المقصود بانتكاس الوعي الفني هو انحصار القدرة على تمييز القيمة داخل ما يستهل من إنتاجات بل وما ينتج منها، وهذا الانتكاس لا يرتبط بفئة محددة أو بجهة دون أخرى، بل يعني الجميع أكان منتجا أو مروجا أو مستهلكا. ونتيجة لانتكاس هذا الوعي، أصبح القبول بتسييد تصور سلبي مسطح وفج وقبيح عن الفن والإبداع مسألة جد طبيعية، وهو ما يسمح بترسيخ ما سميناه في عمود سابق بالقهر الثقافي كحقيقة لا ترتفع. لقد فاض القبح بلا حدود في حياتنا الثقافية والفنية، وأصبح التميز هو ما لا يطاق في واقعنا الثقافي، ليس لأنه غير موجود أو لأنه ليست هناك حاجة إليه، بل لأن أكثر من جهة تعمل من أجل تعميم الابتذال الذي يعد الأداة الأساسية لمحاصرة التميز الإبداعي ولقتل الوعي الفني. فجهات عديدة اليوم تتواطأ بالكلام أو بالصمت لتسييد تصور سوقي للإبداع والفن والممارسة الثقافية بصفة عامة، وهذا ما يعد نتيجة لما سماه المفكر والناقد الفلسطيني فيصل دراج يوما ب»ثقافة الانهيار» التي هيأت لها الرؤى السياسية والمجتمعية والاقتصادية الأرضية الصلبة للتحقق. انتكاس الوعي الفني مسألة يمكن الاستدلال عليها من خلال واقعنا العام، ومن خلال وضعيات وحقول عديدة من العمل الجمعوي والمستوى التعليمي والتبديد الثقافي، والهدر المجاني لما هو نفيس، والمنتوج الإعلامي الرسمي، ووضع الثقافة في المغرب، لكن للتوضيح أكثر نحصر من هذه الوضعيات ما يلي: - إفساد ذوق الجمهور المغربي من خلال محاصرته بالإنتاج البصري البئيس في القنوات المغربية التي لا يربطها بالانتماء الوطني إلا الاسم، والدعم الذي يوفر لها، وبعض الاستثناءات القليلة من برامج وأعمال تشكل نسبة لاغية في البرمجة العامة. - قتل الوظائف النبيلة المفترضة في أي إعلام وطني، وهذا ما توضحه حالات عديدة من الإنتاجات الإذاعية التي يهمها الارتكاز على الإسفاف وتفراق اللغا والتنشيط الفارغ لملء كل الزمن الإذاعي، والادعاء أن ذلك هو المسلك الوحيد لتحديث هذا المجال! - عدم الربط الفاعل بين الفضاءات التربوية والتعليمية وبين ما هو ثقافي وفني، وهنا تصير المدرسة خاضعة لمنطق متجاوز في مجال التربية، وينظر إلى أي نشاط فني أو ثقافي بمثابة عبء لا معنى له وليست له أية قيمة. - عدم وجود أية صيغة لدعم اهتمامات الشباب في المجال، وغياب أية استراتيجية للتفعيل الحقيقي لبعض المبادرات التي تم اقتراحها من قبيل «زمن الكتاب» و»سينما الشباب» والمسرح المدرسي، مما يعني أن ما تم اقتراحه كان بغاية إضافة شعارات أخرى وليس لخدمة وعي الناس في واقعهم. - إلزام الفنان المغربي بأن يعيش فقيرا ومن دون كرامة، وهو ما يدفعه إلى الانخراط الطوعي في دعم المشاريع البئيسة والانخراط فيها والتصفيق لها، حيث يصير جزءا منها ولا يقبل أي نقد له ولها في آخر المطاف. - انسياق جزء كبير من جمهور الفن مع التصور السائد حول الإبداع المغربي، وقبوله بأي إنتاج يقترح عليه، وعدم استعداده للدفاع عن حقه في الإبداع الرفيع والمتميز في كل الحقول والمجالات، لهذا سيكون من المفيد أن يتم التأسيس لإنعاش الوعي الفني عبر إنعاش الوعي بالمواطنة الحقيقية.