من المؤكد أن منتجي الدمى في روسيا مشغولون جدا في هذه الأيام. فقد انقضى عهد «عصر كأنما». ولم يعد خط إنتاجهم الأخير ذا صلة. من الواجب عليهم أن يعيدوا الدمى إلى أحجامها الطبيعية، فبوتين الصغير سيكبر مرة أخرى، وسيضطر مدفيديف الكبير إلى أن ينكمش قربه. إن الوسواس بسبب التبديلات المتوقعة في القيادة أصاب الليبراليين أيضا، فسارعوا إلى طبع منشورات فلاديمير بوتين، الرئيس القديم الجديد، مرة أخرى قريبا في صورة بريجنيف. وتم إلباسه بزة عسكرية وزُين بأوسمة سوفياتية، بل نما له حاجبا بريجنيف. «مباركة العودة إلى الاتحاد السوفياتي»، يريد المحللون تحذيرنا من «بوتين الثاني» الذي سيعزز روح القومية، ويؤكد المشاعر المعادية للغرب، ويهمل سياسة البدء من جديد التي قاربت في إطارها روسيا مدفيديف الولاياتالمتحدة في مدة أوباما. إن بوتين يطمح إلى أن يعيد إلى بلاده مكانة القوة العظمى التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؛ ولن يكون من الممكن عدم الشعور بهذا في الشرق الأوسط أيضا. إن «ربيع الشعوب العربي» يسبب نماء بوتين، ومعركة حلف شمال الأطلسي في ليبيا تثير اشمئزازه؛ وهو يعارض بشدة تدخلا عسكريا في سورية، بل إنه أحبط مبادرة أوربية إلى فرض عقوبات على نظام الأسد القاتل. وهو يقمع بشدة كل محاولة شيشانية أو داغستانية أو أنغوشتية أو غيرها للتعبير عن تقرير المصير في مناطق الاتحاد الروسي؛ وهو يناضل أيضا للاعتراف باستقلال كوسوفو. وفي مقابل هذا، عندما يكون الحديث عن الفلسطينيين فإن «الربيع» يزهر بالذات: فالصوت الروسي في مجلس الأمن مدسوس عميقا في جيب محمود عباس. وهو نفس الصوت الذي منع ذكر «الدولة اليهودية» في مخطط الرباعية الأخير. كل ذلك مركز اختلاف في الموساد وجهاز الأمن ووزارة الخارجية: فحسب أحد المذاهب فإن «الروس لا يكفون عن البصق في وجه إسرائيل». ويُذكّر أصحاب هذا الرأي من جملة ما يُذكّرون به تزويد سورية بالسلاح المتطور والاتصالات التي تجريها روسيا بحماس، مخالفة موقف الرباعية. وحسب مذهب آخر، فإنه طرأ تحسن دائم على العلاقات في العقد الأخير. ويزعم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي رأى في تطوير العلاقات بروسيا هدفا مركزيا.. إنها «اليوم أفضل مما كانت عليه». وحسب ما يراه يفغيني ستانوفسكي، رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط في موسكو، فإن بوتين محب للسامية، ولو أن إسرائيل كفت عن السلوك كأنها الولاية ال51 للولايات المتحدة لتمتعت بمعاملة روسية تفضيلية. بين المراقبين من ينظرون إلى بوتين وإلى ليبرمان ويستمعون إلى أفيغدور وإلى فلاديمير، وهذا التشخيص صحيح جزئيا بالطبع فقط لأن خطابة الكرملين تبدو على هذا النحو تقريبا: «إن الاهتمام بالأمن والاستقرار هو الذي يُملي نظرتنا إلى الربيع العربي. فالأسد قاتل والقذافي مجنون، لكننا كنا في فيلم استبدال عناصر إسلامية وتأثير إيراني بنظام شمولي علماني، في العراق. قد تكون لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط تأثيرات في القوقاز ووراءها. يجب على روسيا أن تهتم بنفسها ويجب على إسرائيل أن تكون في مقدمة القلقات: فالسلاح الليبي أخذ يتجه إلى غزة». يقول الروس: «إننا ورثنا الاعتراف بالدولة الفلسطينية عن الاتحاد السوفياتي في 1988، كما ورثنا الاعتراف بالدولة اليهودية في سنة 1947. وقد أُزيل التطرق المباشر إلى تجميد المستوطنات من خطة الرباعية، بموافقتنا، في إطار صفقة أُزيل فيها طلب الاعتراف بإسرائيل باعتبارها دولة يهودية، وهذا تعريف مفهوم من تلقاء ذاته». ويلخص الروس قائلين: «برهن أوباما في خطبته الصهيونية في الأممالمتحدة على أن الولاياتالمتحدة غير قادرة على أن تكون وسيطة نزيهة. ولنا في المقابل علاقات قريبة بالطرفين ومنهما حماس التي هي منتوج إسرائيلي أصلا والتي لا يمكن لأسفنا الشديد تجاهلها». في الواقع الإقليمي المتغير، تُظهر الولاياتالمتحدة ضعفا، في حين تسعى روسيا إلى مشاركة مُلحة. وكلما انتفخت دمية فلاديمير سيعظم التحدي الروسي لأفيغدور.