منذ زمن بعيد والمغاربة متأكدون من أن الهم الكثير يثير الضحك؛ وفعلا حينما تتكالب عليك الهموم من كل صوب فإنك تجد نفسك ضحية نوبة ضحك لا تفسير لها ولا تعليق عليها سوى «كثرة الهم كتضحك».. وموسم الانتخابات أشد الفصول إثارة لهذه النوبات الغريبة من الضحك. أما القنوات التلفزية فتقدم فكاهة تعجز عن تقديمها في مواسم أخرى، طبعا لأن الضحك الذي تثيره خطب الأحزاب يكون عفويا وقويا وهستيريا، وربما ينتهي ببضع دمعات على الخد من شدة «الفقصة» التي تصيب القلب والخاطر والشرايين. أحيانا، أتساءل ما الداعي إلى كل هاته الوجوه والخطب، وما الداعي إلى إعادة سرد نفس البرامج التي اجترتها الأحزاب لسنين طويلة دون نتائج..؟ هل قدرنا أن نصاب بعسر في الهضم بسبب البرامج التلفزية وتضاف لعنة البرامج الانتخابية والحوارية وتكرار برامج الأحزاب التي حفظها أجدادنا وبعدهم آباؤنا ثم نحن.. فأبناؤنا؟ لم نعد نحتاج إلى كلام سمعناه، وإلى وعود حفظناها، وإلى برامج حزبية لا تتذكرها الأحزاب نفسها إلا عند عتبة كل استحقاق جديد.. نريد أفعالا وحقائق ووقائع وأرقاما ونجاحات وإنجازات، نريد إحصاءات وجردا شفافا لما أنجز وما نهب، نريد أن تسموا الأشياء بمسمياتها وتضعوا نصب أعينكم، وأنتم تُضحكوننا بخطبكم الكاذبة وأسلوبكم الركيك، أنكم جعلتم البلد يتزعم آخر كل القوائم العربية والعالمية في التعليم والصحة والتنمية ويتصدرها في الرشوة والمحسوبية والدعارة.. لسنا في حاجة إلى أن تتعاقب أمامنا وجوه تحدثنا عن واقع نعرفه جيدا وتعدنا بمستقبل نعرف مسبقا كيف سيكون مادام قانون المحاسبة غير مفعّل وكل من استولى على منصب أو كرسي دافئ في البرلمان ينسى بسرعة ما الحاجة إليه ومنْ انتخبه ولمَ هو هناك.. المساءلة منعدمة، لذلك لا أحد يخاف أو يتعظ أو ينتبه، ولا أعتقد أن هذا الواقع المرير سيتغير دون قوانين صارمة زجرية تقيد من «حرية» المنتخبين، وتحرص على أن يقوموا بمهمة تمثيل المواطنين وخدمة مصالحهم بمسؤولية. العديد من المنتخبين لا يزورون الأحياء حيث يُنتخبون إلا عند كل موسم انتخابات، ومنهم من انتخب عدة مرات بشراء الأصوات والذمم دون حسيب ولا رقيب حتى أصبحت بعض الأحياء والمدن شبيهة بمستعمرات لبعض النواب والوزراء و«الشخصيات السامية».. لا شيء يسمو على الوطن وعلى الشعب وإرادة الشعب والملك في أن تلتزم الأحزاب ببرامجها ووعودها وأن تطبق ما تعهدت به تجاه الأمة، ولا تغيير إن لم يشمل البرلمان ومؤسسات الدولة، وطبعا إن لم يعِ المواطنون أهمية أصواتهم في المساهمة بتحسين أوضاعهم فيكفوا عن بيعها لتجار الذمم.. لقد تابعت الانتخابات اللبنانية قبل سنين، ثم الفرنسية والأمريكية والتونسية والوطنية، فعلا لكل بلد سياسيوه الأكفاء ومهرجوه، وهناك من يدفعه إلى فوق وهناك من يسحبه إلى الهاوية. ولأننا نؤمن بأننا أبناء بلد الاستثناء والتعدد، فيجب أن نتحد جميعا كي نطوي صفحة الزيف والاستغلال ونفتح صفحة أخرى شعارها انتخابات نزيهة شفافة، وسياسيون شرفاء وأحزاب حقيقية ومواطنون سواسية. هناك بعض الخطب لا تثير الضحك فقط، بل الامتعاض والاشمئزاز.. مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية، ركيكة جدا وبلا معنى.. من كتبها، ومن صححها، ومن سمح بعرضها على الملأ..؟ لست أدري..