مع أن أمريكا تمارس الإرهاب ضد كل العالم، منذ أن نشأت، فسفحت الدم الحرام وأبادت الهنود الحمر بالبنادق مثل صيد الطيور، في الوقت الذي مثلت فيه هوليود وحشية الهنود الحمر التعساء، فإن مصطلح «الإرهاب» يتبادله الجميع وفق لوغاريتم أمريكي، فالقرصان إذا نهب سفينة يقاد إلى المحكمة العالمية ومجلس الأمن بدعوى أنه يزعج البحر ويطلب رأسه للعدالة فيشنق، أما الإسكندر الأكبر عفوا أمريكا أسود كان أم أبيض، فهو يلتهم كل العالم مثل الحلاوة ويسمى إمبراطورا! وعندما كانت روما تصلب سبارتاكوس، كان في نظرها إرهابيا يستحق الصلب مع 7000 آلاف شقي، خطرت في بالهم الانتفاضة ضد جبروت روما، فصلبهم كاسيوس على طول الطريق حتى روما بأشنع ميتة، درسا لكل من يفكر في مقاومة الإمبراطور الدموي. في عام 1986م، شن ريغان حربا على نيكاراغوا أوقعت «75 ألف ضحية، منهم 29 ألف قتيل ودمار بلد لا رجاء لقيامته». لم تقصف نيكاراغوا واشنطن بالصواريخ أو تفجر القنابل في بوسطن بل تقدمت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لمقاضاة أمريكا، فحكمت المحكمة في 27 يونيو 1986م لصالح سلطات ماناغوا وأدانت «الاستعمال غير الشرعي للقوة، وطلبت من واشنطن وضع حد لجرائمها مع دفع التعويضات». كان جواب أمريكا: اذهبوا وبلطوا البحر. قامت نيكاراغوا بعدها بالتقدم إلى جمعية الأممالمتحدة، فلم يعترض إلا اثنان: مثل رجلين في بنطال واحد أمريكا وإسرائيل. ثم تقدمت إلى مجلس الأمن بطلب متواضع هو «تبني قرار يطالب الدول باحترام القانون الدولي»، وكانت النتيجة أن القرار سقط بسبب حق الفيتو اللعين مجددا. يقول نعوم تشومسكي: «فلم تعد في يد نيكاراغوا أي وسيلة قانونية تلجأ إليها، فقد فشلت جميعها في عالم تحكمه القوة». العالم، كما نرى، يعيش حالة استعصاء لا مثيل لها كما يقول راسل «في فراق بين الثقافة والعلم»، مثل طائرة جامبو المصممة منذ عام 1948م بدون مخارج وأقنعة أكسجين وأحزمة أمان. وهذا يعني، بكلمة ثانية، أن مشكلة التوحيد ليست ثيولوجية بل سياسية؛ وهو الذي عانى من أجله الأنبياء. ويظن البشر أن الأوثان هي من حجر أو تمر، ولا يخطر في بالهم أن تكون مؤسسات (مثل مجلس الأمن) أو من البشر الذين ترفع أصنامهم أحياء وأمواتا. والمشكلة ليست في الطقوس بل في الحقائق. وباستعراض المقدسات في العالم العربي والإسلامي، نرى بوضوح مثلث الوثنية مرفوعا في صور شاهقة لأشخاص فانين تدفعها ميزانيات دول تئن من العجز، مما يذكر بعقيدة الكنيسة في مركب الأقانيم: الأب والابن والروح القدس. إن هذا الكلام ليس للتجني أو المبالغة، إنه حقيقة مفزعة تخلع المفاصل من هولها.. ينشأ عليها الطفل، وتخشع لها القلوب، ويرتجف لها الكبار، وتصرف الأموال بحجم الجبال لتجنيد الجواسيس والاستخبارات وفرق التعذيب لتكريس هذا السحر آناء الليل وأطراف النهار للأنظمة كي ترضى. العالم الذي نعيش فيه، كما نرى، ليس واحدا بل ثلاثة: 1 - عالم عربي يسبح في ضباب الوثنية السياسية مع حرص مواطنيه على القيام بالطقوس. إذا نظرت إلى الفرد لم ينقصه شيء، ولكنه اجتماعيا يعيش في مصحة عقلية كبرى. 2 - عالم غربي تخلص من الوثنية السياسية، فنرى مالورني، الرئيس الكندي الأسبق، شخصا عاديا يمشي بين الناس بجانب طلبة جامعة «مك جيل» يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون، في مجتمع أقرب إلى التوحيد من المجتمعات المتعارف تاريخيا على أنها إسلامية؛ وهو ما يفسر فرار أهلها منها، فلن يفر مؤمن من (دار الإسلام) إلى (دار الكفر) ما لم يشعر بالأمان بين الكفار أكثر من المسلمين. ولكن لمن تقرع الأجراس؟ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين. وهو كذلك يفسر حالة الذل المصبوب على العالم الإسلامي مع كل شروق شمس؛ فإنه «لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت» كما جاء في دعاء القنوت؛ فلا يعقل أن يعز الله اليابانيين ويذل العرب لولا سر خاص يبثه الدعاء. إن قص الأنف بالمقص أسهل من استيعاب هذه الحقيقة. 3 - النوع الثالث هو الأممالمتحدة التي تحولت إلى مغارة لصوص يصادر فيه الأقوياء العدل بحق الفيتو (النقض) فينقضون بنيان العالم، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة. ومن الغريب أن كل العالم ساكت عن هذا المنكر ولا يطالب بإغلاق هذا النادي الإجرامي، بل يريد المشاركة فيه بزيادة مقاعد الجبارين، بدل الإمساك بعصا النبوة لتحطيم الأصنام كما فعل إبراهيم. وحل مشكلة العدل في العالم لن تكون إلا بالإسراع بتشكيل برلمان دولي كما في البرلمان الأوربي حيث يجتمعون ليس تحت شعار ألمانيا فوق الجميع بل ألمانيا مثل الجميع، أي على كلمة سواء بينهم ألا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله. وهذا المشروع ستقف ضده ديناصورات العهد الجديد، ولكننا تعلمنا من تاريخ الأرض أن الديناصورات انقرضت بفعل كارثة كونية. وقد يتورط الكون في حرب نووية قبل أن يتخلى الكبار عن مقاعد الألوهية في العالم واعتبار أنفسهم بشرا ممن خلق. وبغير هذا المخرج، فإن طائرة الجنس البشري ستبقى مخطوفة بأيدي إرهابيي مجلس الأمن، عفوا مجلس الرعب والظلم. تحكي القصة أن قرية شيلم وقعت فيها جريمة قام بها إسكافي، فأحضر الفاعل إلى القاضي، فحكم عليه بالإعدام. ولكن أهل شيلم صاحوا بصوت واحد أيها القاضي: إنه الإسكافي الوحيد في القرية. التفت القاضي إليهم وقال: معكم الحق يا أهل شيلم الأعزاء، إنه من الظلم حقا أن نحرمكم من الإسكافي الوحيد في القرية.. هاتوا اثنين ممن يركبون قرميد السطوح فأعدموهما بدلا عنه. وهذا ما تفعله الصين وروسيا اليوم مع الإسكافي الأسد ومذابح سوريا في الربيع العربي عام 2011م؛ وهذه هي عدالة شيلم ومجلس الأمن والدوما الروسية والحزب الشيوعي الصيني الماوي. انتهى/