عبدالحليم لعريبي ارتبطت تحالفات الفرق النيابية والأحزاب السياسية داخل المؤسسة التشريعية بعقد تحالفات غير مبنية على أسس واقعية وديمقراطية، التجأت فيها بعض الأحزاب السياسية إلى تأسيس فرق برلمانية بألوان ومرجعيات إيديولوجية مختلفة، لا تمت بصلة إلى المعايير الديمقراطية المتوافق عليها عرفيا، كما حدث بين حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يشارك بحقائب وزارية في الحكومة، والاتحاد الدستوري الذي ظل في المعارضة منذ حكومة التناوب، إذ تتم مناقشة وتقديم مقترحات ومشاريع قوانين بصفة متوافق عليها إلى الحكومة، رغم أن طبيعة العمل السياسي تقتضي تحديد أدوار كل من أحزاب المعارضة والمشاركة في العمل الحكومي. ويبدو أن أحزاب المعارضة في البلاد، باستثناء حزب العدالة والتنمية، أصبحت تؤيد الحكومة في مشاريع القوانين والاقتراحات، على الرغم من تصنيفها في خانة المعارضة داخل قبة المؤسسة التشريعية، ويظهر هذا الخلل السياسي في تبني قوانين خلال الدورة الاستثنائية التي يعقدها البرلمان حاليا قبل الانتخابات المزمع عقدها في 25 من الشهر المقبل. ورغم الانتقادات التي وجهت من قبل عدد من المحللين والمتتبعين الشأن السياسي، ساهمت بعض أحزاب المعارضة في تمرير مشاريع قوانين على الرغم من ارتدائها غطاء المعارضة، بعيدا عن أي تقارب تنظيمي أو إيديولوجي في بعض الأحيان، وهو ما كرس العبث في الحياة الديمقراطية والسياسية في البلاد، على حد تعبير بعض المتتبعين، وعمق الهوة بين الشباب والأحزاب السياسية. ويظهر أن هذه الممارسات السياسية لا تزال مستمرة حاليا من قبل فرق برلمانية أثناء مناقشة القوانين المبرمجة في جدول أعمال الدورة الاستثنائية، إذ تتقدم مثلا «مجموعة الأربع» بمقترحات، بينما هي مؤلفة من حزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية الموجودين في حكومة عباس الفاسي، وحزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري الموجودين في صف المعارضين للحكومة. المعطي بنقدور، عضو المكتب التنفذي لحزب التجمع، أوضح في تصريح ل«المساء» أنه يوجد تناقض بين تحالف الفريقين على مستوى البرلمان. وأضاف أن «هذا التحالف كنا نسير به إلى حزب واحد في سنة 2012، لكن المعطيات أظهرت أن حزب الحصان لا يرغب في بناء حزب واحد». وأكد بنقدور على أن التحالف في الوقت الراهن من قبل الأحزاب الأربعة، يجب أن يكون بعديا في المستقبل، مؤكدا أن حزب الاتحاد الدستوري صوت أكثر من مرة رفقة حزب الحمامة. من جهته، اعتبر عبد الله فردوس، عضو المكتب السياسي، أن التحالف بين الفريقين كان من أجل المستقبل، مؤكدا أن التحالف بين الفريقين لم يؤثر على العمل التشريعي على الرغم من وجود حزبه في خانة المعارضة.وأكد أن اشتغال فريق الحزب إلى جانب الأحزاب في الدورة الاستثنائية عادي جدا، بحكم وجود توافق من قبل الأحزاب السياسية على هذه القوانين، ولازال النقاش مستمرا داخل المؤسسة التشريعية، يضيف فردوس. ومن منظور المتتبعين يصعب التشريع في المغرب في مجال القوانين والمشاريع المقترحة بين فريق يتشكل من المعارضة وآخر من المشاركين في الحكومة، خصوصا إذا تعلق الأمر بنقاش حول مشاريع من العيار الثقيل، كالتصويت مثلا على مشروع قانون المالية، إذ غالبا ما تلجأ أحزاب المعارضة إلى الموافقة عليه من خلال مساندة فريق التجمع الدستوري لصلاح الدين مزوار، على الرغم من وجود حزب المعطي بوعبيد ضمن صفوف المعارضة منذ 1998 . وكرست طبيعة هذه التحالفات مقايضة الأحزاب فيما بينها بطرق تمس بسمعة المؤسسة التشريعة، خصوصا ما حدث أثناء انتخاب محمد الشيخ بيد الله رئيسا لمجلس المستشارين، إذ دعم من قبل أحزاب في الأغلبية الحكومية، على الرغم من إعلان حزب الأصالة والمعاصرة خروجه إلى صف المعارضة قبيل انتخابات يونيو 2009، إذ صوت عدد من المستشارين البرلمانيين من الأحرار على الشيخ بيد الله، وترشيح المعطي بنقدور عضو المكتب التنفيذي لحزب الحمامة باسم الأحرار للفوز برئاسة الغرفة الثانية للبرلمان. وأحدثت هذه الممارسة خللا عميقا في المنظومة البنيوية للفرق البرلمانية وفي تحديد الأدوار الديمقراطية لكل فريق برلماني، مما يكرس صورة سيئة على مستوى العمل التشريعي، الذي يقتضي ترك المصالح الضيقة، واعتماد نموذج ديمقراطي في تبني الممارسة التشريعية داخل قبة البرلمان. ويظهر من خلال هذه الممارسات أن الخلافات الإيديولوجية بين الأحزاب تغيب عندما تطرح مسألة المقايضة بين الأحزاب، وهو تحد كبير بالنسبة للأحزاب في وجه المواطن الذي يصوت على حزب ذي مرجعية، قبل أن يجد البرلماني الذي يمثله في حزب ينسق مع حزب له مرجعية مخالفة. ويبدو أن تخليق الحياة السياسية يرتبط كما هو في البلدان المتقدمة بتبني تحالفات تعتمد على قواسم مشتركة إيديولوجيا، وهو ما يكون منسجما مع الأعراف السياسية، واعتماد هذا المبدأ سيجنب المغرب الخروج إلى الشارع من جديد بعد انتخابات 25 من شهر نونبر المقبل.