن تعرف على إبراهيم بمدينة إمينتانوت، وهو أيضا من حفظة القرآن لكنه ترك الإمامة واشتغل بالتجارة بمنطقة سيدي الطيبي نواحي مدينة القنيطرة. وبعد أن شكا له عبد الرحمان وضعه المادي المزري الذي لا يمكن أن يتحسن بالمردودية المادية الضعيفة لمهنته كفقيه، اقترح عليه إبراهيم مشاركته في عمليات النصب والاحتيال والتي يشرك فيها أيضا عدد من معارفه ممن يتقنون أدوارهم جيدا وينجحون في كل العمليات التي يجنون منها، حسب ادعائه، أموالا طائلة، مدعيا أنه لا يعرف كل أفراد العصابة وأكدا أن الفقيه إبراهيم هو من استقدمهم. لم يقنع سقوط عبد الرحمان وحده في فخ العدالة الفلاح الضحية، الذي استمر في جهوده للبحث عن بقية المتورطين، وكللت جهوده بالنجاح بعد أن توصل بمعلومات تفيد بأن الفقيه المزعوم إبراهيم هو من مواليد دوار إداومرزوك في إقليم شيشاوة، فاتجه صوب هذا الدوار، حيث التقى فيه فعلا ابراهيم، الذي ترجاه وتوسل إليه بعدم تقديم أية شكاية ضده مقابل إرجاع المبلغ كاملا بعد مهلة قصيرة، فأوهمه الفلاح بقبول طلبه لكن طلب منه بدوره تسليمه على الأقل نسخة من بطاقته الوطنية التي تحمل عنوان المنزل الذي يقطن به بسيدي الطيبي بالقنيطرة، هذه النسخة قدمها لشرطة أكادير التي أبرقت لشرطة القنيطرة التي أوقفت إبراهيم وسلمته لشرطة أكادير، التي اعترف أمامها بكل المنسوب إليه جملة وتفصيلا، إذ أفاد بأنه تلقى مكالمة هاتفية من عبد الرحمان الذي حصل على رقمه الهاتفي عن طريق فقيه صديق وطلب منه مساعدته في عملية نصب على أحد الأشخاص مقابل مبلغ مغر، والتقيا فعلا بمدينة إنزكان وشرح له عبد الرحمان تفاصيل الخطة مخبرا إياه أنه نسق لنجاح العملية مع حارس ضيعة الفلاح الضحية، مضيفا أن عبد الرحمان كان بمعيته في البداية شخص يدعى عبد الله قدمه إليه على أنه من علماء سوس لكن الأخير انصرف قبل ملاقاة الفلاح الضحية، مؤكدا أنه لا يعرف بقية أفراد العصابة بمن في ذلك الشخصان اللذان مثلا دور المقدم وممثل إدارة المياه والغابات .ورغم أن بحث الشرطة قد انتهى بإحالة إبراهيم على ابتدائية أكادير التي أدانته بسنة حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 10 آلاف درهم فإن العديد من علامات الاستفهام ماتزال عالقة بخصوص بقية أفراد العصابة الذين ادعى عبد الرحمان أنه وجد نفسه فقط متورطا معهم، وادعى إبراهيم نفس الشيىء، مضيفا أن عبد الرحمان هو من أخرج هذه المسرحية وهو من استقدم بقية الممثلين، وسيبقى السؤال مطروحا إلى حين استطاعة الفلاح العثور على ممثل آخر قد يكون ذاك الذي جسد دور المقدم أو عبد الله فقيه ورززات.