عندما مر في نشرة أخبار الجزيرة موضوع العداء المغربي الذي أعلن رغبته في التبرع بإحدى كليتيه من أجل إنقاذ حياة ابنته المشلولة، تقاطرت عشرات الاتصالات على مكتب الرباط من مختلف الدول العربية. من الإمارات وقطر وسلطنة عمان واليمن. كلهم يريدون معرفة السبيل إلى تقديم المساعدة لأب الطفلة من أجل ثنيه عن بيع إحدى كليتيه. وزارة الخارجية المغربية هي أيضا اتصلت، لكن ليس لعرض خدماتها وإنما للتعبير عن عدم رضاها عن موضوع الروبورتاج الذي أعده الزميل أنس بنصالح حول العداء وابنته المشلولة. وكان صاحب المكالمة «الخارجية» منزعجا بسبب ما أسماه الصورة المشوهة التي أعطتها القناة للمغرب في العالم بسبب هذا الموضوع. وعندما علم سعيد عويطة أن العداء سيتحدث لقناة الجزيرة عن محنته اتصل به قبل التصوير، ليس لكي يعرض عليه مساعدة الجامعة أو وزارة الشبيبة والرياضة، وإنما لكي ينصحه نصيحة مجرب ويطلب منه التحكم في لسانه جيدا أمام الكاميرا حتى لا يجمح به بعيدا. في كل مرة تعرض قناة أجنبية حالة اجتماعية مزرية تتطلب تدخلا إنسانيا عاجلا، نسمع جهات رسمية تسارع إلى اتهام هذه القناة أو تلك بالسعي إلى تشويه صورة المغرب في الخارج. وهذه مناسبة لكي نتساءل مع وزارة الخارجية عن الجهات التي تشوه صورة المغرب حقيقة في الخارج. ولنبدأ بالحكم الذي صدر في أكادير قبل أسبوعين والذي رمى في غياهب السجن بشاب مغربي عبر عن رأيه كتابة، وليس بالسلاح كما كان يصنع رفاق حرزني. واليوم نرى كيف حكمت المحكمة بإلغاء المتابعة في حق محمد الراجي، لأن القاضي الذي حكم عليه بالسجن سنتين نافذتين ارتكب أخطاء شكلية لا يرتكبها طالب في السنة الأولى حقوق، ولو كانت هناك مسابقة دولية لأسرع حكم لفاز به هذا القاضي الذي أصدر حكمه في أقل من ثلاث دقائق. هذا الحكم السريع طاف كل أرجاء العالم، عبر المدونات والصفحات الخاصة. وتناولته قنوات دولية لديها مكاتب في المغرب، لكونه أول حكم يصدر ضد مدون مغربي بسبب أفكاره، وليس بسبب انتحاله صفة كما وقع قبله لفؤاد مرتضى. هذا الحكم أكد مكانة المغرب في ترتيب الدول المعادية للإنترنيت، وشوه سمعة المملكة عبر العالم. أما المشاركة المغربية في أولمبياد بكين فكانت أكثر من شوهة، والكارثة أنها كانت شوهة أمام أنظار العالم قاطبة كلفت دافعي الضرائب المغاربة مليارا و210 مليون. ومع ذلك فضلت نوال المتوكل قبل أمس أن تخطف رجلها من البرلمان إلى جلسة الدروس الحسنية، تاركة النواب المحترمين يطرحون أسئلتهم حول المشاركة المغربية النكراء في الفراغ. فقد قالت لهم أنها ستجيبهم عن أسئلتهم كتابة عندما ترجع من الدروس الحسنية التي لا تستطيع «تمنيكها». ولعل الشوهة الأكبر هي عندما حصل أبطالنا الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة على ميداليات ذهبية وفضية في الألعاب الأولمبية الموازية، دون أن يشير بلاغ الجامعة إلى وجود أية نية لاستقبالهم رسميا لتكريمهم على رفعهم للراية المغربية والنشيد الوطني الذي عجز عن رفعه أصحاب السيقان المفتولة والعيون المفتوحة عن آخرها. قبل أمس وأنا أشاهد نشرة أخبار القناة الثانية الفرنسية، ربط مخرج النشرة الاتصال مباشرة بالبطلة الفرنسية التي أحرزت ميدالية ذهبية في ألعاب بكين الموازية. وكانت البطلة متذمرة بسبب أن اللقاء الرسمي الذي نظمته الإليزي على شرف الأبطال الفرنسيين العائدين من بكين، لم يتعد بضع دقائق، سألها فيها ساركوزي عن مشاريعها الرياضية المستقبلية. وقلت في نفسي أن هؤلاء الرياضيين الفرنسيين «مفششين»، لأن رؤساء دولهم يستقبلونهم في قصورهم الرئاسية، ومع ذلك فإنهم لا يسلمون من نقدهم. أما عندنا فإن سناء بنهمة العداءة المغربية التي فازت لوحدها بثلاث ميداليات ذهبية ورفعت النشيد الوطني المغربي ثلاث مرات في «عش الطائر»، ستنزل في المطار دون أن تكون في استقبالها حتى وزيرة الشبيبة والرياضة. إن تشويه صورة المغرب في الخارج، ليست هي عرض مآسي ومشاكل أبنائه في وسائل الإعلام ذات الانتشار الواسع. فحتى فرنسا وغيرها من الدول الديمقراطية عندما تتابع نشرة أخبارهم تصدمك تقاريرهم حول المنحرفين جنسيا وشبكات الدعارة والمخدرات والإجرام والكوارث التي توجد في بلدانهم ويعرضونها في نشراتهم دون عقد. بل إن التشويه الحقيقي هو التخلي عن أبناء المغرب في الخارج عندما يحتاجون إلى مساعدة الخارجية المغربية. وهل هناك شوهة أكبر من أن يذهب عامر كاتب الدولة المكلف بالجالية إلى طرابلس لكي يفطر عند العقيد القذافي بينما نفس العقيد يحتجز أخ الخادم المغربي في مكان سري بجمهوريته العظمى، دون أن يتضمن برنامج اللقاء أي حديث حول هذه المأساة المغربية. هل هناك تشويه لصورة المغرب في الخارج أكثر من أن يلجأ الطلبة المغاربة في مدينة دوسلدولف الألمانية إلى القنصلية التركية من أجل التقاط صور شخصية لهم قبل الدخول إلى القنصلية المغربية المقابلة لها، لأن هذه الأخيرة تفتقر إلى هذه الآلة البسيطة. وقد تعود موظفو القنصلية التركية على هذا اللجوء «التصويري» للطلبة المغاربة عندهم، ومنهم من أصبح يسخر من الطلبة وينصحهم بإكمال خيرهم وإيداع ملفاتهم في القنصلية التركية عوض القنصلية المغربية. يكفي في دوسلدولف مثلا إذا أراد السائح الألماني أن يأخذ فكرة عن صورة المغرب فما عليه سوى أن يلقي نظرة على مقر القنصلية المغربية التي توجد في أرقى حي بالمدينة. وستلوح له راية مغربية «كاشفة» الألوان موضوعة فوق باب المبنى المتسخ والبشع الوحيد في الشارع الجميل والأنيق الذي توجد به القنصلية. ولن نتحدث عن قنصلية أمستردام التي تمتلئ جدرانها الداخلية بآثار أصابع الجالية المغربية، بسبب الصباغة التي تتركها عملية أخذ البصمات، وغياب أوراق النظافة. تلك القنصلية التي يغلقونها بقفل حديدي كأي «باطوار». كما لن نتحدث عن قنصلية برشلونة التي طلب فيها القنصل ذات وقت من المهاجرين المغاربة أن يتعاونوا معه على جمع فلوس صباغة جدرانها. إلى درجة أن المغاربة أصبحوا يخجلون من مرافقة أصدقائهم ومعارفهم ومشغليهم من الأوربيين إلى هذه القنصليات التي تشوه صورة المغرب، والتي أصبحت موضوعا لسخرية المهاجرين المغاربة، والذين كلما اشتد الحنين على بعضهم وتوحش رائحة المغرب، يذهب للقيام بدورة في إحدى هذه القنصليات لكي «يزعف» من المغرب وما يأتي منه من رائحة. ثم إن تشويه صورة المغرب الحقيقي هو تلكؤ النيابة العامة إلى اليوم في فتح تحقيق حول إطلاق اليعقوبي صهر الملك للرصاص على شرطي مرور قام بواجبه. لأن هذا التلكؤ والتباطؤ يشكك في مفهوم دولة الحق والقانون، ويزرع الشك في قدرة العدالة على ممارسة سلطتها على الجميع بغض النظر عن ألقابهم وأسمائهم العائلية ونفوذهم السياسي. باختصار شديد فعدم فتح النيابة العامة لأي تحقيق في القضية إلى اليوم يعني شيئا واحدا. وهو أن هناك مواطنين تصدر في حقهم أحكام بالسجن في ثلاث دقائق، وآخرين تطوى ملفاتهم وتحفظ في ثلاث دقائق أيضا. ألسنا في أجمل بلد في العالم. بلى.