الضحك عملية شديدة التعقيد وواحدة من وظائف القشرة الدماغية المتطورة . ويستلزم الضحك إدراكاً وحساسية للأمور التي تطرأ في حياة الإنسان ومعانيها ، ويحدث الضحك بعد حدوث إدراك معين يعمقه الاستدعاء والربط والتفسير ، ويؤدي الإدراك إلى انفعال يتحول إلى تقلص عضلات في الوجه وخصوصاً حول الفم مؤدية لشد الفم إلى الجانبين وتتكون تجاعيد السرور على جانبي الوجه وقد تتشكل حفرة صغيرة على كل من الجانبين معطية الوجه جمالاً خاصاً ، ومن ثم ينفتح الفم مظهراً الأسنان حسب شدة الضحك، ويرافق ذلك صدور صوت تختلف شدته من شخص لآخر ، وذلك بسبب خروج الهواء على شكل زفير من الحنجرة، واهتزاز الحبال الصوتية وعناصر الصوت الأخرى . إن خلاصة تقلصات العضلات الوجهية يؤدي لسحنة خاصة هي سحنة الفرح ، تشارك العينان في الضحك حيث تنهمر الدموع منهما تعبيراً عن شدة الفرح ، الأوعية الدموية تحتقن في الوجه و تمتلىء بالدم فتظهر حمرة الوجنات ، إن التوازن الهرموني يتبدل خلال الضحك وكذلك العمليات الإستقلابية ، إن الضغط داخل البطن يرتفع وقد يؤدي لانفلات المصرة البولية عند البعض وخصوصا إن كانت رخوة بالأصل والمثانة ممتلئة بالبول ، قد يتحرك الإنسان حركات معينة أثناء الضحك كأن يحرك يديه أو يصفق بهما أو يمسكهما ببعضهما و يضعهما أمام صدره أو قد يقفز فرحاً ، أثناء الضحك الشديد قد يدخل بعض اللعاب إلى الرغامي(شردقة) ويحدث السعال. في جامعة " كاليفورنيا " اكتشف العلماء جزءاً من المخ البشري يعتقد أنه مصدر الضحك عند الإنسان ، ونشرت تفاصيل هذا الإكتشاف في مجلة " نيتشر " العلمية البريطانية موضحة أنه عندما استخدم الأطباء المؤثرات الكهربائية على دماغ طفلة صغيرة تعاني من الصرع وجدوا أن التنشيط الكهربائي لجزء صغير من مخ الطفلة يجعلها تضحك باستمرار ، ويوجد ذلك الجزء في الجانب الأيسر من نصف المخ الأمامي بالقرب من المراكز التي تتحكم في الكلام والمهارات اليدوية ، واكتشف العلماء أيضاً أن الضحك يحدث عند إثارة غدة في حجم حبة الجوز في الدماغ وتقع أمام المنطقة الملحقة بالمنطقة التي تتحكم بحركة الجسم . أما كيف يستجيب الدماغ البشري للنكتة والدعابة فقد نجح فريق من العلماء في جامعات أميركية وبريطانية في التوصل إلى كيفية استجابة الدماغ للنكات والدعابات وقد بينت صور مسح الدماغ التي نشرت في مجلة " نيتشر " تنوع مناطق الدماغ التي تستجيب للنكات مثل تلك التي تعتمد على التلاعب اللفظي أو اللغوي ، وقام العلماء بمسح شامل لدماغ 14 متطوعاً أثناء إصغائهم لنكات متنوعة من أجل تحديد وفهم الأسباب البيولوجية لروح الدعابة عند البشر ، ويأمل العلماء أن تساعد نتائج البحث في تفسير سبب انعدام النكتة عند بعض الأشخاص بعد تلف جزء من دماغهم . وقد توصل العلماء إلى أن الإنسان المصاب بجلطة دماغية يقل لديه الإحساس بالنكتة لأن الجلطة تؤثر على الفصوص الأمامية السفلى من المخ ، وأكدوا أن هذا الجزء من المخ مرتبط بالقدرة على حسم الأمور العاطفية والاجتماعية والقدرة على التخطيط . وأكد الباحثون أن جميع أنواع النكات تثير منطقة في الدماغ تتحكم عادة في سلوك البشر الذي له علاقة بالمكافأة والجزاء ، وكلما ازداد نشاط هذه المنطقة ازدادت معها قوة النكتة حسب مقياس المشاركين واستنتج الباحثون أن أجزاء الدماغ التي تستجيب للنكات تتنوع حسب النكتة ، ولكن أدمغة البشر جميعاً تشترك في امتلاك جزء واحد مسؤول عن فهم النكتة ، وعند تلف هذا الجزء يفقد الإنسان روح النكتة ، وحديثاً توصل باحثون إلى أن الطفل الرضيع يبدأ فى الضحك بعد مرور (17) يوماً من ميلاده. و هذه الحقيقة تتعارض مع الدراسات السابقة التي تشير إلى أن الأطفال الرضع يبدؤون فى اكتساب مهارات الضحك عند بلوغ أربعة أشهر من العمر. ويشير العالم روبرت آر بروفين (Robert R. Provine) الحاصل على دكتوراه فى دراسة الضحك والتي استمرت لعقود إلى أن "الضحك يمتلكه كل واحد منا، فهو جزء من مجموع الكلام البشرى على مستوى العالم. يوجد الآلاف من اللغات ومئات الآلاف من اللهجات، لكن الكل يضحك بطريقة واحدة. فكل واحد بوسعه أن يضحك كما أن الطفل الرضيع لديه القدرة على الضحك قبل أن يبدأ فى تعلم الكلام، حتى الطفل الأصم أو الأعمى يحتفظ بقدرته على الضحك". ويستمر "بروفين" فى حديثه عن الضحك قائلاً: "أن الضحك شيء بدائي كما أنه تعبير غير واعٍ، وإن كان هناك إناس يضحكون أكثر من غيرهم فهذا من المحتمل رجوعه إلى العوامل الجينية". ولإثبات ذلك قام "بروفين" بالإشارة إلى دراسة اسمها "توأم جيجل"، وهما توأم من الإناث تم فصلهما منذ الميلاد لمدة أربعين سنة وعند التقائهما كانت لديهما قدرة على الضحك كبيرة وبدرجة متساوية، على الرغم من أن الآباء بالتبني كانت لديهم طبيعة صارمة غير محبة للضحك، ومن هنا أكد "بروفين" أن التوأم ورثا نفس الصفات الجينية من الضحك، كما يرثا أيضاً الاستعداد للضحك وربما تذوق والبحث عن روح الدعابة. ويرى الكاتب الإنجليزي كارلايل " أن الضحك هو المفتاح الذي يوصلنا إلى معرفة الإنسان على حقيقته ذلك أنه ليس أبلغ في الدلالة على أخلاق الإنسان من نوع ضحكته ومن التجعيدات والخطوط التي ترتسم حول فمه والانقلاب الذي يطرأ على سحنته . وأكد أحد كبار المسرحيين أنه لا يستطيع أن يعطي رأياً في ممثل قبل أن يسمعه يضحك لأن الضحكة على حد قوله أصدق مقياس لإخلاص الممثل لفنه . وما يجدر ذكره أخيراً أن الإنسان وحده يتميز بالقدرة على الضحك والبكاء بينما تستطيع بعض الحيوانات البكاء لكنها لا تضحك رغم ظهور أحاسيس المرح والفرح في سلوكها . وتتعدد الفرضيات والتفسيرات التي قدمها الفلاسفة والعلماء لموضوع الضحك .. ومنها : 1-الضحك هو ممارسة عدوانية في جوهرها حيث يحس الضاحك أن المضحوك منه أقل منه شأناً وأقل قيمة وفي ذلك استعلاء وشعور بالتفوق يعوض عن مشاعر النقص . وهذه العدوانية ليست مذمومة إلا حين تعمد إلى إيذاء مشاعر الآخرين وجرحهم .. وهي مقبولة في إطار الضحك والإضحاك ومتعارف عليها على أنها مزاح وفكاهة وليست جداً . وهذه الفرضية قديمة ولكنها مؤثرة وباقية وقد قال بها أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى فولتير وغيره . 2- الضحك ينشأ بسبب التناقض بين الشيء أو الأمر الحادث وبين ما اعتدنا أن يكون عليه . ويفسر ذلك أن الضحك ينتج عن المفارقة والتناقض وغير المتوقع أو المضخم أو غير المألوف أو سوء الفهم والتفاهم الاعتيادي . ويؤكد الفيلسوف الفرنسي برجسون هذه النظرية في كتابه النادر الضحك (عام 1924)، وأيضاً غيره من الفلاسفة. 3- الضحك ينشأ بسبب إرتخاء مفاجئ وتفكك مؤقت في مناطق الضبط النفسي بسبب التوتر والإحباط والعقد التي نحملها في داخلنا والتي تنتج عن ضغوط الضمير والقيم وغيرها من الضغوط ، ويأتي المثير الخارجي للضحك ليفتج المجال لإزالة التوتر والشحنات الانفعالية المتنوعة بداخلنا. وقد بين التحليل النفسي الفرويدي أن الضحك يشبه الحلم من حيث تحلله من القيم والممنوعات وأنه كلما زادت الضغوط كلما احتاجت تركيبتنا النفسية إلى التخفيف منها بعدة وسائل ومنها الأحلام والضحك . وفي ذلك نكوص مؤقت إلى مرحلة طفلية بما فيها من أحلام براقة وخيالات سعيدة جميلة . ويمكن أن يصبح هروباً من الواقع ومرضاً . كما يمكن أن يكون نضجاً وقوة ونوعاً من السمو الأخلاقي والذي يجعل الإنسان يواجه مواقف الحياة الصعبة بروح الهزل والاستخفاف وعدم الاكتراث. وسبب انفراد الإنسان بالضحك ،يعود إلى حقيقة أن الضحك عملية معقدة تحتاج إلى جهاز عصبي متقدم يستطيع التحكم في عضلات الوجه ، ويحركها عند الانفعال بسبب منظر مضحك أو نكتة طريفة ما يؤدي إلى انفتاح الفم وظهور الأسنان واختلاج عضلات الوجه .بينما لا يحتاج البكاء إلى أكثر من انسكاب الدموع من العينين . وقد استرعت ظاهرة الضحك اهتمام المفكرين والفلاسفة منذ أيام أرسطو وحتى يومنا ، هذا وأكد الباحثون أن الإنسان يستطيع بالضحك أن يستعيد ما اهتزت له نفسه من أحداث نزلت فهو يقاوم بحركة لا شعورية هذا الذي حل به من حدث أمضه وأزعجه بابتسامة أو ضحكة أو قهقهة في بعض الأحيان ، إنها عملية موازنة مُسَّير هو فيها لا مُخَّير. وقد يحفز استنشاق الإنسان لبعض المواد الكيميائية مثل الأكسيد النترى (Nitrous oxide) ويُطلق عليه أيضاً "الغاز المضحك" على إطلاق نوبات من الضحك الهستيري، آو للاعتماد على بعض العقاقير مثل الحشيش (Cannabis). وقد تتسبب نوبات الضحك القوية فى إفراز العين للدموع وبعض الآلام البسيطة فى العضلات كاستجابة لهذه الحالة الشعورية القوية. و يشعر الإنسان بالرغبة فى الضحك عندما يسمع نكتة ما، أو عندما يتعرض لموقف هزلي يحدث أمامه أو يقع فيه .. أو يضحك عندما يداعبه شخص بالملامسة الجسدية (الدغدغة ) في بعض الأماكن الحساسة من جسمه. وقد يكون الضحك نتيجة لوجود شخصية سادية تهوى التحكم وإيقاع الآخرين فى صدمات مؤلمة تحفزهم على الضحك العصبي. و الضحك جزء من السلوك الإنساني الذي ينظمه المخ، وتساعد هذه العاطفة الشعورية الإيجابية من الدرجة الأولى الإنسان على أن يوضح نواياه فى إطار التفاعل الاجتماعي. كما يتبلور بالضحك إحدى جوانب الاتصال والمشاركة مع الآخرين، فهو العلامة التي تشير إلى تواجد الإنسان فى المجموعة الاجتماعية كما أنه إشارة إلى قبوله للتفاعل الإيجابي بينه وبين الآخرين. قد يكون الضحك فى بعض الأحيان ظاهرة مُعدية، أي أن ضحك شخص قد يحفز على ضحك الآخرين من حوله. 4- الابتسام والمرح والضحك والبشاشة والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والكوميديا كلها تصدر عن طبيعة واحدة في النفس البشرية المتناقضة حيث تمل الجد والصرامة والعبوس وتبحث في الفكاهة عن منفذ للتنفيس عن آلامها وواقعها ولو مؤقتاً مما يعيد التوازن النفسي ويؤدي إلى أداء أفضل ، وهو استراحة واسترواح ، ونشوة تنتج عن تقبض العضلات وتفريغ التوتر الجسمي والنفسي . ويطرح بعض الأدباء والفلاسفة نظريات خاصة عن الضحك مثل : " إن الإنسان هو الأشد ألماً بين المخلوقات الأخرى لأنه يعي أنه سيموت ولذلك كا ن لابد له من أن يخترع الضحك " ( نيتشه الفيلسوف الألماني وقد مات منتحراً في سن الشباب ). ويقول مارك توين الكاتب الأمريكي الساخر : " إن روح الفكاهة ذاتها تجد مصدرها السري في الحزن لا في الفرح ، فليس هناك فكاهة في الجنة ". ويقول المعري " ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة وحق لسكان البسيطة أن يبكوا " . وبعض هذه الآراء اكتئابية ومتشائمة ولكنها تستحق التأمل والفهم . وفي الممارسة اليومية للطب النفسي نجد في حالة اضطراب المزاج المعروفة باسم الهوس أن مزاج المريض يكون منبسطاً مرتفعاً ومتفائلاً .. وهو يلعب بالكلمات ويغير من مدلولاتها بشكل مضحك وهو لايتوقف عن المزاح والمرح والضحك والإضحاك والتهريج الممتع ويمكن لمزاجه أن يتغير وأن يصبح اكتئابياً لمدة دقائق أو ساعات ثم يغلب المزاج الفرح والنشيط .. وهناك أشكال خفيفة من هذا الاضطراب أقل شدة .. كما نجد في حالات استعمال بعض المواد الإدمانية أن المريض يصبح منشرحاً ضاحكاً خيالياً .. ويدل ذلك على أن اضطراب كيميائية الدماغ بسبب مرضي ، أو بسبب تناول مواد ذات تأثير نفسي مزاجي ، يمكن أن يغير المزاج بشكل مرضي إلى الفرح المفرط والضحك والإضحاك ، مما يستدعي التشخيص والعلاج. كما يدل على أن الإنسان في توازنه واعتداله وصحته لايمكنه أن يكون مازحاً طوال الوقت أو فرحاً ومضحكاً .. وبالطبع يختلف الناس في شخصيتهم ومزاجهم وميولهم .. ومنهم معتدلون وأصحاء ومنهم مرضى ومنهم بين هذا وذاك . وتدل الدراسات على أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن لها أن تعدل المزاج وأن تخفف من التوتر والقلق .. كما أن مشاهدة البرامج المضحكة والأفلام الكوميدية مفيدة للصحة النفسية والجسدية . ويعتبر ذلك من الأساليب العامة العلاجية ، والتي لاتكفي في حالات الاكتئاب الواضحة . وأخيراً .. وكما هو واضح فإن فهم الضحك والفكاهة قد أثار العقول والأفكار بحثاً وصياغة لتفهمه ، وبالتالي لفهم الإنسان وانفعالاته وتفكيره .. ولايزال الإنسان ذلك المجهول .. ولابد من الاعتدال في أمور الضحك والفكاهة دون إفراط أو تفريط. إذا تتبعنا مفهوم الضحك عند الفلاسفة نجد أن الفيلسوف اليوناني أرسطو 384 – 322 ق . م قد حدد ثلاثة أنواع من الكوميديا : الكوميديا القديمة ، وهي التي تبالغ أو تسرف في عرض الأشياء المضحكة ، والكوميديا الجديدة التي تتجه نحو كل ما هو رفيع أو عظيم أو مهم ، والكوميديا الوسطية ، وهي التي تتوسط بين النوعين السابقين . وقد حرم أرسطو الضحك من المعوقين جسدياً أو عقلياً ، وتعرف على المبدأ الجمالي في الضحك واعتبره منشطاً للروح وملطفاً لحالتها المزاجية أما " هوبز " الفيلسوف الانجليزي فقد رأى أن الضحك نوع من الإعجاب بالذات والفخر والتباهي والبهجة المفاجئة ، ويعد " هوبز " المناصر الرئيسي الأقوى لنظرية التفوق والسيطرة في تفسير الضحك أما الفيلسوف " كانط 1724 – 1804 م " فقد قال " إنه تحول التوقيع الشديد إلى لا شيء يصاحب ذلك استرخاء في ذلك التوتر الجسمي الذي يتحول بدوره إلى راحة مفاجئة تسبب الضحك . " أما " شوبنهور 1788 – 1680 " أنه حيث توجد حياة جدية يوجد تناقض ، وحيث يوجد تناقض يكون الضحك موجوداً " ويوغل أكثر في التفسير فيقول : " الفكاهة أكثر إيلاماً من التهكم وأكثر توجهاً نحو الداخل. والشخص المتفكه شخص تسيطر عليه الذاتية والنزعة التشكيكية ، ومع ذلك يدرك جانب المعاناة في الوجود ، ويكون واعياً للمفارقة الخاصة باستحالة الحلول الوسطى" . أما فرويد " فقد اعتبر الفكاهة واحدة من أرقى الإنجازات النفسية للإنسان ، وميز بين النكتة العدائية التي تخدم أغراض التعبير عن العدوان ومهاجمة الآخرين وبين النكتة البذيئة التي تخدم الأغراض الخاصة بالاستعراض أو الكشف عن الرغبة وما يرتبط بها من مشاعر الخجل أو الذنب وكل ما هو فاحش ومقرف ، ويعتبر " فرويد " أن النكتة قناع عدائي يخفي الشخص وراءها كل حالات الإحباط والإخفاق الخاصة به .. فالنكتة تقدم رشوة " هدية " للمستمع وتمنحه متعة خاصة" . أما الفيلسوف " هنري برغسون 1859 – 1941 م " فيعد أول من حاول تفسير ظاهرة الضحك علمياً ، ويشرح دلالته وتعريفه وأنواعه ففي بحثه " دلالة المضحك " يؤكد " برغسون " أن الضحك من أهم الأسرار النفسية التي يمكن الإحاطة بها وتحليلها ".... كما يؤكد في مفارقة لما يصوره كثيرون : " أن الضحك عملية عقلية عقلية وليست وجدانية ، وأنه يتطلب إعمالاً للعقل ، ويعتبر الضحك مسألة إجتماعية تخضع للخصوصية الثقافية لكل مجتمع ... كما يحدد لنا الشروط المحيطة بعملية الضحك والأشكال المهمة والأساسية لهذه العملية " ويرفض هنري برغسون أن يوصف الضحك باللهو والعبث إذ يرى أن له معقوليته الخاصة حتى في أبعد فلتاته ... . ويؤكد برغسون ثلاث نقاط مهمة تحيط بعملية الضحك أولها : أنه لا مضحك إلا فيما هو إنساني . فالمنظر قد يكون جميلاً لطيفاً رائعاً ، أو يكون تافهاً أو قبيحاً ولكنه لا يكون مضحكاً أبداً ، وإذا ضحكنا من حيوان فلأننا وجدنا عنده وضعاً أو تعبيراً إنسانياً . والنقطة الثانية هي عدم التأثر الذي يصاحب الضحك عادة حيث لا يمكن للمضحك أن يحدث هزته وتأثيره إلا إذا أسقط على صفحة نفس هادئة تمام الهدوء منبسطة كل الإنبساط ، فالامبالاة هي الوسط المناسب له بينما الانفعال هو أشد أعدائه ، ولذلك نجد النفوس المتأثرة دائماً تهتز للحوادث بشكل عاطفي فقط ، ولا تعرف الضحك أو تفهمه . أما النقطة الثالثة فهي الاتصال أي اتصال العقل بعقول أخرى فنحن لا نتذوق " المضحك " في حالة الشعور بالعزلة لأن الضحك بحاجة إلى صدى لأن الصدى هو الذي ينمي الشعور بالضحك تدريجياً .. إن الضحك فن . والنكت فن . والحكاية الطريفة فن . وهذا الفن ترويح للنفس وراحة للأعصاب . فكل ما يجلب الضحك للنفس يجلب لها الراحة والمتعة !.. وهل يكفي ان تقول للشخص اضحك فيغرق في الضحك ويحقق لنفسه المتعة والبهجة والقوة والتفاؤل ؟!.. ان الضحك أسبابه وعوامله ودوافعه ، فقد نضحك لإشارة ، أو لنكتة ، أو لتصرف أو لحادثة أو لكلمة . وقد نضحك حتى لحادثة مؤلمة ، أو لموقف محرج !..