بسقوط عدوك لا تفرح، توصي اليهودية، ولكن هذا منوط بمن هو عدوك: أنا فرحت بسقوط صدام حسين، فرحت بسقوط معمر القذافي وسأفرح بسقوط بشار الأسد. من ناحية العدل التاريخي، لا فرق بين نهاية صدام ونهاية القذافي، باستثناء حقيقة أن الأول أعدم بعد محاكمة استعراضية سخيفة، والثاني أعدم قبل ذات المحاكمة. هذا، وحقيقة أن إسقاط صدام كلف حياة عشرات الآلاف في الوقت الذي كان فيه إسقاط القذافي «بخسا» بالنسبة إلى حياة الإنسان. نظرية الدومينو تعمل بالذات في الشرق الأوسط المجنون. التالي في الدور سيكون حاكم سوريا، دكتاتور وحشي ومريض لا صلاح له. وهو وحيد في قصره، نظر الأسد بحزن وبعصبية إلى صور تصفية القذافي، وبالحدس عرف أن ذات المصير يترقبه هو أيضا ويترقبه أبناء عائلته. نظامه منتهٍ، وإذا ما تبقت قطرة عقل في رأسه فإن عليه أن يهرب منذ هذه الليلة من دمشق إلى مكان آمن في أمريكا اللاتينية. هو وكلاب حراسته قتلوا حتى الآن متظاهرين أكثر مما قتل في كل حرب ليبيا. من قتل أمس على أيدي عصبة من حملة السلاح من أبناء شعبه، ليس فقط حاكم ليبيا. معه قتل أيضا الرمز الأخير لطريقة الحكم السياسية التي سادت العالم العربي على مدى أكثر من نصف قرن: «الاشتراكية العربية». الاشتراكية العربية ألهبت حماسة الجماهير في الدول العربية في الخمسينيات من القرن الماضي مع تحررها من قيود الاستعمار. وقد اقترحت خليطا من القومية العربية الفتية والمستقلة، مع شكل حكم حديث يعتمد على الحزب الواحد وعلى سيطرة الدولة على الاقتصاد. الاشتراكية العربية وعدت المؤمنين بها بجنة مزدوجة، على الأرض وفي السماء. توجهت إلى المشاعر وإلى العقل عندما عرضت وحققت برامج تنمية وحداثة اجتماعية. ولكن، منذ نهاية السبعينيات تبين أنه لا يوجد أفق للاشتراكية العربية. الإيديولوجيا الاجتماعية تبخرت منها تماما ولم يتبقَ سوى الطمع العاري للحكم لدى نخبة حزبية عسكرية ضيقة، لم تكن مستعدة لأن تتخلى عن امتيازاتها، وتمسكت حتى اللحظة الأخيرة بقرون المذبح، إلى أن تحطم المذبح تحت غضب الشعب. يظهر التاريخ أن دولا ديمقراطية بل ودولا شبه ديمقراطية، لا تقاتل الواحدة ضد الأخرى، حتى عندما يسود بينهما العداء. وعليه، فليس ظاهرا ما لإسرائيل أن تأسف عليه بنهاية الدكتاتوريين من مدرسة «الاشتراكية العربية» العفنة ومواصلي دربها، فقد قاتلونا ولم يكونوا من المتعاطفين معنا، على أقل تقدير. ولكن ما هو الاحتمال في أن تضرب الديمقراطية جذورها في العالم العربي ولا تحتل مكانها دكتاتورية إسلامية متزمتة. للتخوف من أن يحصل هذا يوجد أساس بالفعل، ولكن لا يوجد له بعد تجسيد في الواقع. عملية تغيير الدكتاتوريات بصناديق الاقتراع لم يحصل حتى الآن في أي دولة عربية إسلامية، لا في العراق ولا في أفغانستان ولا في السودان. صحيح، هناك من يتنبأ بأن في الانتخابات القريبة القادمة في تونس، وبعد ذلك في مصر، سيستغل الإسلاميون اللعبة الديمقراطية من أجل الوصول بواسطتها إلى الحكم ودفنه لاحقا. ولكن عندي رأي آخر: للديمقراطية، في رأيي، قدرة رائعة على الدفاع عن نفسها، ومن اللحظة التي تنهض فيها وتسيطر على الجماعة البشرية، بكون الديمقراطية فطرة الإنسان، فليس الإنسان مستعدا للتخلي عنها بسهولة، ولاسيما بعد أن يكون تذوق طعمها. لا سبب يدعو الخلق في العالم العربي إلى التصرف على نحو مختلف.